اكتسحت المغنية البريطانية، أديل، حفل "جوائز غرامي السنوية" الموسيقية، الأحد الماضي، إذ فازت بالجوائز الثلاث الأبرز، وهي أفضل ألبوم "25"، بالإضافة إلى أغنية العام وأفضل أغنية مسجلة عن "هيللو" Hello، لتصبح الفنانة الأولى التي تفوز بالجوائز الثلاث الكبرى مرتين في تاريخ "غرامي"، بعد فوزها بها في عام 2012 عن ألبومها "21".
وحققت أديل (28 عاماً)، بذلك انتصاراً على المغنية الأميركية، بيونسيه، في ليلة محملة بالتصريحات السياسية، امتد تأثيرها إلى الأيام المقبلة التي تلت الحفل، علماً أن بيونسيه (35 عاماً)، قادت الترشيحات بتسع جوائز عن ألبومها الناجح "ليمونايد" Lemonade، وأفضل أغنية مسجلة وأغنية العام عن "فورمايشن" Formation، بالإضافة إلى أفضل أداء "بوب" منفرد عن "هولد أب" Hold Up، وأفضل أداء "روك" عن "دونت هارت يورسلف" Don’t Hurt Yourself، أفضل أداء "راب" عن "فريدوم" Freedom، وغيرها. لكنها فازت بجائزتين فقط.
وعكس فوز ألبوم أديل أيضاً أذواق المصوتين الذين يبدون أكثر ميلاً نحو الأغاني الكلاسيكية والمحافظة، أما ألبوم بيونسيه فهو مستفز موسيقياً، وتناول القضايا العرقية في الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى قضايا أخرى، ووصفته صحيفة "هافينغتون بوست" بنسختها الأميركية، بـ"قصيدة غنائية قوية للنساء السود في كل مكان حول العالم".
لم تخف بعض المواقف السياسية المتمردة حقيقة أن الحفل كان انعكاساً للواقع الأميركي الراهن، إذ مثّل "ثقافة الاستبعاد"، بشكل أو بآخر. إذ في ختام السهرة، وبعد تسلم أديل جائزتها عن أفضل ألبوم، وجهت خطابها إلى بيونسيه، قائلة "لقد غيّرتِ نظرتي إلى نفسي، والطريقة التي يشعر بها أصدقائي السود تجاه أنفسهم، لقد أصبحوا الآن أكثر قوّة، ويواجهون التحديات والمصاعب بأنفسهم... أحبك كثيراً ولطالما أحببتك، غرامي يقدرك ونحن جميعاً"، بينما تحلّقت خلفها مجموعة من كاتبي الأغاني والمنتجين الذكور والبيض، وصفقوا بحماس.
في هذه اللحظة تحديداً، كانت المسافة المادية بين المغنيتين تقتصر على خطوات عدة، لكن الهوة بين معاملتهما في الحفل كانت ضخمة، ولا يمكن تجاوزها، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية. وفي هذه اللحظة بالذات، تسلل التمييز ضدّ أصحاب البشرة السمراء إلى "غرامي"، بعد إثارته كثيراً من الجدل في الفترة الأخيرة في هوليوود، ودشن وسم "غرامي بيضاء جداً" #GrammySoWhite.
لكن القضية ليست مستجدة على الحفل الموسيقي الأبرز، إذ اشتكى المغني كانيه وست طوال سنوات، من سوء معاملة الفنانين من ذوي البشرة السوداء، في ترشيحات "غرامي"، وبينهم هو نفسه. وفي هذا العام، قرر مغني الـ"هيب هوب" العالمي، فرانك أوشن، عدم تقديم موسيقاه للنظر فيها ضمن الجوائز، بسبب استيائه من طريقة تعاطي الحفل مع "موسيقى السود"، مع الإشارة إلى أن المغني تشانس ذا رابر، فاز بجائزة أفضل أداء في فئة "الراب"، وهو من ذوي البشرة السوداء.
