سور القسطنطينية التاريخي: شاهد أتعبه الانتظار فبدأ بالتداعي

04 نوفمبر 2018
طاول الإهمال الكثير من أسوار القسطنطينية رغم محاولات الإنقاذ(Getty)
+ الخط -
أعاد انهيار برج أثري من سور القسطنطينية في منطقة الفاتح بإسطنبول، قبل أيام، هذا السور للواجهة، بعد أن صمد منذ القرن الخامس الميلادي، بوجه الظروف والعوامل الطبيعية، بما فيها هزات وزلازل، ليبدو التعب والتصدع والشقوق، على كثير من أبراجه التسعين وجدرانه التي تحاوط المدينة القديمة والممتدة لنحو 22 كليو متر.

ولم يجد نفعاً ربما، الترميم السريع الذي قامت به وزارة الثقافة والسياحة التركية، على ثلاث مراحل خلال الأعوام الثلاثة الفائتة، لأنها ركزت على السور المحيط بقصر طوب كابي ومتاحف إسطنبول الأثرية وحديقة غولهانة، ولم يطاول التدعيم أو حتى البناء من جديد، أكثر مناطق السور شهرة، وهو المكان الذي دخل منه محمد الفاتح بمنطقة الإيدرنا كابي بحي الفاتح.
ما يدفع الأتراك، للإسراع بترميم، على الأقل، الأجزاء القائمة من سور القسطنطينية الأول، ليحافظ كامل السوري الذي تم تطعيمه بتدعيم وحجارة جديدة، على شكله الأولى وجذب السياح، وإن تغيّر السبب، وقت بنى البيزنطيون الجدار، حول مدينة تحوي القرن الذهبي وتسيطر على الممرّ المائي الواقع بين قارتيْ آسيا وأوروبا، لتبقى صامدة في وجه أعدائها على مدى آلاف من السنين، قبل أن تتحول أسوار القسطنطينية، إلى تحفة معمارية تاريخية جذبت انتباه البشر لعقود.

تشير المصادر التاريخية، أن أسوار القسطنطينية بنيت في بداية القرن الخامس الميلادي بأمرٍ من الإمبراطور البيزنطي ثيودوسيوس الثاني، لتكون حصنًا منيعًا يحمي المدينة ويدافع عنها ضدّ هجمات أعدائها، إذ كان تصميمه يهدف لجعل اجتيازه شبه مستحيل سواء من ناحية البرّ أو البحر، الأمر الذي يفسّر كيف صمدت القسطنطينية أكثر من 1500 عام في وجه من غزاها من عرب وروس وبلغار، إلى أنْ وصلها العثمانيون ومدافعهم العملاقة وحاصروها لمدة ستة أسابيع أدت لفتحها عام 1453 على يد محمد الفاتح.

حصون ضد العدو
ويعود بناء الأسوار في البداية إلى عهد الإمبراطور قسطنطين الكبير، إذ كانت عبارة عن جدران حجرية ضخمة تحيط بالقسطنطينية من جميع الجوانب. ومع نمو المدينة وتوسع البيزنطيين فيها، تمّ إنشاء السور المزدوج والذي بات يحمل اسم الجدران الثيودوسية كنايةً عن الإمبراطور ثيودوسيوس.



وحافظ العثمانيون على الجدران سليمة، حتى بدأ تفكيك بعض أجزائها في مطلع القرن التاسع عشر، حيث بدأت المدينة بالتوسع خارج نطاق حدودها التي كانت عليها في القرون الوسطى، ليطلق على إسطنبول اليوم، داخل السور وخارجه.

وتمتد سلسلة أسوار المدينة على مسافة 23 كلم، تمتد الأسوار، برا وبحرا، 8 كلم منها أسوار برية، و6 كلم تقع على الجهة المطلة للمدينة على خليج القرن الذهبي، و9 كلم تحيط بالمدينة من جهة بحر مرمرة، على شكل مثلث هي خارطة إسطنبول القديمة، أي من منطقة يديكولي على بحر مرمرة إلى منطقة أيوان سراي المطلة على خليج القرن الذهبي. وعلى الرغم من التغييرات الشتى التي طرأت عليها بفعل عوامل الزمن والتاريخ، إلّا أنّ أجزاءً كبيرة منها ما زالت بحلتها البيزنطية، وإن لحقها التصدع والإعياء لكثرة الوقوف والانتظار.

