يواكين فونيكس: خجول يؤدي أدواراً معقّدة يتخللها بعض الضحك

17 يونيو 2017
يواكين فونيكس في "كانّ" الـ 70 (فايسبوك)
+ الخط -
قبل ساعات قليلة على إعلان النتائج النهائية، الخاصّة بالمسابقة الرسمية للدورة الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كانّ" السينمائيّ، لم يعتقد الممثل الأميركي يواكين فونيكس (1974) أنه سيحصل على جائزة أفضل ممثل. ورغم أن دوره في "أنتَ لم تكن هنا إطلاقاً"، للبريطانية لين رامسي (1969)، يُشكِّل خطوة إضافية له في تأدية أدوار مركّبة عن شخصيات مضطربة، تُقيم في جحيم الأرض؛ إلاّ أن ردّه على تعليق أحد الصحافيين، القائل بـ "أن هناك كلاماً يدور حول منحك جائزة أفضل ممثل"، يعكس عدم قناعة لديه بإمكانية حدوث هذا: "جائزة التمثيل لي؟ هذا أمرٌ مثير للسخرية".
ربما لهذا السبب، لم ينتبه فونيكس إلى الإعلان عن فوزه بجائزة التمثيل في "كانّ": المفاجأة بادية عليه، والصدمة تُبقيه ثوانٍ عديدة مُسمَّراً على كرسيه، داخل صالة "المسرح الكبير ـ لوميير"، قبل أن يتمكّن من التوجّه إلى المنصّة، واستلام جائزته: "لا أستطيع أن أقول شيئاً آخر، سوى شكراً. هذه الجائزة غير متوقّعة أبداً، بالنسبة إليّ. الدليل؟ انظروا إلى حذائي، فهو لا يُلائم الظرف الذي أنا فيه الآن"، كما قال، مُشيراً إلى الحذاء الرياضي الذي كان ينتعله حينها، بدلاً من حذاء جلديّ رسميّ.
لا شكّ في أن جائزة التمثيل في "كانّ" مرغوبة جداً، كبقية جوائز المسابقة الرسمية، والبرامج والمسابقات الأخرى أيضاً. ومع أن يواكين فونيكس حاصلٌ على جوائز عديدة بدءاً من عام 2000 ـ بينها "غولدن غلوب" عن دوره في الدراما الموسيقية Walk The Line (2005) لجيمس مانغولد (1963)؛ و"كوبي فولبي" لأفضل أداء تمثيلي رجالي، في "لا موسترا 2012"، مناصفةً مع فيليب سايمور هوفمان (1967 ـ 2014)، عن دورهما في The Master لبول توماس أندرسن (1970) ـ إلاّ أن لـ "كانّ" رونقاً وسحراً ومكانةً لا تُضاهى، في المشهد السينمائيّ الدولي.
"بالتأكيد، الجوائز مهمّة لي. كان يُمكن لسيرتي المهنية أن تكون مختلفة كلّياً، لو لم أحظَ بالاعتراف"، كما قال في حوار منشور في "جورنال دو ديمانش" الفرنسية (28 مايو/ أيار 2017). لكنه، في المقابل، يُشدّد على أن الأهم يكمن في "أن يرتاح المخرج إلى ما أفعله، وأن يكون مطمئناً وراضياً". إلى ذلك، لم يتردّد عن الاعتراف ضاحكاً أن حضوره في "كانّ" مفروضٌ عليه بحسب "عقد العمل"، قبل أن يستدرك بجدّية ملتبسة: "غير أننا موجودون في مكان بديع، إلى درجة لا تُصدَّق. قبلاً، لم أكن مرتاحاً مع هذا النوع من الأفعال. كانوا يُخضعوني لماكياجٍ معيّن، ولتصفيفة شعر محدّدة، إلخ. كنتُ أعتبر هذه الأمور مثيرة للسخرية. لكن المسألة عظيمة، لأن هناك مهرجاناً يدعم الجهد الإبداعي. أن تكون جزءاً من المهرجان، فهذا أمر رائع".
