مخاوف من إلغاء العلاج المجاني في الجزائر

29 أكتوبر 2018
الجزائريون يتأهبون لارتفاع كلفة العلاج (بلال بنسالم/ Getty)
+ الخط -
تتجه الجزائر تدريجياً نحو إلغاء العلاج المجاني الذي ينص عليه دستور 1963، في خطوة تواجه انتقادات حادة، في ظل تفاقم معيشة المواطنين خلال الفترة الأخيرة.

أول خطوة نحو المرور من "الصحة المجانية" إلى "الصحة المدعّمة"، كما تريد أن تسميها الحكومة، كشف عنها وزير العمل والضمان الاجتماعي مراد زمالي، الذي قال مؤخراً إنه "لن يكون هناك علاج وأدوية للمرضى بالمستشفيات ومؤسسات الصحية العمومية للمواطنين الذين لا يملكون بطاقة شفاء (بطاقة التأمين الاجتماعي)".

أضاف الوزير أن "الكل يعالج ولكن ليس الكل من يدفع التأمين، والذين لا يحوزون بطاقات شفاء عليهم تحديد موقعهم إن كانوا من فئة المحتاجين أو غيرهم".

تصريحات الوزير فجرت سجالا وجدالا كبيرين في البلاد، وتركت استنكارا واسعا بين المواطنين، كونها تحمل دعوة ضمنية مباشرة لمنع كل من لا يملك بطاقة الشفاء من العلاج في المستشفيات.

ولا تعد هذه المرة الأولى التي يفاجئ فيها وزير العمل والضمان الجزائريين، إذ سبق إطلاقه تصريحات هاجم فيها المصابين بداء السكري الذين وصفهم بـ "المبذرين" للأدوية، ما سيدفع الحكومة لتغيير طريقة تعويضهم ماليا.

وقبيل تعديل قانون الصحة السنة الحالية، اتجهت الحكومة نحو حصر العلاج المجاني في قاعة الاستعجالات (الطوارئ)، أي تقديم العلاج الأولي والحقن.
وفي توضيحات للخطة الحكومية، قال مدير صندوق الضمان الاجتماعي، تجاني حسان هدام، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن "إلزام الجزائريين بإظهار بطاقة شفاء لا يعني إلغاء العلاج المجاني، بل هي محاولة للقضاء على السوق الموازية والأعمال الهشة التي لا يتم فيها التصريح بالعمل، وهذا شيء معمول به عالميا وفي دول متقدمة، ولا يمس هذا الحق في العلاج المجاني".

وحسب هدام " بل بالعكس سيسمح ذلك للمرضى بتلقي علاج أحسن من خلال الفحوصات الدقيقة والتحاليل وإعطاء الأدوية في المستشفى ثم يقوم صندوق الضمان الاجتماعي بتعويض المستشفى".

وتابع مدير صندوق الضمان الاجتماعي أن "الصندوق وزع أكثر من 14 مليون بطاقة شفاء تؤمن 39 مليون مواطن، كون أن حامل بطاقة الشفاء يستفيد منها أيضا زوجته إذا لم تكن تعمل أو العكس وأولاده ما تحت سن 18 عاماً، وبالتالي يبقى قرابة 3 ملايين مواطن غير معنيين بالإجراء سوف نكيف لهم صيغة تسمح لهم بالعلاج بطريقة مباشرة".

ويقرّ الدستور الجزائري في المادة 66 أن "الرّعاية الصحية حقّ للمواطنين، وتتكفّل الدّولة بالوقاية من الأمراض الوبائيّة والمعدية وبمكافحتها‮، كما تسهر الدولة على توفير شروط العلاج للأشخاص المعوزين‮"، فيما تقدر ميزانية قطاع الصحة للسنة الجارية بنحو 8.3 مليارات دولار، وبلغت حصة دعم الصحة 8.1 مليار دولار من إجمالي الميزانية العامة للدعم، حسب البيانات الرسمية. ‬‬

وكانت الحكومة قد نجحت في شهر مايو/ أيار الماضي في تمرير قانون الصحة الجديد على البرلمان، وسط رفض نقابي وشعبي له، كونه أعاد رسم قطاع الصحة في البلاد، خاصة في ما يتعلق بتمويل القطاع من الخزينة العمومية وعلاقة القطاع العام والخاص، بالإضافة إلى فصله في ملفات أخرى ظلت محل صمت لسنوات.

ويأتي ذلك في وقت تعاني فيه الجزائر، خاصة في السنوات الأخيرة، من توترات اجتماعية بين نقابات الأطباء والممرضين والصيادلة، إضافة إلى تردي الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، وندرة أكثر من 150 دواءً، ما رفع معدلات الاستيراد وزاد من مستويات الأسعار، الأمر الذي أرهق المرضى.

إلى ذلك يرى رئيس النقابة الجزائرية لممارسي الصحة العمومية، إلياس مرابط، أن "الحكومة تلعب بالمصطلحات والمفاهيم، ولا تريد مصارحة المواطنين، بإلغاء العلاج المجاني الذي كان في الماضي شاملاً، ومع مرور السنين انحصر العلاج في الإسعافات الأولية في الطوارئ وستلغى مستقبلاً، ولا ندري كيف سيتعاملون مع الدستور الجزائري الذي ينص على مجانية العلاج... هل سيدوسون عليه؟".

وأضاف النقابي في حديث مع "العربي الجديد" أن "منظومة الصحة تعاني الكثير من النقائص التي أثرت كثيراً على الرعاية الصحية للمرضى، فالمواطن ما زال يشتكي من تدني الخدمات الصحية، رغم أن الحكومة تقول إنها صرفت أموالاً كثيرة في هذا المجال، بالإضافة إلى تداول عشرة وزراء على هذا القطاع في ظرف 12 عاماً، ورغم ذلك لم يتغير الوضع، ولم تحدث نقلة نوعية في هذا المجال، حيث يتم الاتجاه تدريجياً إلى إلغاء العلاج المجاني تماماً ولا يوجد تحسين للخدمات الصحية."
المساهمون