ورأت صحيفة "نيويورك تايمز" أن المشكلة العرقية في توزيع جوائز "غرامي" "خبيثة"، لدرجة أن بعض الفائزين البيض اختاروا إظهار الأسف العميق تجاه زملائهم السود، في لحظة فوزهم، عوضاً عن الحماسة والفرح؛ عناق أديل لبيونسيه، اعتذار ماكليمور لكندريك لامار في عام 2014، ما يدل على الفهم العميق لعدم التوازن الصارخ في نظام "غرامي".
وكان منتج الحفل، كين إلريك، قد تهرّب من انتقادات أوشن، خلال مقابلة مع مجلة "رولينغ ستون" الشهيرة، وذلك خلال الأيام القليلة التي سبقت العرض، ما استدعى ردّاً من الأخير عبر موقع "تامبلر" الاجتماعي، حيث كتب "استعمل الحاكي القديم كي تصغي جيداً أخي، أنا واحد من أفضل الموسيقيين الموجودين على قيد الحياة. وإذا كنت مستعداً لمناقشة التحيز الثقافي وإتلاف الأعصاب الذي يعاني منه الحفل الذي تنتجه، فأنا مستعدّ أيضاً".
ورأت الصحيفة نفسها أن "إصرار غرامي على الاحتفال بإنجازات التقليديين البيض يبدو كأنه حكم الحزب الواحد في بلد منقسم بالتساوي، بينما الملوك من الجانب الآخر، مثل بيونسيه وجاي زي وجنيفر لوبيز وريهانا، يجلسون بتهذيب في الصفوف الأمامية".
كما أن غياب التنوع والخيال في حفل جوائز "غرامي"، يتناقض مع المواقف السياسية التقدمية للفنانين الذين احتفل بهم. إذ ارتدت المغنية كاتي بيري، شارة على ذراعها كتبت عليها كلمة "برزيزست"، أي "اصمد"، وأدت أغنية "تشايند تو ذا ريذم" Chained to the Rhythm، وخلفها كتبت عبارة "نحن الشعب" We the People، وهي الجملة الافتتاحية في الدستور الأميركي.
أما بيونسيه فغنت، مرتدية تاجاً ذهبياً، "يحاكي صورة مستقبلية لتمثال الحرية"، كما وصفتها "نيويورك تايمز". وخلال خطابها، بعد تسلمها جائزة أفضل ألبوم معاصر، تحدثت المغنية الحامل بتوأم عن قوة الاندماج، قائلة "من المهم، بالنسبة لي، أن أعرض صوراً على أطفالي تظهر جمالهم، كي يتمكنوا من النمو في عالم، حيث ينظرون إلى المرآة، أولاً من خلال عائلاتهم، وبعدها عبر الأخبار، دوري كرة القدم الأميركية، الألعاب الأولمبية، البيت الأبيض، وحفل جوائز غرامي. وهكذا، يمكنهم رؤية أنفسهم، ولا يشكّون في مدى جمالهم وذكائهم وقدراتهم".
إن تكريم بيونسيه في فئات موسيقية مكرسة للسود، يتنافى ورؤيتها التي عبرت عنها خلال الحفل. كما أن القضية تتركز في الفئات التي لم تفز عنها، وليس بالفئات التي حصدت عنها جوائز، إذ فازت بيونسيه 22 مرة بجوائز "غرامي"، لكن أربع جوائز فقط بينها ضمن الفئات الشاملة، وخسرت جائزة أفضل ألبوم ثلاث مرات حتى الآن، أمام بيك، تايلور سويفت، وأديل أخيراً.
تجدر الإشارة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي لم تغب عن النقاش المحتدم حول عنصرية "غرامي"، إذ غرّد المتفاعلون عبر وسم #GrammySoWhite (غرامي بيضاء جداً)، إسوة بالحملة التي انطلقت في العام الماضي ضد التمييز العنصري في حفل جوائز "أوسكار"، تحت وسم #OscarsSoWhite (أوسكار بيضاء جداً)، ولم تنته تداعياتها حتى الآن، علماً أن الحفل يقام في السادس والعشرين من شباط/فبراير الحالي.
وهاجم المشاركون منظمي "غرامي" عبر الوسم، متهمين إياهم بـ"العنصرية"، و"عدم إنصاف الفنانين السود"، كما رأوا أن الحفل "لا يعكس الواقع الحقيقي لمجال صناعة الموسيقى".
Twitter Post
|
Twitter Post
|