صحافيون سينمائيون عديدون ردّدوا، في الأيام الأخيرة من الدورة الـ 70 لـ "كانّ" (موعد عرض الفيلم الأخير لفونيكس، ووصوله إلى المدينة للمشاركة في العرض الدولي الأول)، أن الممثل "خجول جداً". أحد هؤلاء نقل عن مساعدٍ لفونيكس قوله إن الممثل الشاب "يكره اللقاءات"، الصحافية والإعلامية، لكنه يوافق على بعضها بسبب متطلبات المهنة.
هذا كلّه يُناقض الدور الذي حصل، بفضله، على جائزة التمثيل الرجالي: جنديّ سابق في البحرية الأميركية، يعود إلى نيويورك بعد خدمة عسكرية مريرة في العراق، محمّلاً باضطرابات نفسية وروحية، تُضاف إلى تلك التي تمزّقه منذ طفولته، بسبب عنف والده، الذي حوّل حياة العائلة إلى جحيم. والجحيم مستمرٌّ في الحياة اليومية لجو (فونيكس)، العميل السابق في "المكتب الفيدرالي للتحقيقات"، والمُقيم مع والدته العجوز في منزلٍ متواضع.
عمله الجديد؟ تنفيذ أعمالٍ قذرة لحساب أناس نافذين ومسؤولين رسميين، لا يريدون التورّط فيها. أحد تلك المهمات تتمثّل بإنقاذ ابنة سيناتور، لم تبلغ سنّ الرشد بعد، من براثن وحشٍ اختطفها لإرغامها على العمل في الدعارة. الرحلة ستكون مليئة بنماذج مختلفة من العنف والوحشية، إذْ تتداخل كوابيس الماضي واضطراباته، بالصراعات المبطّنة، حالياً، بين السيناتور وخاطفي ابنته، إذْ يجد جو نفسه، فجأة، وحيداً للغاية، بعد أن تتمّ تصفية كل من له علاقة به، بمن فيهم والدته العجوز.
"سئمتُ كثيراً من تلك الشخصية، المرسومة على الورق (السيناريو) كذئب وحيد"، كما قال يواكين فونيكس ("لو موند"، 27 مايو/ أيار 2017). أضاف: "لذا، حاولت أن أحقن الشخصية والنصّ بشيء من الدعابة والفكاهة، خصوصاً بالنسبة إلى علاقة جو بوالدته العجوز، بتنفيذ حركات إيمائية، تُحيل إلى جريمة القتل المشهورة في "بسايكو" (1960) لألفرد هيتشكوك (1899 ـ 1980). لكن هذا الهامش لا يتّسع لأكثر من ذلك".
أما عن كيفية اشتغاله هذا الدور تحديداً، فقال ـ في لقاءات صحافية عامّة ـ إن مسؤولي الإنتاج جعلوه يلتقي جندياً سابقاً، كان يُساعد أطفالاً ومراهقين، متورطين في عالم المخدّرات: "قبل أن أمثِّل في أي فيلم، يكون دوري قابعاً في زاوية من رأسي"، يقول فونيكس، مُضيفاً أنه أثناء نزهته على كورنيش الـ "كروازيت" في "كانّ"، كان يُردِّد حوارات له في الفيلم الجديد، الذي سيبدأ تصويره قريباً، وهو بعنوان The Sisters Brothers، للفرنسي جاك أوديار (1952). وردّاً على سؤال حول كيفية موافقته على هذا المشروع الجديد، أجاب: "كان كافياً لي أن أتحدّث معه (أوديار). إنه شخص مدهشٌ جداً".
بعد ذلك، سيؤدّي دور الرسّام جون كالاّهان، في Don’t Worry, He Won’t Get Far On Foot، الذي ـ بفضله ـ سيلتقي المخرج غاس فان سانت (1952) مرة ثانية، بعد To Die For (1995)، الذي التقى فيه مع نيكول كيدمان (1967) ومات ديلون (1964).




دلالات
المساهمون