هندسة حربية
وتتوزع جدران القسطنطينية على قسمين، الأول أسوار البحر، لتلك التي تحيط المدينة على جوانب بحر مرمرة وخليج القرن الذهبي، ويعود بناؤها لعام 439 للميلاد، والثاني الأسوار الأرضية أو الجدران الثيودوسية التي تتألف من جدارين وليس من جدار واحد كما الأسوار البحرية، إذ لم يكن من المتوقع عند البيزنطيين أي تهديد قادم من جهة البحر، نظرا لثقتهم العالية بالمدفعية البحرية التي كانوا يمتلكونها آنذاك.

وتتألف الأسوار البرية من سور داخلي متين وعميق تحت الأرض، ولها قاعدة متنية، وأمامها سور آخر، أقل عرضا وقاعدة، ومن الخارج خندق عريض وعميق.

والسور الخارجي يرتفع 8.5 أمتار، بسمك مترين، فيما السور الداخلي يرتفع 14 مترا بسمك 5 أمتار، ويبلغ عرض الخنادق 20 مترا، بعمق يتراوح بين 5-8 أمتار، وعلى كل 60 مترا هناك برج، وهي ترتفع عن الأسوار العادية ما بين 2.5 و3 أمتار.

ويتخلل السور قلعة الأبراج السبعة، برج بيلون الجنوبي، برج بيلون الشمالي، برج الكتابات، برج المدفعية، برج السلطان أحمد الثالث، برج الخزينة، وبرج الراية التي تقع على الشريط الساحلي الممتد من منطقة "سراي بورنو" إلى منطقة "باكركوي"، وتم بناؤها ما بين الأعوام 413 و439 للميلاد بأمر من الإمبراطور تيودوسيوس الثاني.


القلعة
تتكوّن القلعة من برجين عاليين بنيا على السور، ومن الباب الذهبي الذي كان مخصصا لدخول الإمبراطور وسريته المنتصرة بعد عودتهم من المعارك، إضافةً للسور ذي الأبراج الثلاثة الذي أُنشئ بعد الفتح العثماني للمدينة، وحول القلعة إلى سجن وغرفة إعدام للمحكومين، إذ لا يزال من الممكن العثور على كتاباتهم المنحوتة أو بقاياها بالأحرى على جدران القلعة. كما تمّ استخدامها في حفظ خزينة الدول وغنائم الحروب والغزوات، أما اليوم فيستخدم هذا الحصن كمتحف تُقام فيه الفعاليات الثقافية والحفلات الغنائية، كما يتبع إداريًا منذ العام 1968 لمديرية إسطنبول للمتاحف والحصون.



وأما القسم الثالث من جدار القسطنطينية، فهو ما يسمى أسوار القرن الذهب التي يبلغ طولها بداية إنشائها أكثر من 5600 مترٍ لكن في عام 1870 تعرّض للهدم فلم يتبقَ منه سوى أجزاء قليلة جدًا.

وبقيت أسوار القسطنطينية وقلاعها حصناً إلى أن جاء السلطان العثماني محمد الفاتح، الذي تجاوز تلك الأسوار، في العام 1453م، وعبر أكثر من رواية متداولة بالتاريخ العثماني، إن ما يتعلق باستخدام أكبر المدافع العثمانية أو رواية جر السفن برا لتدخل القسطنطينية من خليج البوسفور الذي كانت تسد سلاسل حديدية بين شاطئيه على البحر الأسود ومرمرة، ليتحول دور السور الوظيفي، ويبقى دليلاً على قوة الإمبراطورية العثمانية وقتذاك، وتتحول الأبواب "باب مولانا، وتوب قابي، وأدرنة قابي، والباب الذهبي، وباب بالاط، وأون قاباني قابي" إلى محج اليوم، للسياح.
دلالات
المساهمون