لا تكشف منصات الحجز السياحي عن أي بوادر لانتعاشة قريبة لسياحة تونس، وسط توقعات بأن تستمر أزمة القطاع إلى النصف الثاني من العام المقبل 2021، ما دفع 90% من النزل (الفنادق) إلى إغلاق أبوابها في انتظار إشعار آخر.
ورغم أن موسم رأس السنة وأعياد الميلاد من المحطات المهمة في السنة السياحية للمهنيين في تونس، إلا أن شبه اتفاق حاصل بين أصحاب الفنادق ووكالات الأسفار انتهى إلى مواصلة الإغلاق في عطلة نهاية السنة رغم قرار حكومي برفع الحجر الصحي الجزئي 24 ساعة قبل انتهاء السنة الحالية.
ولا يبدي مهنيو السياحة رغبة في إعادة تشغيل النزل في موسم رأس السنة، رغم إمكانية تحرك الطلب الداخلي، بعد تزامن نهاية السنة والإجازات المدرسية، مفضلين مواصلة الإغلاق إلى حين عودة الأسواق الخارجية.
وقال كاتب عام جامعة وكالات الأسفار ظافر لطيف لـ"العربي الجديد" إن باب الحجوزات يظل مغلقا منذ أن علقت وكالات الأسفار نشاطها في مارس/ أذار الماضي، متوقعا أن تستمر الأزمة لعام آخر بسبب غياب الحجوزات وتواصل ضبابية المشهد السياحي في العالم.
وأكد لطيف أن مهنيي السياحة لن يغامروا بإعادة تشغيل النزل من أجل حجوزات لن تتجاوز 48 ساعة، مشيرا إلى أن سياحة موسم نهاية السنة غير كافية لتغطية التكاليف الأساسية لتشغيل الفنادق من جديد.
ورجح أن تعود النزل إلى الفتح بداية من النصف الثاني من العام المقبل، معتبرا أن عودة النشاط السياحي إلى مستوياته العادية قد يستغرق سنوات بسبب مخلفات الجائحة الصحية العالمية، التي تسببت في إفلاس العديد من المهنيين فضلا عن تراجع كبير في القدرة الانفاقية للسياح من مختلف دول العالم.
في المقابل أشار لطيف إلى أن المهنيين يستغلون فترة البطالة القسرية من أجل تطوير منتجات سياحية جديدة ومنها السياحة الجبلية وسياحة الريف، مؤكدا قدرة هذه المنتجات على خلق ديناميكية جديدة في القطاع وتحريك العجلة الاقتصادية في المناطق الداخلية.
وتسعى الحكومة إلى مساعدة القطاع السياحي على تخطّي الأزمة عبر إجراءات التخفيف من الأعباء الضريبية ودفعات أقساط الضمان الاجتماعي على مدى الأشهر الستة القادمة التي أعلنت عنها في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
كما سمحت الحكومة في إطار إجراءات تخفيف القيود الصحية برفع حظر التجوال الليلي يوم 30 ديسمبر/ كانون الأول الحالي والسماح بالنشاطات الليلية خلال رأس السنة الميلادية.
ودعا المستثمرون في قطاع السياحة إلى ضرورة إجراء إصلاحات في تونس بعد الضرر الكبير الذي لحق بالقطاع نتيجة تداعيات جائحة كورونا التي أكدت هشاشة القطاع أمام مثل هذه الأزمات.
وخلال السنوات الخمس الماضية، تلقّت السياحة التونسية ضربات موجعة تسببت في إفشال كل خطط النهوض بالقطاع، وتمثل جائحة كورونا ضربة إضافية بعد الحوادث الإرهابية التي استهدفت السياح في متحف باردو في مارس/آذار ومنتجع الأنبريال في سوسة (جنوب) في يونيو/ حزيران 2015.
وزادت الأزمة الصحية من إضعاف هذا القطاع الذي يضم العديد من المعالم والمنتجعات السياحية على شواطئ البلاد.
وكانت تونس تخطط لإنقاذ الموسم السياحي الصيفي بعد أن تمكنت من حسن إدارة الجائحة في موجتها الأولى وقررت إعادة فتح الحدود نهاية يونيو/حزيران الماضي، غير أن وتيرة إقبال السياح كانت ضعيفة.
وتشير توقعات منظمة السياحة العالمية إلى أن العودة إلى مستوى النشاط العالمي لسنة 2019، قد تستغرق سنة أو سنتين.
وبالنسبة لتونس فقد تراجع عدد الوافدين بنسبة 78% في حين انخفضت العائدات بنسبة 61.7% والليالي المقضاة على مستوى النزل بنسبة 80.5% وفق أحدث بيانات لوزارة السياحة.
ويمثل قطاع السياحة في تونس 14% من الناتج الداخلي الخام وفقا للأرقام الرسمية ويشغل نحو 400 ألف عامل.
ورغم تضرر الكثير من الأنشطة في تونس خلال الجائحة، إلا أن القطاع السياحي والعاملين فيه بدوا الأكثر معاناة، إذ كشفت دراسة أجرتها الجامعة التونسية للفنادق أن 60% من عمال القطاع مهددون بالفقر بسبب فقدان الدخول وتوقف النشاط.
وأظهرت الدراسة التي نشرتها "العربي الجديد" نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أن 27 ألف عامل خسروا وظائفهم، وهو ما يفسّر الانزلاق السريع للعمال إلى خانة الفقر رغم إجراءات الاحتواء والمساعدة التي أقرتها الحكومة، مشيرة إلى أن قطاع السياحة هو الأكثر تأثراً على المستويين الوطني والدولي بالجائحة.
وقال رئيس الاتحاد التونسي للصناعات الفندقية عفيف كشك لـ"العربي الجديد"، إن مدة البطالة القسرية للقطاع السياحي يجب أن تكون فرصة لإعادة بناء جديد لمقاومة الهشاشة في القطاع.
وأضاف كشك أن وضعية القطاع صعبة بسبب عوامل خارجية، مشددا على ضرورة تهيئة الفنادق والقطاع عموما نحو تغييرات جذرية تمليها المرحلة القادمة بالارتقاء بنوعية الخدمات الفندقية وفتح مسالك سياحية جديدة لمنتجات أكثر تنوعا وأكثر قدرة على مقاومة الأزمات المحلية والعالمية.
وتابع أن البناء السياحي في تونس استغرق أكثر من 4 عقود، وبالتالي يجب العمل على استغلال هذا البناء وتثمينه للمرور إلى مرحلة جديدة لما بعد كورونا، مؤكدا أن الدول التي ستنجح في إنقاذ قطاعاتها السياحة، هي الأكثر قدرة على التأقلم مع السوق الجديدة.