الاحتياطي السعودي مهدد بالاندثار في بضعة أعوام وديون ضخمة تتراكم

14 ابريل 2020
المملكة تخسر نحو خُمس احتياطيها (Getty)
+ الخط -
لم يكن عام 2014 سوى بداية عهد جديد للسعودية، لترتسم معالم أخرى لصناعة النفط في العالم، تنزل بمقتضاه المملكة عن عرش ظلت عقوداً تعتليه، وتقبع في حقبة جديدة من تآكل المدخرات وصعود الديون إلى مستويات قياسية عاماً بعد الآخر.

وأظهرت البيانات الرسمية التي اطلعت عليها"العربي الجديد" أن المملكة خسرت نحو 118.9 مليار دولار من الأصول الاحتياطية في غضون نحو خمس سنوات، كما قفزت الديون الحكومية إلى أكثر من 180.8 مليار دولار.

ولم تتوقف عجلة الاستدانة منذ 2015 بل تتصاعد بوتيرة كبيرة، كما لم يهدأ نزيف الاحتياطي رغم محاولات إبقاء أسعار النفط عند مستويات مستقرة خلال عامي 2018 و2019 عبر اتفاق على خفض الإنتاج بين منظمة أوبك والمنتجين من خارج المنظمة بقيادة روسيا.

لكن سرعان ما انفك رباط التحالف ودخلت الرياض وموسكو في حرب على الإنتاج وحرق الأسعار، مطلع مارس/آذار الماضي لتهوي الأسعار بفعل ضربة مزودوجة تسببت فيها هذه الحرب، وكذلك الإصابات البالغة التي وجهها فيروس كورونا الجديد للاقتصادات العالمية التي أبطأت كثيرا طلبها على الخام.

وما إن اتجهت الأنظار من جديد إلى هدنة بين المنتجين عبر اتفاق لخفض الإنتاج، ضغطت الولايات المتحدة للتوصل إليه، حفاظا على شركاتها العاملة في النفط الصخري من الإفلاس بفعل تهاوي الأسعار، جاءت استجابة الأسواق فاترة، حيث لم يصعد خام برنت سوى بأقل من 1.5 دولار للبرميل، وسط توقعات متشائمة للكثير من المؤسسات الدولية بشأن إمكانية صعود الأسعار في ظل تخمة المخزونات العالمية وتراجع الطلب بفعل الإغلاقات التي تسبب فيها كورونا.

ووفق مسؤول، في واحد من أكبر بنوك الاستثمار الإقليمية، فإن السعودية ستدفع الثمن الأكبر من بقاء أسعار النفط عند مستوياتها المتدنية، لاعتمادها بشكل كبير على عوائد تصدير الخام في ظل فشل خطط تنويع الاقتصاد، التي روج لها وليّ العهد محمد بن سلمان طيلة ثلاث سنوات ماضية.

وتظهر حركة السحب من الاحتياطي على مدار السنوات الماضية، أن المملكة قد تخسر ما جنته من أموال في خزائنها تماماً بنهاية عام 2037، وقد تصبح مدينة بأكثر من 690 مليار دولار في ذات العام، إذا ما استمرت وتيرة الاقتراض على متوسطاتها الحالية، وفق توقعات المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه في تصريحات لـ"العربي الجديد".

لكن توقعات صندوق النقد الدولي، بدت أكثر تشاؤماً، إذ حذر في تقرير له في مارس/آذار الماضي من اندثار ثروات السعودية في عام 2035، إذا لم تتخذ "إصلاحات جذرية في سياساتها المالية" التي ترتكز بشكل أساسي على عائدات النفط مثل باقي دول الخليج التي توقع أن تندثر أيضا ثرواتها في سنوات متفاوتة، لتكون البحرين الأقرب إلى هذا السيناريو عام 2024، ثم سلطنة عُمان في 2029، والكويت في 2052.

ووفق بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) الصادرة نهاية الشهر الماضي، تراجعت الأصول الاحتياطية إلى 1.86 تريليون ريال بنهاية فبراير/شباط الماضي (497 مليار دولار)، مقابل 1.88 تريليون ريال في يناير/كانون الثاني، بينما كانت 2.31 تريليون ريال بنهاية عام 2015.

كما أظهرت بيانات نشرتها وزارة المالية على موقعها الإلكتروني، أن الديون المباشرة القائمة على الحكومة في 31 ديسمبر/كانون الأول 2019 بلغت 677.9 مليار ريال (180.8 مليار دولار)، منها 372.8 مليار ريال ديوناً محلية و305.2 مليار ريال ((81.4 مليار دولار) ديوناً خارجية.

