حلم المهندسين السوريين: البحث عن سفر بعد تراجع فرص العمل داخلياً

20 أكتوبر 2024
فرص عمل قليلة ورواتب زهيدة يتلقاها المهندسون السوريون ، دمشق في 24 أغسطس 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه المهندسون السوريون تحديات كبيرة في سوق العمل المحلي، مما يدفعهم للهجرة أو العمل في القطاع الخاص بسبب قلة الفرص المجدية وارتفاع تكاليف المعيشة.
- تراجع مشاريع الإنشاء والإعمار بسبب ارتفاع تكاليف مواد البناء والروتين الإداري يدفع المهندسين للبحث عن أعمال بديلة أو العمل بأجور زهيدة.
- جهود النقابة لتحسين أوضاع المهندسين لم تكن كافية، مما يعكس استياء المهندسين وتراجع قيمة مهنة الهندسة في المجتمع السوري.

يسعى معظم الخريجين الجدد في كليات الهندسة بسورية، إلى السفر أو الهجرة، وفي الحد الأدنى يحافظون على استقلاليتهم خارج التعاقد مع المؤسسات الحكومية. وفي الوقت الذي تُقدر فيه نقابة المهندسين، نسبة أعضائها العاملين في مؤسسات الدولة والذين يتقاضون رواتب شهرية، بحدود 80 % من أصل المهندسين السوريين في جميع الاختصاصات.

ووفقاً لإحصاءات نقابية، فإن أكثر من 67 ألفاً من المهندسين السوريين هم أعضاء في النقابة حتى نهاية عام 2021، وسط توقعات بارتفاع العدد إلى 73 ألفاً مع نهاية يونيو/حزيران الماضي. ووفقاً لمهندسين، فإن حوالي نصف هذه الأعداد قد انفك أو استقال أو غادر من دون أي تبليغ للنقابة، كما أن معظم الخريجين الجدد يتجنبون التسجيل في النقابة، أو التعاقد مع مؤسسات الدولة، أملاً في فرص مجدية في القطاع الخاص أو خارج البلاد. 

بينما يرى آخرون أنه ومع تعثر وانسداد الأفق وفرص السفر والعمل المجدي استسلمت فئات من المهندسين السوريين إلى واقع الحال وراحت تبحث عن أعمال تحقق لها مورداً معيشياً يفي بمتطلبات الحد الأدنى للمعيشة وضمن الإمكانات المتاحة، فوجد بعضهم الفرصة في مجال التعليم وآخرون في المحاسبة. 

إحباط المهندسين السوريين

من جانبه، قال المهندس المدني ياسر العلي إن "واقع المهندس السوري بكافة الاختصاصات أصبح مزرياً ويستحق الشفقة بعدما كان يُصنف من الفئات الأكثر إنتاجاً واستقراراً، ولا يستغرب أن يكون من أولى طلبات المهندسين في كل مؤتمر هو إعادة الدعم الحكومي لشريحة المهندسين الذين حرموا منه مع شريحة الأطباء والمحامين والمغتربين". وأضاف لـ" العربي الجديد" أن "مشاريع الإنشاء والإعمار هي العمود الفقري لعمل كل مهندس ومن غالبية الاختصاصات في البلاد وهذه أصبحت عُملة نادرة في معظم المناطق، وانحصرت في بعضها كالعاصمة دمشق وريفها دون غيرها". 

وأشار إلى أن " أكثر ما ساهم في هذا التراجع لم يكن عدم الاستقرار العام في البلاد بقدر موجة الغلاء المتزايدة علي أسعار مواد البناء وعلى تكاليف رخص البناء التي تجاوزت 150 مليون ليرة بعدما كان أعظمها يقل عن 15 مليون، وهذه سبّبت العائق الأهم أمام المستثمر إلى جانب نظام الروتين الإداري حيث يصل زمن انتظار منح الرخصة في بعض النقابات والبلديات لأكثر من عام". 

أعمال بديلة أو سفر للخارج

من جانبه، قال المهندس "رامي أبو م" إنني "تخرجت قبل 5 سنوات من كلية العمارة، ولم أجد أي فرصة مناسبة للسفر أو العمل داخل البلد، فلجأت إلى العمل في مكتب هندسة خاص، وسجلت في النقابة، ثم تفرغت للعمل مدرساً خاصاً لمادة الهندسة لطلاب المرحلة الثانوية". وأضاف لـ" العربي الجديد" أنه " بالرغم من معرفتي بأنه ليس مكاني المناسب وأنني بشكل ما على عمل الاختصاصي في التدريس، وإنما لا أجد بداً من المتابعة بانتظار أن تتغير الظروف".

وفي مثال آخر يقول مهندس المعلوماتية رامز النجم: "بعدما أنجزت الخدمة العسكرية واستنفدت فرص السفر، وجدت فرصة عمل في مركز متعاقد مع شركات أميركية، للإنشاء وتصميم مخططات المراكز والأبنية المدنية، بحسب طلب الشركة، وكانت المفاجأة أن العديد من زملائي ومن جميع الاختصاصات يعملون في المجال نفسه مقابل أجور تراوح بين 200 و400 دولار ".

وأضاف لـ"لعربي الجديد" أن "من المؤسف في هذا العمل الذي يأخذ كل الجهد والخبرة أن المهندسين يصممون أهم وأرقى الأبنية بجودة وتقنيات عالية ولأهم شركات الإنشاء والتعمير الأميركية، في وقت قياسي وأجور زهيدة، في وقت تحتاج سورية إلى سنوات طوال من أجل إعادة إعمار ما هدمته الحرب".

وكان المؤتمر العام للمهندسين الذي عقد في شهر يونيو/حزيران الماضي، قد رفع سقف الاستفادة من صندوق تكافل المهندسين إلى مليونَيْ ليرة سورية، كما رفع الاستفادة من صندوق نهاية الخدمة والوفاة إلى 3 ملايين ليرة سورية، ورفع الراتب التقاعدي إلى حدود 330 ألف ليرة. وفي هذا يقول أحد المهندسين طالباً عدم ذكر اسمه لـ" العربي الجديد"، إن "مجموع ما تحصل عليه عائلة المهندس عند الوفاة لا يتعدى مبلغ 5 ملايين ليرة سورية، أي لا يكفي لمعيشة العائلة مدة شهر واحد، والراتب التقاعدي الذي لا يُطعم عائلة لمدة يومين، مع تراجع العمل في التصميم والإنشاء والإعمار".

وأضاف أن "واقع المهندس الذي بذل كل جهده للتفوق في سنوات الدراسة، وكلف عائلته مبالغ طائلة قبل الحصول على الشهادة، لا يعادل واقع أي تاجر مازوت أو بنزين حر، وتصبح مع مرور الوقت صفة مهندس مشكلة بعدما كانت لقباً للرفاهية". وفي النتيجة وفقاً للمهندس السوري: "نحن أمام سياسة تُشجع على انحدار التعليم والتخصص وعلى التسرب من المدارس ونشر الجهل في المجتمع". 

(الدولار= 14750 ليرة سورية تقريباً)

المساهمون