يفتح القانوني السوري، صخر بعّث، باب أمل استعادة الأموال المنهوبة للشعب السوري بقوله: إن الدول المستضيفة والموظفة لأموال الأسد ومخلوف، وسويسرا بمقدمتها، تنشط، منذ أعوام للتخلص من صورة الملاذ الآمن لأموال الطغاة، ولعل بإعادة الأموال المختلسة من قبل الديكتاتور ساني أباشا للشعب النيجيري، أملا كبيرا أمام السوريين اليوم، خاصة بعد تكشف شبكات الاختلاس والفساد خلال حرب بشار الأسد ورامي مخلوف.
ويرى بعّث في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه وقبل الحديث عن دعاوٍ قضائية وطنية أو دولية بهذا الخصوص، لا بد من تحقّق شرطين لإنجاح عملية الاسترداد، الأوّل أن يثبت انتهاك الدستور والقوانين، والثاني أن تكون هذه الأموال قد أودعت في الخارج -سواءً في بنوك أو مشاريع-خلافاً لمعايير الشفافية.
وفي حين يؤكد المحامي بعّث على أن الأموال مهربة ولم يستخدم خلالها العنف لتسمى منهوبة، يرى أن البداية الممكنة يمكن أن تنطلق من الدول العربية، رغم قلة الإيداعات والأموال المنهوبة فيها، إذ يوجد قرار من الجامعة العربية رقم (7442 – 2011/11/27 ) الذي نصت الفقرة الرابعة منه على تجميد الأرصدة المالية للحكومة السورية.
لكن يستدرك المحامي السوري: يبقى شرط من سيأتي بعد نظام الأسد مهماً، سواء لجهة النزاهة أو للجدية بملاحقة الأموال، فثمة أمثلة لم تفلح باسترداد أموال الشعوب كالعراق، وأمثلة أخرى أعادت ولو بعض الأموال، وخاصة في أفريقيا.
مليارات الدولارات
يقول الاقتصادي السوري، نبيه السيد علي: ليس من السهولة تحديد كتلة الأموال المهربة من سورية، خلال زمن الأسدين، الأب والابن، ولكن يمكن القول إن التعتيم على بعض القطاعات وخاصة النفط، وما رأيناه من غنى فاحش، لأسرة الأسد والمحيطين بهم، تعطينا أدلة على ضخامة تلك الأموال وعبر نهب منظم منذ خمسين عاماً.
ويقدر السيد علي خلال حديث لـ"العربي الجديد" الأموال بعشرات المليارات، موزعة على أرصدة بسويسرا والنمسا، وعلى شركات بالداخل والخارج بدأنا نعرف عنها أكثر خلال الخلافات الأخيرة بين بشار الأسد ورامي مخلوف، فضلاً عن التقديرات والتقارير الدولية التي تشير إلى أن ثروة الأسد تقدر بحوالى 40 مليار دولار، سواء بأسماء أبناء حافظ الأسد الصريحة، أو مسجلة بأسماء واجهات عدة، ربما مخلوف الذي تقدر ثروته بنحو 16 مليار دولار، أهمهم.
ويلفت عضو غرفة تجارة إدلب السابق السيد علي، إلى أنه وبالوقت الذي كان يعاني فيه السوريون من التفقير، كانت الأرصدة تتنامى لأسرة الأسد، وربما أضعف الإيمان، لو تم توظيف تلك الأموال داخل سورية، وبذلك مؤشر على عدم ثقة تلك السلطة، ببلدها أو باستمرارها بالحكم أو النجاة من المحاسبة بعد زوالها.
وفي حين يؤكد رجل الأعمال السوري على حاجة سورية المستقبل للأموال، لكي لا تقع رهينة تحت وصايا وشروط الدائنين والمانحين، يشير إلى أنه لا بد خلال سورية المقبلة من "من أين لك هذا للجميع" ، فإن كان من الصعب استرجاع كل الثروة المنهوبة، فإن أضعف الإيمان العمل على تحييدها من التأثير في مستقبل البلد، وإلا ذهبت جميع تضحيات السوريين أدراج الرياح، وعدنا نرزح تحت نير الاستبداد عبر بوابة الاقتصاد.
