أطلّت مجموعة أزمات برأسها من جديد في اليمن، بشكل مضاعف، بسبب أزمة الوقود المستفحلة التي تضرب مختلف المدن، بعدما تفاجأ المواطنون بفواتير مضاعفة للكهرباء وانفلات عداد أسعار المياه.
ووصل سعر الصهريج الواحد من المياه المنقولة بالشاحنات إلى 15 ألف ريال (13 دولاراً) من سعر 7 آلاف ريال، كان قد استقرّ عليه في أعقاب أزمة الوقود السابقة في سبتمبر/ أيلول الماضي، إذ كان سعره لا يتجاوز 5 آلاف ريال.
وتعتمد معظم الأسر اليمنية في تلبية احتياجاتها من المياه على صهاريج الشاحنات نتيجة توقف المياه العامة عبر الأنابيب الموصلة إلى المنازل بنسبة تزيد على 70%.
وتضرب اليمن أزمة وقود خانقة منذ منتصف يونيو/ حزيران الجاري في سيناريو مكرر للأزمات التي تشهدها البلاد منذ بداية الحرب قبل ما يزيد على خمس سنوات في المشتقات النفطية، والتي انعكست على شكل صدمات قوية أثرت بشدة في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وأوضاع الأمن الغذائي والمعيشي للسكان، ولتكون سبباً رئيسياً للعديد من الأزمات، بما في ذلك اتساع معدلات الفقر والبطالة وارتفاع أسعار السلع.
ونتيجة استفحال الأزمة في صنعاء، عادت أسعار التيار الكهربائي من مولدات الكهرباء الخاصة للارتفاع، إذ قفز سعر الكيلو/وات من 250 ريالاً إلى 320 ريالاً، بينما اتسعت صعوبة حصول المواطنين على المياه بعد ارتفاع أسعار صهاريج المياه بأكثر من 110%.
يعبّر المواطن حمود البكيلي (55 عاماً) بحدة عن حالة الضيق التي تسيطر على المواطنين من الأزمات التي لا تتوقف، ولو لفترة مؤقتة، تجعلهم حسب قوله "يلتقطون أنفاسهم من حرب وصراع لا أفق لنهايته، وحياة مضنية استنفرت جميع الأُسر اليمنية لمواجهته".
ويضيف البكيلي، وهو من سكان صنعاء لـ"العربي الجديد": "ظهرت أزمة جديدة، وقالت هذا مبتداها" في تعبيره عن شدة معاناة الناس من الحرب الدائرة والأزمات الناتجة منها التي لم يعد بمقدور أحد من اليمنيين التعامل معها.
ويشكو محمد الشرجبي (40 عاماً) من أزمة المياه بعد ارتفاع أسعار الصهاريج المنقولة على الشاحنات، قائلاً إن بمقدور الكثير من الناس التكيف مع أزمة الوقود وتحمّلها ومحاولة تجاوزها، لكن العملية صعبة بالنسبة إلى المياه، لا يمكن الاستغناء عنها باعتبارها من ضرورات الحياة اليومية، إضافة إلى شيوع استغلال بشع في مختلف الخدمات وأسعار السلع حتى التي لا علاقة لها مباشرةً بأزمة الوقود".
وفي عدن، لا تزال أزمة الخدمات مستمرة، التي لم تتوقف عند حدود الوقود والكهرباء وتردي مختلف الجوانب المعيشية والصراع المتفشي، نتيجة تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً واستيلائه على المؤسسات العامة والمنافذ الإيرادية في العاصمة المؤقتة المفترضة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وعجزه عن توفير أبسط الخدمات المعيشية، وذلك بعد انضمام المياه إلى هذه السلسلة من الأزمات، وصعوبة توفير نسبة كبيرة من المواطنين لاحتياجاتهم اليومية منها.
وفي ظل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، وخصوصاً في المناطق الساحلية مثل عدن (جنوب) والحديدة (غرب)، تضاعفت احتياجات المواطنين للخدمات العامة مثل الكهرباء والمياه، وهو ما ينذر بكارثة إنسانية قد تشهدها بعض المحافظات والمناطق التي تعاني من تردي بعض الخدمات الأساسية وغيابها.
