تتابع 5 مؤسسات تمويل دولية برنامج الإصلاحات الاقتصادية الذي بدأت تونس في تنفيذه منذ توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي في مايو/ أيار 2016.
وبدأ وفد مشترك من خبراء البنك الدولي ووكالة التنمية الفرنسية والبنك الأفريقي للتنمية والوكالة اليابانية للاستثمار الدولي والبنك الألماني للتنمية، مهمة تتبع برنامج للإصلاح يرجّح خبراء اقتصاد أن يكون محدداً في حجم التمويلات التي ستحصل عليها تونس من مؤسسات الإقراض مستقبلاً.
وقال مصدر مسؤول برئاسة الحكومة في تصريح حصري لـ"العربي الجديد" إن وفد خبراء من مؤسسات التمويل الخمس بدأ سلسلة لقاءات مع مسؤولين في الدوائر الحكومية وهيئات الرقابة العامة من أجل الاطلاع على تقدم برنامج الإصلاح الاقتصادي، ولا سيما المتعلّق بإصلاح الشركات الحكومية.
وأكد ذات المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن وفد خبراء مؤسسات التمويل الخمس يضع ملف إصلاح المؤسسات الحكومية على رأس جدول أعماله، ولا سيما ما يتعلّق بحوكمة هذه الشركات ووضعها المالي وعلاقتها بالبنوك.
وذكر المتحدث أن اهتمام وفد الخبراء يركّز أساساً على شركات الكهرباء والغاز وتوزيع المياه وديوان التطهير وهي مؤسسات تعاني من ديونها المرتفعة لدى الدولة وسوء الحوكمة.
وتعاني أغلب المؤسسات الحكومية الكبرى من وضع مالي صعب وعدم استخلاص ديونها لدى الدولة إلى جانب ارتفاع كتلة أجور موظفيها. وكشف تقرير رسمي حول وضعية المؤسسات الحكومية أحالته وزارة المالية للبرلمان في إبريل/ نيسان الماضي عن وضعية مستحقات أهمّ الشركات العمومية لدى الدولة (11 شركة) والتي ارتفعت إلى أكثر من 5 مليارات دينار (1.8 مليار دولار) حتى نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 2019، كما بلغت ديون الدولة الضريبيّة تجاه المؤسسات 1.2 مليار دينار (440 مليون دولار).
ويعد إصلاح حوكمة الشركات الحكومية بنداً أساسياً ضمن وصفة الإصلاح الاقتصادي التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، غير أن توتر الأوضاع السياسية في البلاد وثقل النقابات العمالية بهذه المؤسسات حالا دون بدأ الإصلاحات فيها.
ومنذ شهر ديسمبر/ كانون الأول 2019 صادقت الحكومة على مشروع قانون يتعلّق بإعادة حوكمة المؤسسات الحكومية يقضي بإحداث هيئة لحوكمة المنشآت والمؤسسات العمومية.
وذكرت الحكومة في وثيقة شرح الأسباب المحالة للبرلمان أن مشروع القانون سيحسّن استجابة المنشآت والمؤسسات العمومية إلى قواعد الحوكمة من خلال تكريس الشفافية والنزاهة والمساءلة والمحاسبة وتأكيد التزامها بالواجبات المتعلقة بالمصلحة العامة وبالأداء الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
ويرمي المشروع إلى انتهاج سياسة للإفصاح المالي للشركات الحكومية ونشر مؤشراتها الماليّة وقواعد حوكمتھا من أجل رفع مستوى الشفافية لديها.
وأوصت الجمعية التونسية للمراقبين العموميين في دراسة أنجزتها حول المؤسسات العمومية بضرورة مراجعة خططها وفق تحديات العصر، وتحديد مخططات للنشاط المالي لمدة تتراوح بين 3 و5 سنوات لضمان توازنها المالي، ووضع ميزانيات واقعية وقابلة للتنفيذ، وقبول كفاءات ضمن مجالس إداراتها إضافة لتعزيز أجهزة الرقابة الداخلية.
وقال عضو الجمعية، شرف الدين اليعقوبي، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن التصرف المالي والنتائج المالية للمؤسسات العمومية من أبرز نقاط الضعف، إذ انخفضت إيراداتها من 14 إلى 11 مليار دينار بين 2014 و2016، مقابل تسجيل زيادة في كتلة الأجور من 1.3 إلى 1.7 مليار دينار، خلال نفس الفترة.
وترفض النقابات العمالية الصيغة الحكومية لإصلاح الشركات عبر مشروع القانون المتعلق بحوكمة المساهمات والمنشآت والمؤسسات العمومية المودع لدى مجلس نواب الشعب.
واعتبر اتحاد الشغل في يوليو/ تموز الماضي أن الصيغة الواردة بمشروع القانون يشرع البيع الكلي أو الجزئي للمنشآت العمومية.
وتحتاج تونس إلى دعم مالي خارجي كبير من أجل تمويل موازنة العام القادم وسد عجز موازنة العام الحالي المقدر بـ15 مليار دينار. وتتعرض المالية العامة إلى ضغوط متزايدة في ظل تراجع موارد الدولة، بينما يكتنف الغموض مصير التعاون الجديد مع صندوق النقد الدولي، بعد نحو عام من تعليق اتفاق القرض الذي وقعته الحكومة السابقة برئاسة الحبيب الصيد، مع الصندوق في مايو/ أيار 2016.
ورغم حاجة تونس إلى التمويلات لردم فجوة موازنة 2020 وتعبئة الموارد المالية الضرورية لموازنة العام المقبل، لم تكشف حكومة هشام المشيشي، الحالية عن أي خطة للتعاون المالي مع صندوق النقد.
ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019 علّق صندوق النقد صرف شرائح إضافية من القرض المتفق عليه في 2016 بسبب الانتخابات التي جرت في البلاد، في انتظار الاستقرار السياسي الذي يتيح لخبراء الصندوق عقد اتفاقات حول الإصلاحات الاقتصادية التي سيتم تطبيقها مقابل صرف باقي شرائح القرض.