نكمل في الجزء الثاني من أزمة الدرما السورية الحديث عن سبب فشل المعارضة السوريّة السياسية في استغلال القطاع الدرامي السوري لصالح الثورة، وتشكيل محور درامي معارض من الممثلين الذين رفضوا العمل مع نظام الأسد.
تشتت وغياب رؤية
يعتقد الممثل السوري، عبد القادر المنلا، أن معظم الممثلين الذين تركوا نظام الأسد، يعانون من عدم الاستقرار المالي والاجتماعي، نتيجة خروجهم عن وطنهم، واستمرار الحرب لأكثر من ستّ سنوات، ما دفع بكثيرين ممن عملوا بالحقل الفني والدرامي، للبحث عن مصدر عيش والتأقلم مع الواقع الجديد، وخاصّة أن لا مؤسّسات فنيّة أو إنتاجيّة تولدت بأوساط المعارضة، تجذبهم وتسخّر إبداعهم، سواء في صالحها المالي أو لخدمة قضية السوريين. ويضيف المنلا المقيم بهولندا لـ"العربي الجديد"، أنَّ لا إيمان لدى رجال الأعمال بالمعارضة، بشكلٍ عام كي لا نعمم، بجدوى وسلاح الفن والدراما، وخاصة في واقع تراجع الأرباح وصعوبة الإنتاج وتنقُّل كوادر العمل، إثر تشتُّت السوريين، ما غيَّب تأسيس أيّ شركة إنتاج درامي خاصّة بالمعارضة السورية، عدا بعض الشركات التابعة لتلفزاتٍ مُعارضة، سوريّة كانت أم عربيّة، وهي لم تدخل هذا الموسم كمنافس، ولم يكن لها بصمات في سوق الدراما.
دخول روسيا وإيران إلى الإنتاج
ويلفت الممثل المنلا إلى أن قطاع إنتاج الدراما ما زال رابحاً، رغم المنافسة ودخول وسائل التواصل كمنافسٍ للتلفزات. ولعلّ الأهم، أنّ الدراما تسوّق مواقف وسياسات، ويمكن تحميل الإنتاج الصناعي والترويج السياحي عليها، كما يفعل الأتراك.
ويؤكد المنلا أن شركات إيرانية وروسية بدأت بالإنتاج الدرامي، سواء السوري أو المشترك، مستغلّة حالة الدراما السورية المشتتة، وحالة الممثلين المالية، والأهم، لتسخير سياساتها عبر الدراما. كما بدأنا نرى في مسلسل "باب الحارة" وغيره من الأعمال التي تشكك بالمذاهب وتبث السموم بتاريخ شخصيات عربية، كاشفاً عن أن شركة "برولاين" الروسية وقعت على الإنتاج المشترك مع شركة "شغف" التي تملكها الفنانة، سلاف فواخرجي، لإنتاج فيلم "تدمر"، مُتوقّعاً حضور أقوى للروس في المستقبل دراميّاً.
سياسة المحطات العقابية
ويقدر الناقد، محمد منصور، تكلفة العمل الدرامي بسورية قبل عام 2011، بنحو 50 مليون ليرة، أي مليون دولار حسب سعر صرف الليرة السورية حينها، ويزيد على حسب طبيعة العمل وأمكنة التصوير وعدد نجوم الصف الأول، ليصل إلى 3 ملايين دولار أحياناً. ويرى منصور أن السبب الأهم لعدم استطاعة المعارضة تأسيس شركات إنتاج درامي، هو أنها لن تحظى بدعم المحطات الخليجية. ولعل برامج المقابلات الفنية الكبرى، وكيفيَّة استضافة الفنانين المؤيدين للنظام، وإتاحة الهواء لهم للدفاع عنه، في حين يُستبْعَد الفنانون الذين انتصروا لثورة الشعب السوري، دليل وإثبات واضحان.
ويلفت إلى أن هناك رجال أعمال لديهم مالٌ لتقديم مثل هذا الإنتاج، لأن العمل الدرامي رغم تكلفته العالية إلا أن أرباحه كبيرة ومضمونة، في حال لم تأخذ المحطات التلفزيونية موقفاً سياسياً منك. وفي حال الأخذ فستكون الخسارة حتمية، ولن تحصل على الرأسمال الذي دفعته أساساً، وهذا ما يخيف رجال الأعمال القريبين من الثورة، ويجعلهم يحجمون عن الخوض في هذا المجال.