ومنذ بداية الأزمة في اليمن، لا تزال خدمة الكهرباء الحكومية منقطعة في معظم المحافظات، حيث تبلغ نسبة المواطنين الذين لا يحصلون على الكهرباء العامة 90% من إجمالي عدد السكان، وفق البيانات الرسمية.
وتنتشر في بعض المناطق خدمة الكهرباء التجارية ذات التكلفة المرتفعة، حيث يصل سعر الكيلو/وات إلى ما يقارب 300 ريال مقارنة بنحو 6 ريالات سعر الكيلو العمومي قبل الحرب، بالإضافة إلى فرض رسوم اشتراك أسبوعية تبلغ 300 ريال يدفعها المشترك، سواء استهلك كهرباء أو لم يستهلك.
لكن صديق عبدالله، مسؤول محطة تجارية لتوليد الطاقة الكهربائية في صنعاء، يقول إن هناك معاناة شديدة في الحصول على الوقود، في ظل استغلال كبير يتعرض له أصحاب محطات الكهرباء.
ويضيف عبدالله لـ"العربي الجديد" أن المحطات التجارية وفرت خدمة كبيرة للمواطنين في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فيما يعاني المواطنون في المناطق الأخرى بسبب محدودية الكهرباء التجارية المتوافرة لديهم واعتمادهم بشكل رئيسي على الكهرباء العامة التي تعاني كثيراً رغم قدرتهم إلى حد ما على شراء الكهرباء التجارية نتيجة استمرار صرف جزء كبير من الموظفين المدنيين مقارنة بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وتأتي تعز في طليعة المدن اليمنية الأكثر اختناقاً بالأزمات الخدمية، وخصوصاً في الكهرباء والمياه وارتفاع أسعار معظم الخدمات العامة والمعيشية، إذ يراوح سعر صهريج المياه ما بين 15 و20 ألف ريال، بزيادة تصل نسبتها إلى 185%، تليها صنعاء ثم الحديدة نتيجة أزمة الوقود التي تجعلها غير متاحة بسهولة لدى كثير من الأسر بسبب ارتفاع أسعارها بشكل مضاعف.
وأدى انتشار فيروس كورونا إلى تزايد احتياجات السكان للمياه والنظافة الصحية، وبالتالي زيادة الضغط على الاحتياجات الخدمية والسلعية من المياه والأدوية والمواد الغذائية، وكذا أدوات النظافة الصحية والمعقمات، إذ تعد الفئات الأكثر فقراً والمهمشة الأكثر عرضة بشكل خاص للمخاطر.
ويؤكد الباحث الاقتصادي والأكاديمي في جامعة الحديدة مرزوق عاشور، أن أزمة المشتقات النفطية أكثر خطراً وتأثيراً على اليمنيين من الحرب والصراع الدائر، لأن خطرها يشمل معظم الجوانب الاقتصادية والحياة المعيشية، حيث تهدد الأزمة الراهنة الأمن الغذائي في اليمن بتدهور مريع والقضاء على الهامش البسيط الباقي من متطلبات الحياة المعيشية.
ويقول عاشور لـ"العربي الجديد" إن الصراع في اليمن دخل معتركاً خطيراً، نتيجة تركيز الأطراف المتحاربة على الاقتصاد كورقة ضغط مع تشعب هذا الصراع وانزلاقه إلى مستويات سحيقة، في ظل تفشي فيروس كورونا وتبعاته المؤثرة في مختلف جوانب الحياة العامة.
ويضيف أن الوضع سيتفاقم أكثر في العديد من المناطق اليمنية مثل الحديدة (على ساحل البحر الأحمر غرب اليمن) بسبب أزمة الوقود الراهنة، لأن أزمات المشتقات النفطية من أهم العوامل التي تزيد من خطر المجاعة وتفشي الأوبئة واتساع عدد الأُسَر التي صار أمنها الغذائي في وضع كارثي.