"ليس بالأمر اليسير"
يرى سوريون أن استرجاع الأموال الني هربها النظام السوري للخارج، ليست بالأمر اليسير، سواء لناحية إثبات أنها منهوبة أو خضوع الدول المستضيفة لشروط ومعاهدات إعادة تلك الأموال أو بعضها.
فرئيس تجمع السوريين الأحرار بتركيا، غزوان قرنفل، يرى أنه من المبكر الحديث عن استعادة الأموال المنهوبة، لأن تلك المسألة تحتاج الاشتغال على سياقين إداري وقانوني وكلاهما يحتاجان لانتقال سياسي سلس وتوفير إمكانية لإعادة حوكمة الإدارات والمؤسسات وإصلاح آليات عملها فضلا عن توفر المعلومات التي تمكن أي إدارة من تتبع حركة الأموال وآليات انتقالها والتثبت من أن العطاءات ومشاريع العقود التي أبرمت للمشاريع الكبرى قد خالفت المحددات القانونية لآليات إرسائها أو إبرامها حتى تصل إلى نتيجة أن هذا المال مصدره غير مشروع وهو إثراء بلا سبب.
ويشير القانوني السوري خلال حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن السوريين يحتاجون بطبيعة الحال لتشريع قانون ينشئ لجنة وطنية لاستعادة الأموال المنهوبة ويحدد اختصاصها ونطاق عملها وهذا بدوره يفترض وجود مؤسسة تشريعية مستقلة وتعبر عن إرادة الناس الحرة.
لكن يؤكد قرنفل أن عملية استعادة الأموال المنهوبة ليست مستحيلة لكن دونها عقبات وعراقيل وتحتاج إلى جهد طويل الأمد ونفقات كبيرة وغالبا وفي معظم التجارب المماثلة لم تستعد الدول أموالها المنهوبة إلا بنسبة 50%.
سعي رسمي
اشتغلت المعارضة السورية على ملف استرجاع الأموال المهربة، لكنها واجهت عقبات، حالت دون الاستمرار، فالدول الكبرى في "مجموعة الثماني" أو مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة الجريمة، لم تتخذ أي إجراءات ضد النظام السوري ورموزه، سوى تجميد أصول بعضهم، من دون البدء بمحاولة استردادها، كما جرى في ملاحقة الأصول في دول الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا، كما لم يتم الاعتراف بالمعارضة السورية ممثلا قانونيا للشعب السوري، ما زاد من تعقيد استرجاع الأموال المنهوبة.
ويقول عضو هيئة التفاوض السورية، المحامي طارق الكردي: يدفعنا الحديث عن الأموال المنهوبة في سورية وطرق استعادتها، للبحث أولا بثنائية الفساد والسلطة والتي كانت شعارا لوصول حافظ الأسد إلى السلطة، والأمثلة على فساد النظام السوري كثيرة، نذكر منها محمد حيدر نائب رئيس الوزراء ورفعت الأسد والذي أخذ باعتراف رموز النظام مبلغ 300 مليون دولار حتى قبل مغادرة سورية، وصولا إلى بدء ظهور الذئاب الصغيرة في النصف الثاني من الثمانينيات حيث بدأ باسل الأسد ورامي مخلوف بالظهور في حالة الفساد المالي ونهب الأموال.
ومن ثم ظهرت نظرية عراب الفساد ونهب الأموال في سورية محمد مخلوف حيث تحدث عن ضرورة أن يكون للنظام مظلة حماية اقتصادية إلى جانب المظلة الأمنية والمظلة العسكرية وقد جاءت هذه النظرية بعد حرب تحرير الكويت، وصولا إلى ما حصل في سنوات الثورة الماضية من ظهور طبقة جديدة من أثرياء الحرب ورجال الأعمال الذين اعتمد عليهم النظام للالتفاف على العقوبات الدولية.