قبل الثورة ليس كما بعدها
ويحكي الناقد الدرامي منصور لـ"العربي الجديد"، كيف كان الإنتاج قبل الثورة، إذ قبل اندلاع الثورة، كان الإنتاج الخاص صانعا لسمعة الدراما السورية، وهو ما جعلها منافساً قوياً للدراما المصرية. وكان هذا الإنتاجُ يأتي من مصدرين. المصدر الأول، شركات خاصة تعمل بنظام المنتج المنفذ لدى المحطات التلفزيونية الخليجية كـ"الإم بي سي" ودبي وأبو ظبي وتلفزيون قطر، أي تقدم تلك الشركات عن طريق وسطاء لمشاريع مسلسلات ضخمة، ويقوم هذا التلفزيون أو ذاك بتمويلها، أو المشاركة في تمويلها على أن يأخذ حق العرض الحصري الأول والثاني، قبل أن تبيعه تلك الشركات لمحطات أخرى خارج موسم رمضان وما تلاه. فمسلسل "باب الحارة" مثلاً، هو إنتاج كامل لمحطة "إم بي سي"، منذ جزئه الثالث، وشركة "ميسلون" التي يديرها بسام الملا هي فقط منتج منفذ، يأخذ تكلفة الإنتاج من المحطة مع أجره كمنتج، ويسلمها المسلسل كاملاً.
أما المصدر الثاني، فهو شركات لرجال أعمال مرتبطين بالنظام، همها غسيل أموالهم غير النظيفة، فضلاً عن تسويق الخطاب الذي تريده مخابرات النظام، كشركة "سورية الدولية" التي أصبحت بعد الثورة "سما الفن"، والتي يملكها محمد حمشو، القائم بأعمال ماهر الأسد مباشرة. كما يعرف بذلك الفنانون الذين كثيرا ما سمعوا من حمشو عبارات من قبيل "العميد ماهر عجبو ... والعميد ماهر ما عجبو".
نقص كادر وتمويل
من منطلق الجزء والكل، قارب الناقد السوري، علي سفر، المسألة وقال" فيما لو تجاوزنا نقطة إجرائية، ترى أنه ليس من واجب المعارضة كمؤسسات وتشكيلات، العمل على شيء لا تختص فيه، ونظرنا إلى الأمر من باب أن عليها سد الفراغات، فإن جميع ما جرى في عالم السياسة والعسكرة ينطبق على ما حدث في عالم الدراما. هناك نقص في الأدوات ونقص في التمويل ونقص في الكادر البشري، ونقص في القيادة، وهذا يعني نقصاً في القدرة على صناعة مستدامة، ولا يوجد بالأصل نوايا بالتعاطي مع الفن كأداة مهمة في مواجهة النظام".
تشتت وغياب رؤية
يعتقد الممثل السوري، عبد القادر المنلا، أن معظم الممثلين الذين تركوا نظام الأسد، يعانون من عدم الاستقرار المالي والاجتماعي، نتيجة خروجهم عن وطنهم، واستمرار الحرب لأكثر من ستّ سنوات، ما دفع بكثيرين ممن عملوا بالحقل الفني والدرامي، للبحث عن مصدر عيش والتأقلم مع الواقع الجديد، وخاصّة أن لا مؤسّسات فنيّة أو إنتاجيّة تولدت بأوساط المعارضة، تجذبهم وتسخّر إبداعهم، سواء في صالحها المالي أو لخدمة قضية السوريين. ويضيف المنلا المقيم بهولندا لـ"العربي الجديد"، أنَّ لا إيمان لدى رجال الأعمال بالمعارضة، بشكلٍ عام كي لا نعمم، بجدوى وسلاح الفن والدراما، وخاصة في واقع تراجع الأرباح وصعوبة الإنتاج وتنقُّل كوادر العمل، إثر تشتُّت السوريين، ما غيَّب تأسيس أيّ شركة إنتاج درامي خاصّة بالمعارضة السورية، عدا بعض الشركات التابعة لتلفزاتٍ مُعارضة، سوريّة كانت أم عربيّة، وهي لم تدخل هذا الموسم كمنافس، ولم يكن لها بصمات في سوق الدراما.
دخول روسيا وإيران إلى الإنتاج
ويلفت الممثل المنلا إلى أن قطاع إنتاج الدراما ما زال رابحاً، رغم المنافسة ودخول وسائل التواصل كمنافسٍ للتلفزات. ولعلّ الأهم، أنّ الدراما تسوّق مواقف وسياسات، ويمكن تحميل الإنتاج الصناعي والترويج السياحي عليها، كما يفعل الأتراك.
