مع انطلاق ثورة الجياع ... عوّموها وارتاحوا

29 ابريل 2020
لبنانيون أمام احدى شركات الصرافة (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -

 

تسابق الليرة اللبنانية الزمن نحو الانحدار السريع مقابل العملات الرئيسية وفي مقدمتها الدولار، وبعد سنوات طويلة من تثبيت الدولار عند 1515 ليرة بدعم من تحويلات ضخمة للمغتربين، وقطاع سياحي نشط، وتوافر سيولة دولارية داخل البنوك، واحتياطي ضخم من النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان، باتت العملة اللبنانية على شفا الانهيار، خاصة مع تحكم الصرافين في السيولة المتاحة، وفقدان أكثر من نصف قيمتها منذ شهر أكتوبر الماضي، موعد اندلاع الثورة الشعبية، وفرض البنوك قيودا صارمة على سحب النقد الأجنبي.

أمس الثلاثاء بلغ سعر الدولار 4200 ليرة، ولا نستبعد أن يقفز السعر إلى 5 آلاف ليرة في الأيام المقبلة، فهناك حالة ذعر في سوق الصرف، وهناك مصرف مركزي توقف عن دعم استقرار العملة المحلية وكبح المضاربات وتلبية احتياجات البنوك وعملائها ربما للحفاظ على ما تبقى من احتياطي أجنبي لتمويل أغراض استيراد القمح والأدوية والأغذية.

وهناك أربعة أسعار صرف متعددة للدولار ما بين البنوك ومصرف لبنان والمضاربين والسوق غير الرسمية، علما بأن السوق السوداء للعملة هي من باتت تفرض نفسها على الجميع حيث يلجأ إليها التجار والمستوردون والمسافرون والراغبون في العلاج والتعلم في الخارج، بعد أن سدت البنوك أبوابها أمامهم ولم تعد تلبي احتياجاتهم من النقد الأجنبي.

أضف إلى ذلك عنصراً آخر وهو تفضيل اللبنانيين العاملين في الخارج تحويل أموالهم إلى ذويهم في الداخل مباشرة أو عبر الصرافين، وليس عبر البنوك التي باتت تواصل سياسة فرض القيود على عمليات السحب، وذلك لاستفادة هؤلاء من السعر المرتفع المتداول في السوق السوداء.

أمام هذا المشهد الكارثي تقفز أسعار السلع والخدمات بمعدلات قياسية تفوق قدرات المواطن المالية ودخله الذي يتآكل يوما بعد يوم بفعل زيادة كلفة الاستيراد والدولار، وتأثر الوضع الاقتصادي بفيروس كورونا، ووجود عجز مالي يفوق 56 مليار دولار، ومصرف مركزي "عاجز عن الحركة، أو معطل بقرار، أو محرض على هذا التدهور المريب" كما قال رئيس الوزراء اللبناني حان دياب يوم الجمعة الماضية.


ومع التأثيرات الخطيرة للتأخر في الإصلاح المالي والفشل في وقف تهاوي الليرة وعدم الدخول بعد في مفاوضات جادة مع الدائنين الدوليين، خاصة أصحاب السندات، وانطلاق ثورة جياع في البلاد، لم يعد أمام الحكومة سوى طريق واحد هو تعويم العملة المحلية وتحرير سعر صرف الأجنبي كاملا بحيث يبقى رهناً للعرض والطلب.

لكن هذه الخطوة ستكون كارثية على الشعب اللبناني والاقتصاد في حال اتخاذها على عجل ودون الاستعداد المالي والنفسي الجيد لها، فالتعويم بلا احتياطي ضخم لدى مصرف لبنان يقود إلى انهيار إضافي في قيمة العملة، والاحتياطي يحتاج تغذية سريعة بمليارات الدولارات، وفي ظل مناخ عدم الثقة من قبل المدخرين والمغتربين لا نتوقع أن تحدث التغذية من خلالهم.

والحل هنا هو الاقتراض الخارجي، وأسهل طريق بات هو صندوق النقد الدولي الذي يترقب لحظة الانقضاض على اللبنانيين ليكرر جريمته التي ارتكبها في مصر والأردن وتونس وغيرها من الدول التي خضعت لشروطه وروشته السامة.

وهنا لن يتوقف الأمر على تعويم الليرة، بل سنشهد قفزات في أسعار السلع والخدمات، وزيادات قياسية في الضرائب والرسوم، وإلغاء الدعم المقدم لبعض السلع الرئيسية، وقفزات في معدلات الفقر والبطالة، ومزيداً من الاقتراض الخارجي، سواء بشكل مباشر من المؤسسات المالية كالبنك الدولي وغيره أو عبر طرح سندات في الأسواق الدولية، وتآكلا للمدخرات المحلية، وتدهورا للطبقة الوسطى، فهذه هي النتائج الطبيعية لأي اتفاق مع صندوق النقد.

المساهمون