ويؤكد الكردي لـ"العربي الجديد" أن الأموال المنهوبة في سورية كبيرة جدا وعملية استعادتها عملية شاقة وطويلة وتحتاج إلى إرادة سياسية وتشريعات وطنية وتعاون دولي.
كما تحتاج إلى تحديد ماهية سرقة المال العام والأطر التي يمكن اعتمادها، وهنا لا بد من الحديث عن أهمية إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد كمرجعية يمكن اللجوء إليها وتربط بها الصلاحيات والأجهزة التي تستطيع تحريكها بشكل مستقل، إضافة إلى ضرورة إصدار تشريع عصري يحدد ويعالج جريمة الإثراء غير المشروع، وهذا التشريع يضمن ويوحد القوانين ويلغي التناقضات ليقوم القضاء بشكل مستقل بواجباته من ضمن قانون متجانس.
ويلفت عضو هيئة المفاوضات السورية (جهة ممثلة للمعارضة) إلى أن هذه التشريعات تتطلب قضاء مستقلا ونزيها وهنا تبرز الحاجة إلى إيجاد محكمة خاصة بالجرائم المالية تكون خارج إطار التأثير السياسي والمنظومة القضائية الحالية، للقضاء الدور الأساس، وتوفير الحصانات له أمر مهم جدا وحيوي وعند توفير ذلك يمكن القول إن مسارا تشريعياً وقضائياً قد فتح لاستعادة الأموال المنهوبة وضمان منع التكرار.
ويتابع القانوني الكردي أنه عند الحديث عن الأدوات والإجراءات الخاصة باسترداد الأموال المنهوبة، هناك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2005 والتي تتحدث عن التعريف بالأشخاص الموثوق بهم عادة في المناصب المهمة.
وعن آلية استرداد الأموال المنهوبة، يبيّن الكردي أنها تتوزع على 4 مراحل:
أولاً - تعقب هذه الأموال.
ثانياً - التأكد من الاستحواذ على الأموال باتباع التدابير الضرورية.
ثالثاً - ما يسمى في الفصل في النزاع والحكم القضائي والنهائي.
رابعاً - إرجاعها إلى البلد المعني.
وقال إن التدابير الرسمية للمساعدة القانونية المتبادلة وفق ما تذكره الاتفاقات الأممية عبر تبادل المعلومات بين الشرطة والأطراف المعنية.
من ثم، بحسب المتحدث، يأتي دور السلطات القضائية التي عليها في أحيان كثيرة إصدار قرار بتجميد هذه الأصول العائدة للأشخاص المتهمين بنهب المال العام، في مرحلة استرداد الأصول، حيث واجهت بعض الدول مشاكل كبيرة، ولا سيما الأصول التي قد تكون على شكل بناء أي أموال غير منقولة، وهناك تحديات عديدة عند استرداد الأموال المنهوبة، منها السرية المصرفية والتنسيق والتعاون بين الدول، وهما أمران صعبان، إضافة إلى بعض الثغرات في الإطار القانوني إذ لا تدابير واضحة وقد تكون معقدة.
وما يتعلق بما تقوم به هيئة التفاوض عملياً، لاسترجاع الأموال وحقوق السوريين، يوضح القانوني السوري، أن هيئة التفاوض السورية قامت منذ مؤتمر الرياض الثاني بالعمل على تحضير الأفكار والأوراق القانونية الخاصة بموضوع استعادة الأموال المنهوبة، من خلال عمل الهيئة ومكاتبها ولجانها المتخصصة ودراسة ما يمكن أن يتضمنه الدستور الجديد من مواد خاصة بالموضوع وقد عقدت الكثير من الاجتماعات مع الخبراء السوريين والدوليين في مجال مكافحة الفساد على هذا الخط.