"مولانا"... مقاطع من مقال صحافي طويل

08 يناير 2017
إبراهيم عيسى وعائلته في العرض الأول للفيلم (العربي الجديد)
+ الخط -
في عام 2012، صدرت رواية "مولانا" للكاتب الصحافي إبراهيم عيسى، لم تتميز بمستوى فني وأدبي مرتفع، ولكنها نالت شهرة واسعة بسبب صدورها في ذروة الصراع السياسي والجدل الديني في مصر مع فوز محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية وحالة الصراع السياسي والمجتمعي التي أعقبت ذلك. حققت الرواية مبيعات عالية ورشحت في القائمة القصيرة لجائزة "البوكر" وفي النهاية تم تحويلها لفيلم سينمائي. وفي كل تلك المراحل لم يستطع "مولانا" ــ الرواية والفيلم ــ أن يتخلص من الحس الصحافي لكاتبها، كأن الأحداث والفصول مجرد مقاطع من مقال طويل جداً على شكل حوار. 

الفيلم يحكي عن الشيخ "حاتم الشناوي"، الإمام الشاب الذي يتحول فجأة وبالصدفة إلى داعية تلفزيوني شهير، وواحد من نجوم المجتمع، وعلى شكل أقرب إلى الفصول يتتبع العمل الصراعات التي يدخل فيها "حاتم" بناء على موقعه الجديد، ومحاولته المستمرة في الموازنة بين ما يقوله من آرائه وبين الضغوطات التي يتعرض لها من كافة الجوانب ومصالحه المرتبطة بأماكن كثيرة، لدرجة وصولها إلى القصر الرئاسي ونجل رئيس الجمهورية وعائلته، وأيضاً موازنته بين عدد كبير من القضايا التي يجد نفسه في وسطها ومطالبا بإبداء رأي أو فعل فيها.



أبرز المشاكل
أكبر مشكلة يواجهها هذا الفيلم غالباً هو أن السيناريو تمت كتابته وتطويره بين مؤلف الرواية إبراهيم عيسى والمخرج مجدي أحمد علي، وأي منهما لم يحاول إعادة بناء الفصول الأدبية لعمل ذي بعد سياسي واضح –وهذا هو مصدر جماهيريته- من أجل تحويله إلى قصة سينمائية وتتابع سردي لحكاية يتعاطف أو يرتبط بها المتفرج، "عيسى" و"أحمد علي" منغمسان في الآراء "الفكرية" و"النظرية" التي يتفقان فيها اتجاه ما يحدث، فأصبحت كل الشخصيات وكل الأحداث تحاول فقط نقل تلك الآراء على لسان الشخصيات، دون أن يجمع بين ما يحدث أي خط قصصي –ولو ضعيفا-، والرابط الوحيد هو وجود الشخصية الرئيسية في دوائر الصراع.

الأسوأ من ذلك هو ازدحام الفيلم الشديد بتلك القضايا، للدرجة التي تشعر فعلاً بأنها فقرات بعنوان كبير: هذا الجزء الذي يخص صراع المسلمين والمسيحيين، وهذا سيتحدث عن الصوفية والسلفية، وذاك عن الشيعة والسنة، وكل ما يمكن "حَشوه" من نقاشات أو خلافات أو جدالات دينية مرتبطة بموقع البطل كرجل دين، بل إن الأمر يمتد أيضاً ليصبح موصولاً بالسياسة وعائلة الرئيس التي يسعى أحد أفرادها لتغيير ديانته ومحاولتهم إقناعه –من خلال الشيخ- العدول عن ذلك، أو حتى في الجوانب المرتبطة بالآلة الإعلامية وما تصدره للجمهور، ليصبح الفيلم بالفعل مفرغا من أي شيء حقيقي يخص قصة أو شخصيات، بقدر ما هو جدالات فكرية مستمرة وحوار صاخب لا يتوقف بأكثر الأشكال مباشرة وبجمل من قبيل "أن الإسلام ليس كذا.. ولكن الإسلام هو كذا".



الرابط العائلي 
الجانب المضيء من أحداث الفيلم مرتبط بالجانب العائلي من حياة الشيخ "حاتم"، وعلاقته بابنه الذي دخل في غيبوبة طويلة، وكيفية تأثير ذلك على حياته المستقرة، وأفكاره –غير المنطوقة ــ عن احتمالية أن يكون ذلك عقاباً، ولكن ازدحام الفيلم وتنقلاته التي لا تتوقف لم يسمح لهذا الجزء الإنساني أن ينال حضوراً كافياً داخل الأحداث، فأتى هو الآخر مبتوراً، لولا اجتهادات مستمرة من عمرو سعد في الشخصية الرئيسية، حيث قدم ربما أفضل أدواره السينمائية علىى الإطلاق، محاولاً التوازن بين الشيخ صاحب المبدأ والحجة القوية، وبين وطأة الضغوط التيي يتعرض لها، وحتى الحزن الشخصي المرتبط بحياته العائلية، مع حس كوميدي لم يبدُ مفتعلاً على الإطلاق بفضل حساسية أدائه، ولكن –بخلاف "سعد"- فإن بقية الأداءات جاءت باهتة بشدة، ربما لأن الشخصيات نفسها لا تحمل أي عمق أو أبعاد يحاول الممثل عكسها، فهي شخصيات كاريكاتيرية تماماً وجودها قائم على الحوار وقناعتها مبنية فقط على ما يريد صناع الفيلم قوله، دون أي شيء أبعد من ذلك. 

الفيلم الذي يعرض حالياً في دور السينما في مصر حقق المراد منه حتى الآن، فبعد يومين فقط من عرضه صدرت الكثير من الأصوات التي تطالب بمنع عرضه بناء على الآراء التي يحملها، وعلى الأغلب سيشتد الجدل بشكل أكبر ويدور حول "نقاشات فكرية لآراء الفيلم" وليس تناولاً لمستواه الفني أو قصته أو شخصياته، وهو تأكيد أخير على أن هذا العمل "مقال صحافي طويل" أكثر من كونه عملاً فنياً وسينمائياً.



المساهمون