كشف رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية مساء اليوم الإثنين، أن العجز في الموازنة أصبح حوالى 1.4 مليار دولار بسبب حالة الطوارئ المفروضة لمواجهة فيروس كورونا، وذلك بعد اعتبار أموال المانحين المتوقعة.
وقال اشتية خلال مؤتمر صحافي عقده في مقر مجلس الوزراء بمدينة رام الله، "ما زال لهذه الأزمة ارتدادات متفاعلة اقتصادية واجتماعية ونفسية وأمنية؛ وترتبت عليها خسائر كبيرة لقطاعات متعددة مثل السياحة والورش الصغيرة وغيرها، ولكن الضربة الكبرى جاءت لخزينة السلطة؛ حيث تراجعت الإيرادات المحلية وإيرادات المقاصة بسبب تراجع حجم الطلب الكلي وتراجع المبيعات وقطاعات الإنتاج، وما ترتب على ذلك من تراجع في إيرادات الخزينة والتي منها ندفع ما يُستحق علينا من التزامات مالية".
وأشار اشتية إلى أن التقارير الدولية والمحلية وتقارير الحكومة جاءت متقاربة في تنبؤاتها حول حجم خسائر الاقتصاد الوطني والناتج المحلي الفلسطيني، والمقدرة بحوالى 20% حتى نهاية العام؛ أي حوالى 3.2 مليارات دولار.
وقال: "بناء على ذلك اضطررنا إلى موازنة طوارئ متقشفة، ما يعني صرف ما يتحقق من الإيرادات وبعض الاقتراض؛ للحفاظ على وضعنا الصحي وحماية الفقراء والعاطلين عن العمل، بالإضافة إلى احتياجات الحفاظ على الوضع الأمني وحالة الطوارئ، يرافق ذلك تخفيف في المصاريف والنفقات قدر المستطاع".
وأشار اشتية إلى جملة من التسهيلات التجارية، للحفاظ على وتيرة منسجمة مع المتطلبات الحياتية اليومية وصحة المواطنين، لتقليص أثر الإجراءات الصحية والطوارئ على الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين، علاوة على السماح لكافة المتعاملين مع مدخلات الإنتاج بالعمل لإبقاء الوتيرة تدور في مصانع الأغذية والأدوية وغيرها، "وأبقينا الحركة التجارية بين المحافظات على وتيرتها، وكذلك بيننا وبين محيطنا وجوارنا"، فيما أشار إلى الإبقاء على وتيرة العمل في القطاع الزراعي بشكلها الطبيعي.
ونوه رئيس الوزراء الفلسطيني إلى دفع الحكومة كامل الرواتب عن الشهر الماضي، في منتصف العاصفة الاقتصادية والمالية، لضمان تدفق السيولة بين يدي الموظفين، وكذلك الإبقاء على موازنة التنمية الاجتماعية وإضافة 11 ألف أسرة جديدة الشهر الحالي، على قائمة الأسر التي تتلقى مساعدات مالية حكومية، وستتم إضافة 9 آلاف أسرة جديدة للشهر القادم، لتتمكن الفئات الفقيرة والمهمشة من الصمود، ليصل العدد الإجمالي إلى 125 ألف أسرة تتلقى مساعدات مالية، السواد الأعظم منها في قطاع غزة.
ولفت إلى تأجيل أقساط القروض مدة 4 أشهر، وكذلك توسيع دائرة التسهيلات لتشمل قطاعات اقتصادية أخرى وخاصة في المحافظات التي لم تسجل فيها إصابات أو سجلت فيها أقل من (5) إصابات، وكذلك فتح السوق المالي والسماح للمصانع أن تعمل بوتيرة 50% من العمال، علاوة على إنشاء صندوق "وقفة عز"، وكذلك تأسيس صندوق للمتعطلين عن العمل على أن يبدأ الصرف من هذه الصناديق قبل نهاية شهر رمضان.
من جانب آخر، أعلن اشتية عن توفير مبلغ 300 مليون دولار لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة المتضررة من الأزمة؛ حيث ستمنح هذه المشاريع قروضاً ميسرة جداً من خلال المصارف والمؤسسات المالية الأخرى بإدارة سلطة النقد، حيث ستساهم سلطة النقد بمبلغ 210 ملايين دولار، فيما طالب اشتية المؤجرين للقطاع التجاري المتضرر من الأزمة بالوقوف عند مسؤولياتهم بتخفيض أجور المحلات التجارية بنسبة 30% عن عام 2020.
وأشار اشتية إلى أنه سيتم تقديم حوافز ضريبية للمنشآت المتضررة من الأزمة وحافظت على أجور العمّال ولم تقم بفصل أي منهم أو المساس بحقوقهم الأخرى، وستقوم وزارة المالية بدراسة هذه الأمور لتتناسب مع طبيعة الضرر وحجمه، فيما دعا أرباب العمل للإيفاء بالتزاماتهم تجاه العمال لديهم عن الشهر القادم، ومن جانب الحكومة سوف تقدم مساعدة مالية إلى 35 ألف عامل متعطل عن العمل في الضفة وغزة.
