لم يفرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاتفاق الذي توصل إليه أعضاء الكونغرس من الحزبين، بسبب عدم اشتماله على توفير التمويل الذي يطلبه لبناء جدار على الحدود مع المكسيك، لوضع حد للهجرة غير الشرعية.
ومع اقتراب نفاذ ميزانية سبعة من الوزارات، تمثل تقريباً ربع الإدارة الأميركية، تزداد التكهنات حول ما سيسفر عنه استمرار العناد بين الجانبين، قبل أقل من 72 ساعة من موعد إغلاق الحكومة مرة أخرى، في حالة عدم التوصل إلى اتفاق.
وبذل زعماء الحزبين في مجلس الشيوخ مساء الثلاثاء جهوداً كبيرة لحث ترامب على توقيع الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه يوم الإثنين، تجنباً للمشكلات التي نتجت عن الإغلاق الحكومي الأخير، والذي استمر لمدة 5 أسابيع كاملة، اعتُبر بعدها أطول إغلاق في تاريخ الحكومة الأميركية. وقال زعيم الأغلبية الجمهوري في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، للصحافيين "لديه اتفاق جيد الآن. أتمني أن يوقع بالموافقة عليه".
وينص الاتفاق الذي أعده 17 عضواً بالكونغرس من الحزبين، في وقتٍ متأخرٍ مساء الإثنين، على تخصيص 1.375 مليار دولار لبناء جدار غير خرساني على الحدود مع المكسيك، إضافة إلى حوالي 1.7 مليار دولار أخرى، من أجل تأمين الحدود الجنوبية للولايات المتحدة بطرقٍ أخرى، تشمل التأمين التكنولوجي، مقابل تخفيض عدد المهاجرين الذين يُسمح لهيئة انفاذ الهجرة والجمارك، المعروفة اختصاراً باسم "آيس" ICE، باحتجازهم في وقتٍ واحد.
ويرفض الديمقراطيون توسع الهيئة في احتجاز المهاجرين غير الشرعيين، رغم التزامهم قانونياً في كل الأمور الأخرى داخل الحدود الأميركية، لدرجة أنهم طلبوا في وقتٍ سابق إيقاف عمل تلك الهيئة تماماً، وهو ما اعتبره الجمهوريون تأكيداً لرؤيتهم أن الديمقراطيين ليست لديهم رغبة حقيقية في إيقاف الهجرة غير الشرعية.
ولم ينص الاتفاق الأخير على وضع حدٍ أقصى لعدد المحتجزين، إلا أنه اكد على ضرورة التزام الهيئة بالميزانية المخصصة لها، بعد أن تجاوزتها في العديد من المرات سابقاً، بعد وصول ترامب إلى البيت الأبض، الأمر الذي مكنها من زيادة عدد المحتجزين بصورة كبيرة. وحسب مراقبين فغن هذا البند تحديداً، هو أهم ما نتج عن المفاوضات المكثفة بين الحزبين خلال الأيام العشرة التي سبقت الوصول للاتفاق.
لكن خبرة الأسابيع الخمسة التي أغلقت فيها الحكومة الأميركية أبوابها، وما ترتب عليها من "تشرد" ما يقرب من 800 ألف موظف حكومي، تم منح نصفهم اجازات إجبارية بدون راتب، وتعطَّلَ صرف النصف الآخر لرواتبهم لأكثر من 4 أسابيع متتالية، كما تعطل كثير من جوانب الحياة في أميركا، وأيضا العاصمة واشنطن، بعد أن أغلقت العديد من المتاحف والحدائق العامة ودورات المياه العمومية أبوابها، وتعطل الأداء في ادارات الهجرة، وفي المطارات، وفي البورصات الأميركية، لم يصبح خيار إغلاق الحكومة مرة أخرى مرغوباً فيه من الطرفين، وإن أظهرا استعدادهما للوصول إلى حافة الهاوية.
وتسبب إغلاق الحكومة الأخير في انخفاض شعبية ترامب دون مستوى 40%، بحسب شركة مورننج كونسلت، المتخصصة في التكنولوجيا العالمية الحديثة لجمع وتنظيم وتحليل استطلاعات الرأي، لأول مرة منذ أغسطس/آب 2017، في أعقاب أحداث العنف التي وقعت في تشارلوتسفيل بولاية فيرجينيا، وألقى ترامب اللوم وقتها على "أطراف عديدة".
ولم يجن ترامب من وراء الإغلاق الحكومي أي ثمار، حيث لم يقترب خطوة واحدة نحو طلبه توفير 5.7 مليارات دولار لبناء الجدار، وازداد غضب موظفي الحكومة المتضررين وأسرهم عليه وعلى حزبه الجمهوري.
ورغم الموقف المعلن لغلاة المتشددين من الحزب الجمهوري، مثل مارك ميدوز وجيم جوردان، عضوا مجلس النواب، اللذان طالما حثا ترامب على عدم التنازل في أمر بناء الجدار على طول الحدود المكسيكية، ووصفا الاتفاق الأخير بأنه "سيئ"، إلا أنهما أسرا إلى بعض معاونيهما برغبتهما في "استمرار عمل الحكومة وتجنب إغلاقها".
ويوم الإثنين، وبعد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق مبدئي بين الحزبين، غرد ميدوز على موقع التواصل الإجتماعي تويتر، ناصحاً ترامب باستخدام حقه في إصدار أمر تنفيذي، مفضلاً ذلك على إغلاق الحكومة مرة أخرى.
وبعد أن أمضى الجمهوريون السنوات الثمانية للرئيس السابق باراك أوباما في مقاومة حق الرئيس الأميركي في استخدام الأوامر التنفيذية، جاءت اللحظة التي تأكدوا فيها أنهم لن يستطيعوا تمرير تمويل بناء الجدار من خلال الكونغرس، خاصة بعد أن أثبتت زعيمة الأغلبية بمجلس النواب قدرة فائقة على الاحتفاظ بتأييد كامل أعضاء حزبها، الأمر الذي دعاهم إلى حث الرئيس على استخدام أوامره التنفيذية لتجنب الإغلاق الحكومي.
ووصف شون هانيتي، المذيع بقناة فوكس للأخبار وأحد المقربين من ترامب، الاتفاق المبدئي بين الحزبين بأنه "تنازلات قميئة". وغردت آن كولتر، الكاتبة المتشددة، في محاولة لاستفزاز ترامب لحثه على المزيد من التصميم على بناء الجدار، فقالت "كلما مر الوقت وحدودنا مفتوحة (للهجرة غير الشرعية)، كلما زاد اعتقادي بأن ترامب تواطأ مع روسيا".
ووسط كل هذه المؤثرات، توقع ترامب مساء الثلاثاء ألا تغلق الحكومة الأميركية أبوابها السبت القادم، وقال "لا أعتقد أن إغلاقا آخر سيحدث". لكنه أضاف "إذا حدث سيكون هذا خطأ الديمقراطيين".
وأضاف للصحافيين أنه "مستاء جداً مما قدمه الديمقراطيون (في الاتفاق المقترح)، وأكد أنه يبحث عن تمويل إضافي من مصادر أخرى في الحكومة، ما قد يكون أقل أهمية من الجدار"، إلا أنه لم يحدد ماهية تلك المصادر.
وبسؤاله عما إذا كان هذا يعني أنه سيعلن حالة الطوارئ الوطنية، أكد أنه يفكر في "كل البدائل"، لكن من الواضح أن حتى هذا الخيار سيواجه مقاومة من الحزبين، بخلاف العقبات القانونية التي قد تحول دون تنفيذه.