آشور... حكاية مدينة عريقة

04 يوليو 2017
شيّدت آشور نظاماً مصرفيَّاً متطوّراً (Getty)
+ الخط -
في الشرق الأدنى القديم، امتدَّت الإمبراطورية الآشورية من بلاد ما بين النهرين (العراق حاليا) إلى آسيا الصغرى (تركيا الحالية) ثم نزولا إلى بلاد النيل مصر. بدأت الإمبراطورية بمدينة متواضعة هي آشور، والمعروفة لدى السومريين باسم سوبارتو، وتقع المدينة شمال شرق بابل في العراق. وازدهرت التجارة في المدينة بعد أن اتجه تجارها للتواصل مع بلاد الأناضول فأصبحوا أكثر ثراء، إذ سمح هذا الثراء للمدينة بالنمو والازدهار الكبير.

ووفقا لتفسير أحد المقاطع في سفر التكوين؛ فإن من أسس مدينة آشور هو رجل يدعى آشور بن شيم بن نوح عليه السلام، وذلك بعد الطوفان الكبير، فيما يعتقد مؤرخون أن المدينة سميت آشور نسبة لاسم الإله في الألفية الثالثة قبل الميلاد، فاسم الله في ذلك الوقت بلغة تلك المنطقة كان آشور.

كان الآشوريون يتحدثون اللغة الآكادية قبل أن يتحولوا للغة الآرامية لسهولتها في التعلم والتدوين، وقد قسم المؤرخون صعود الإمبراطورية الآشورية وهبوطها إلى ثلاث فترات: المملكة القديمة والإمبراطورية الوسطى والإمبراطورية المتأخرة أو الجديدة. ورغم ما يشير إليه التاريخ من أن الآشوريين استمروا لفترة طويلة في كل أراضي الإمبراطورية؛ فإن مناطق العراق وإيران تعد في الوقت الحالي مستقرّاً للآشوريين الباقين.

والأطلال الموجودة في مدينة آشور تعود إلى حوالى عام 1900 قبل الميلاد. ووفقا للنقوش الأولى كان الملك الأول هو "توديا"، ومن جاؤوا بعده كانوا يُعرفون باسم "الملوك الذين يعيشون في الخيام"، مما يشير إلى المجتمع الرعوي وليس الحضري، حيث كانت آشور بالتأكيد مركزاً مُهمّاً للتجارة حتى ذلك الوقت، رغم أنّ شكلها الدقيق وهيكلها غير واضح.

وقد بنى الملك إريشوم معبد آشور على الموقع في مابين عامي 1900- 1905 قبل الميلاد، وهذا ما حدا بالمؤرّخين ليتخذوه التاريخ المقبول لتأسيس المدينة فعلياً على الموقع، وإن كان من المعروف وجود شكل من أشكال المدن هناك قبل ذلك التاريخ.

كانت كاروم كانيش التجارية (ميناء كانيش) من بين المراكز الأكثر ربحاً للتجارة في الشرق الأدنى القديم، وبالتأكيد الأكثر أهمية لمدينة آشور. وسافر التجار من آشور إلى كانيش، وأنشأوا الشركات والشراكات، ثم بعد ذلك، وضعوا الموظفين الموثوق بهم (عادة أفراد الأسرة) ليتولوا مسؤولية إدارة الأعمال، وعاد التجار إلى آشور وأشرفوا على معاملاتهم التجارية من هناك، كما يقول المؤرخ، بول كريواكزيك، الذي يؤكّد على أن العائلات التجارية ازدهرت للغاية وأصبح بعض رجالاتها مليونيرات في تلك الأزمنة القديمة.

ويضيف كريواكزيك أن آشور شيّدت نظاماً مصرفيَّاً متطوّراً، وجاء بعض رأس المال الذي مول تلك التجارة والأعمال بين آشور والأناضول من استثمارات طويلة الأجل، قام بها مضاربون مستقلون مقابل نسبة محددة تعاقدياً من الأرباح، تماماً مثل ما يحدث اليوم في عالم المال والأعمال والمصرفية مع الفارق أن ذلك كان قبل الميلاد بعشرات القرون.

ومع أن الثروة المتولدة عن التجارة في كاروم كانيش وفرت لشعب آشور الاستقرار والأمن اللازمين لتوسيع المدينة، فإنها أيضا وضعت الأساس لصعود الإمبراطورية. أما التجارة مع الأناضول فكان لها نفس القدر من الأهمية في تزويد الآشوريين بالمواد الخام التي جعلتهم قادرين على صنع الآلات والأسلحة الحديدية القوية.


المساهمون