ولم يكن على السعودية ديون خلال 2013 و2014، لكنها سجلت في 2015 بداية مرحلة جديدة من الديون، حيث بلغت بنهاية ذلك العام 142.2 مليار ريال، جميعها محلية.

وتتصاعد نسبة الدين من الناتج المحلي بمستويات قياسية لتبلغ بنهاية العام الماضي 24.1 في المائة، بينما لم تتجاوز 1.6 في المائة في 2014.

وكانت وزارة المالية، قد أعلنت في يناير/ كانون الثاني الماضي، إصدار سندات دولية بقيمة خمسة مليارات دولار، كأول طرح خلال 2020 لسد العجز المتوقع في الميزانية العامة.

وكشفت السعودية، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عن موازنة 2020 بإنفاق 272 مليار دولار (أقل من عام 2019)، مقابل إيرادات بـ222 مليار دولار، متوقعة عجزاً قيمته 50 مليار دولار.

وأسعار النفط الرخيصة في السوق العالمية، تعمل على جر البلدان المنتجة للخام، ولا سيما في منطقة الخليج العربي إلى الانهيار، والتي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على صادراته.

وتشير بيانات حديثة صادرة عن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني العالمية إلى أن السعودية صاحبة الوزن الثقيل في أوبك، وأكبر مصدر للنفط الخام في العالم، بحاجة إلى سعر 91 دولاراً للبرميل لتحقيق نقطة تعادل في الأرباح والخسائر، بينما أسعار خام برنت حاليا بعد التوصل لاتفاق خفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يومياً لا تتجاوز 32 دولاراً للبرميل، حيث لم تزد سوى نحو أكثر من 1.5 دولار منذ الإعلان عن الاتفاق الأحد الماضي.

وشككت مؤسسات مالية عالمية ومحللون في قطاع الطاقة في جدوى الاتفاق. وتوقع بنك غولدمان ساكس العالمي، أمس الاثنين، أن تواصل أسعار النفط الهبوط في الأسابيع المقبلة إلى 20 دولاراً للبرميل.

وقال البنك إن الاتفاق الذي أبرم بين منتجي الخام "تاريخي لكنه غير كاف". كما قدر بنك مورغان ستانلي سعر الخام بنحو 30 دولاراً للبرميل، ليزيده قليلا عن مستويات توقعاته السابق البالغة 25 دولاراً للبرميل.

وفي هذه الأثناء، أظهرت وثيقة، وفق رويترز، أن شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو، خفضت سعر بيع خامها العربي الخفيف لآسيا لشهر مايو/ أيار بنحو 4.2 دولارات للبرميل عن إبريل/ نيسان، وبحسم قدره 7.3 دولارات عن متوسط أسعار خامي سلطنة عمان ودبي.

وخسر خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط الأميركي، ما يزيد عن نصف قيمتيهما منذ بداية العام الجاري. ويقول بعض المحللين إن خفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل وفق الاتفاق المبرم، قد يكون أكبر بأربع مرات من الخفض القياسي السابق المسجل في 2008، وربما يدعم الأسعار، لكنه لا يقارن بالانخفاض في الطلب المتوقع، الذي يصل إلى 30 مليون برميل يومياً في إبريل/ نيسان.

ويأتي تهاوي الطلب في الوقت الذي تواصل فيه الحكومات في مختلف أنحاء العالم، تمديد القيود المفروضة على السفر والتجمعات للحيلولة دون انتشار فيروس كورونا، وهي القيود التي أدت إلى تراجع الطلب على الوقود بالأساس.

وبينما راهن ولي العهد السعودي، على سهم شركة أرامكو النفطية، ليكون بداية جذب رؤوس الأموال النائمة في الداخل ومن ثم أموال المستثمرين الساخنة في الخارج، فإن واقع تحركات السهم في البورصة السعودية تبدو محبطة، حيث هبط إلى ما دون القيمة التي طُرح بها.

وأغلق السهم في تعاملات اليوم الثلاثاء عند 31.1 ريالا، بينما تحدد إدراجه بالسوق في 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي بنحو 32 ريالاً، ووصل إلى مستويات مرتفعة عند 38 ريالاً في 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكنه سرعان ما عاد الهبوط تدريجياً بفعل تهاوي أسعارالنفط وابتعاد المستثمرين عنه.

وأصبحت الولايات المتحدة، في السنوات القليلة الماضية، أكبر منتج للنفط في العالم بنحو 13.1 مليون برميل يوميا، بينما تحل روسيا ثانياً بنحو 11.2 مليون برميل يوميا، في حين تأتي السعودية ثالثاً، بمتوسط يومي 9.8 ملايين برميل.

المساهمون