وأعلن اشتية عن قرار لمجلس الوزراء بالتأكيد على منح الأفضلية للمنتجات المحلية المتعلقة بمكافحة الفيروس مثل الأدوية والكمامات والمعقمات والألبسة الواقية ومنحها كامل الأفضلية في المشتريات الحكومية ما دامت مطابقة للمواصفات، فيما أشار إلى التوصية للرئيس الفلسطيني محمود عباس بإعفاء كامل المستثمرين من كافة الرسوم المتعلقة بتسجيل الشركات حتى نهاية العام الحالي.
إلى ذلك، أشار اشتية إلى أنه سوف تتم التوصية للرئيس الفلسطيني أن يتم التبرع بيومي عمل من جميع الموظفين الرسميين والحكوميين، والسفراء وموظفي السفارات وكل فلسطيني يتلقى راتباً من جهة رسمية، لدعم الجهود الحكومية في مواجهة أزمة كورونا والاحتياجات المالية، آملاً أن يحذو موظفو القطاع الخاص حذو بعض زملائهم في البنوك وبعض المؤسسات الخاصة بالتبرع بأيام عمل، وكذلك النقابات ومنظمات المجتمع المدني والقطاعات الأهلية والجامعات والمدارس الخاصة وكل من يستطيع.
على صعيد منفصل، قال اشتية: "إن قرار المحكمة الإسرائيلية باقتطاع 450 مليون شيقل من أموالنا قبل يومين، وقبلها اقتطاع 650 مليون شيقل تحت حجة أننا نصرف على أسر الشهداء والأسرى، ما هي إلا قرصنة حقيقية لأموالنا وسرقة لمقدراتنا".
وأكد اشتية أن "هذا الإجراء يجعلنا في موقف مالي صعب جداً ويضيف إلى عجز موازنتنا عجزا جديدا بمقدار المبالغ المذكورة، وهذا يعني أن إسرائيل تقتطع من أموالنا سنوياً حوالى مليار و130 مليون شيقل".
وأكد اشتية على رفض الحكومة الفلسطينية لذلك، وقال: "سوف نتقدم إلى المحاكم الدولية ضد هذا الإجراء ونطالب بوقف كل هذه الإجراءات".
وشدد اشتية على أن التخطيط لضم الأغوار الفلسطينية وفرض السيادة على المستعمرات غير القانونية وغير الشرعية من قبل الائتلاف الحكومي المنوي تشكيله في إسرائيل وقرصنة الأموال الفلسطينية وضرب الاتفاقيات بعرض الحائط وهدم البيوت والاعتقالات، إنما جميعها تهدف إلى شيء واحد وهو تقويض إمكانية الدولة الفلسطينية مستقبلاً وضرب المؤسسات الفلسطينية حاضراً، وإضعافها، مشيراً إلى أن هذا الأمر "يضعنا أمام قرار مصيري متعلق بنا جميعاً علينا مواجهته".
في حين، أكد اشتية أن القرار الإسرائيلي بمصادرة أراض تابعة للحرم الإبراهيمي في الخليل، وتوظيفها للمشاريع التهويدية والاستيطانية اعتداءٌ صريحٌ على ملكية المسلمين الخالصة للحرم الإبراهيمي والأوقاف المتعلقة به.
وفي رده على أسئلة الصحافيين، حول إمكانية تخلي السلطة عن بروتوكول باريس الاقتصادي، قال اشتية: "ليست أول مرة تخرق فيها إسرائيل الاتفاقات الموقعة، واقتطعت العام الماضي، 670 مليون شيقل من أموال الشهداء والأسرى وطلبنا من جميع الدول التدخل في الموضوع وما زالت إسرائيل متعنتة"، فيما أشار إلى أن الإجراء الإسرائيلي الأخير هو قرار محكمة إسرائيلية، لكن الحكومة الإسرائيلية تستطيع أن ترفضه إن أرادت ومن الواضح أنها لا تريد.
وقال اشتية: "خطورة الأمر لا تأتي فقط في هذا القرار، فهناك 110 قضايا مرفوعة على السلطة الفلسطينية في المحاكم الإسرائيلية، وقبل شهر ربحنا قضية في المحاكم الأميركية مرفوعة ضد منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة"، مشيراً إلى أن بعض الدول القضاء فيها موضوعي، ولكن في بلدان لا يكون فيها القضاء موضوعياً بل رهينة للقرار السياسي.
وتابع، "بناء عليه، ليس فقط سنلجأ إلى المحاكم الدولية، لكن هناك إجراءات الضم وقرصنة الأموال وكل الإجراءات التي تقوم بها إسرائيل الرسالة لنا أنه لا يمكن لنا الاستمرار بالوضع الراهن كما هو، والرئيس يضع هذه المرحلة على طاولته، ونحن مقدمون على مرحلة جديدة تتعلق بكل الإجراءات الإسرائيلية، وحان الوقت لأن يكون هناك قرار، ليس فقط قرار تنفيذ القرار، الأمر ليس أمراً مالياً، بل تقويض مستقبل دولة فلسطين وإخضاع السلطة لتصبح خارج النطاق الذي يريده أبناء الشعب الفلسطيني، ونحن لن نقبل ذلك".