ويؤكد المنلا أن شركات إيرانية وروسية بدأت بالإنتاج الدرامي، سواء السوري أو المشترك، مستغلّة حالة الدراما السورية المشتتة، وحالة الممثلين المالية، والأهم، لتسخير سياساتها عبر الدراما. كما بدأنا نرى في مسلسل "باب الحارة" وغيره من الأعمال التي تشكك بالمذاهب وتبث السموم بتاريخ شخصيات عربية، كاشفاً عن أن شركة "برولاين" الروسية وقعت على الإنتاج المشترك مع شركة "شغف" التي تملكها الفنانة، سلاف فواخرجي، لإنتاج فيلم "تدمر"، مُتوقّعاً حضور أقوى للروس في المستقبل دراميّاً.
سياسة المحطات العقابية
ويقدر الناقد، محمد منصور، تكلفة العمل الدرامي بسورية قبل عام 2011، بنحو 50 مليون ليرة، أي مليون دولار حسب سعر صرف الليرة السورية حينها، ويزيد على حسب طبيعة العمل وأمكنة التصوير وعدد نجوم الصف الأول، ليصل إلى 3 ملايين دولار أحياناً. ويرى منصور أن السبب الأهم لعدم استطاعة المعارضة تأسيس شركات إنتاج درامي، هو أنها لن تحظى بدعم المحطات الخليجية. ولعل برامج المقابلات الفنية الكبرى، وكيفيَّة استضافة الفنانين المؤيدين للنظام، وإتاحة الهواء لهم للدفاع عنه، في حين يُستبْعَد الفنانون الذين انتصروا لثورة الشعب السوري، دليل وإثبات واضحان.
ويلفت إلى أن هناك رجال أعمال لديهم مالٌ لتقديم مثل هذا الإنتاج، لأن العمل الدرامي رغم تكلفته العالية إلا أن أرباحه كبيرة ومضمونة، في حال لم تأخذ المحطات التلفزيونية موقفاً سياسياً منك. وفي حال الأخذ فستكون الخسارة حتمية، ولن تحصل على الرأسمال الذي دفعته أساساً، وهذا ما يخيف رجال الأعمال القريبين من الثورة، ويجعلهم يحجمون عن الخوض في هذا المجال.
قبل الثورة ليس كما بعدها
ويحكي الناقد الدرامي منصور لـ"العربي الجديد"، كيف كان الإنتاج قبل الثورة، إذ قبل اندلاع الثورة، كان الإنتاج الخاص صانعا لسمعة الدراما السورية، وهو ما جعلها منافساً قوياً للدراما المصرية. وكان هذا الإنتاجُ يأتي من مصدرين. المصدر الأول، شركات خاصة تعمل بنظام المنتج المنفذ لدى المحطات التلفزيونية الخليجية كـ"الإم بي سي" ودبي وأبو ظبي وتلفزيون قطر، أي تقدم تلك الشركات عن طريق وسطاء لمشاريع مسلسلات ضخمة، ويقوم هذا التلفزيون أو ذاك بتمويلها، أو المشاركة في تمويلها على أن يأخذ حق العرض الحصري الأول والثاني، قبل أن تبيعه تلك الشركات لمحطات أخرى خارج موسم رمضان وما تلاه. فمسلسل "باب الحارة" مثلاً، هو إنتاج كامل لمحطة "إم بي سي"، منذ جزئه الثالث، وشركة "ميسلون" التي يديرها بسام الملا هي فقط منتج منفذ، يأخذ تكلفة الإنتاج من المحطة مع أجره كمنتج، ويسلمها المسلسل كاملاً.
أما المصدر الثاني، فهو شركات لرجال أعمال مرتبطين بالنظام، همها غسيل أموالهم غير النظيفة، فضلاً عن تسويق الخطاب الذي تريده مخابرات النظام، كشركة "سورية الدولية" التي أصبحت بعد الثورة "سما الفن"، والتي يملكها محمد حمشو، القائم بأعمال ماهر الأسد مباشرة. كما يعرف بذلك الفنانون الذين كثيرا ما سمعوا من حمشو عبارات من قبيل "العميد ماهر عجبو ... والعميد ماهر ما عجبو".
نقص كادر وتمويل
من منطلق الجزء والكل، قارب الناقد السوري، علي سفر، المسألة وقال" فيما لو تجاوزنا نقطة إجرائية، ترى أنه ليس من واجب المعارضة كمؤسسات وتشكيلات، العمل على شيء لا تختص فيه، ونظرنا إلى الأمر من باب أن عليها سد الفراغات، فإن جميع ما جرى في عالم السياسة والعسكرة ينطبق على ما حدث في عالم الدراما. هناك نقص في الأدوات ونقص في التمويل ونقص في الكادر البشري، ونقص في القيادة، وهذا يعني نقصاً في القدرة على صناعة مستدامة، ولا يوجد بالأصل نوايا بالتعاطي مع الفن كأداة مهمة في مواجهة النظام".
لقراءة الجزء الأول: اضغط هنا.
دلالات
المساهمون
المزيد في منوعات