لم تقتصر تداعيات إغلاق حقلين نفطيين كبيرين في ليبيا، على سوق النفط العالمية، التي وصلت إلى أعلى مستوى لها في أسبوع، أمس الاثنين، وإنما جاءت التأثيرات سريعة وبشكل أكبر على أسواق الصرف والسلع الرئيسية في ليبيا، لتشهد زيادات كبيرة، في ظل المخاوف من انحسار إيرادات البلاد، التي تأتي بنسبة 96 في المائة من تصدير الخام.
فقد أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط، الأحد، أن حقلين نفطيين كبيرين في جنوب غرب البلاد شرعا في الإغلاق، بعدما أغلقت قوات موالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، خط أنابيب. وجاءت هذه التطورات رغم اتفاق المشاركين في مؤتمر برلين الدولي، في نفس اليوم، على اتخاذ خطوات شاملة للتوصل إلى حل سياسي للنزاع الليبي، بحسب بيان ختامي وقّعت عليه 16 دولة ومنظمة، بجانب طرفي الأزمة في ليبيا، تتضمن الامتناع عن الأعمال العدائية ضد المنشآت النفطية وتوزيعا عادلا وشفافا لعائدات النفط.
وجاء إغلاق حقلي النفط الكبيرين جنوب البلاد، بعد إعلان المؤسسة الوطنية للنفط حالة القوة القاهرة، السبت الماضي، عقب إيقاف صادرات الخام من موانئ البريقة وراس لانوف والحريقة والزويتينة والسدرة شرق البلاد، إثر اقتحام مؤيدين لحفتر أيضا، الموانئ، يوم الجمعة الماضي.
وانعكست هذه التطورات على سوق الصرف في ليبيا، ليصعد سعر الدولار الأميركي في السوق الموازية بنحو 17.5 في المائة، ليصل إلى 4.72 دنانير، مقابل 4 دنانير، وفق ما أكد عبد الهادي قلفاط، الذي يعمل سمسار عملة.
وقال قلفاط، لـ"العربي الجديد"، إنه بمجرد الإعلان عن غلق حقول النفط قفز سعر الدولار، بينما من المتوقع أن يواصل الصعود إذا ما استمر الوضع الحالي.
ولم تقتصر التداعيات على سوق الصرف، وإنما شهدت أسواق السلع ارتباكا بسبب تدافع المواطنين على شراء السلع الرئيسية بغرض التخزين، وفق مواطنين وتجار، خوفاً من ارتفاع الأسعار ونقص المعروض، لاعتماد البلد بشكل كبير على الاستيراد بالدولار.
وفي سوق الكريمية في طرابلس، قال عمران عرعارة، صاحب شركة للاستيراد والتصدير، إن أسعار مختلف السلع في أسواق الجملة ارتفعت بنحو 10 في المائة، لأن مختلف السلع سعرها مرتبط بالدولار في السوق الموازي.
وأضاف عرعارة أن "هذا الارتفاع يأتي رغم أن الاعتمادات المستندية (إجراءات توفير العملات الأجنبية اللازمة للاستيراد) بالمصارف التجارية تسير بشكلها الطبيعي، لكن الهلع والخوف مع وجود سماسرة الحروب تسبب في ارتفاع أسعار العملة الأميركية والسلع الرئيسية".
ووفق متحدث باسم المؤسسة الوطنية للنفط، يوم الأحد، فإن إنتاج النفط سينخفض إلى 72 ألف برميل يومياً خلال أيام قليلة إذا استمر إغلاق المنشآت النفطية، مضيفا أن إنتاج ليبيا كان أكثر من 1.2 مليون برميل يومياً، قبل أن تغلق القوات الموالية لحفتر موانئ وحقولا نفطية رئيسية.
وأبدى مختار الجديد، المحلل الاقتصادي، اندهاشه من إغلاق الحقول النفطية، بينما تعد المحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد الليبي، مؤكدا أن مبيعات النفط بالدولار تتحول إلى كل الليبيين في شكل مرتبات ودعم للمحروقات ودواء وعلاج في الخارج.
وقال مختار لـ"العربي الجديد" إن استمرار حجب النفط سيشل الحركة الاقتصادية في البلاد، خاصة مع صعود سعر الدولار، الذي يصاحبه ارتفاع في مختلف أسعار السلع، ما يؤثر على المواطنين الذين يواجهون بالفعل صعوبات معيشية، لاسيما النازحين من مناطق جنوب طرابلس.
وشهدت مناطق جنوب طرابلس، منذ 4 إبريل/نيسان الماضي، هجوما من قبل قوات حفتر، في محاولة للسيطرة على العاصمة، مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، ما أجهض جهوداً كانت تبذلها الأمم المتحدة آنذاك لعقد مؤتمر حوار بين الليبيين.
وتسعى المؤسسة الوطنية للنفط التي مقرها طرابلس للابتعاد عن الصراع، لكنها تواجه ضغوطاً من قوات حفتر التي تسيطر على أغلب الموانئ النفطية شرق البلاد.
وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قد أعربت، في بيان، يوم السبت الماضي، عن قلقها العميق إزاء تعطيل إنتاج النفط، وحذّرت من خطورة ذلك على الاقتصاد الليبي. وقالت إن "هذه الخطوة ستكون لها عواقب وخيمة على الشعب الليبي الذي يعتمد كلياً على التدفق الدائم للنفط، كما سيكون لها تداعياتها الهائلة التي ستنعكس على الوضع الاقتصادي والمالي المتدهور أصلا في البلاد".
وقال سليمان الشحومي، الخبير الاقتصادي الليبي لـ"العربي الجديد" إن حجب صادرات النفط خطأ كبير، وعائدات هذه الصادرات يجب أن يستفيد منها الليبيون.
وعلى صعيد الواردات السلعية، قال محمد القويري، مدير إدارة الإعلام في الشركة الليبية للموانئ في تصريح خاص إنها ما تزال تسير بشكل طبيعي رغم الصراعات والحرب التي شهدتها مناطق جنوب طرابلس منذ إبريل/نيسان الماضي، مضيفا أن 2019 شهد زيادة في كميات البضائع المستوردة بنسب ملحوظة عن العام السابق عليه. ووفق تقارير رسمية، تعتمد ليبيا على استيراد معظم احتياجاتها من الخارج بنسبة 85 في المائة.
وكان البنك المركزي الليبي قد أعلن مؤخرا أن إيرادات النفط في 2019، جاءت أعلى من المتوقع، لكنها أقل من إيرادات عام 2018 بنحو 6 في المائة، لتبلغ نحو 31.4 مليار دينار (22.4 مليار دولار).
وتمثل صادرات النفط الخام ما يعادل 96 في المائة من إجمالي الصادرات الكلية للاقتصاد الليبي. وتعتمد الدولة على إيرادات النفط في تمويل أكثر من 95 بالمائة من الخزانة العامة، فيما يتم تخصيص أكثر من نصف الميزانية لرواتب موظفي القطاع العام والدعم الحكومي لعدد من المنتجات، من بينها المحروقات (المنتجات البترولية) وخدمات مثل العلاج في المستشفيات والخارج بالمجان.
وكان رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، قد قال في بيان، يوم الجمعة الماضي، إن "قطاع النفط والغاز هو شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد الليبي، وهو كذلك مصدر الدخل الوحيد للشعب، بالإضافة إلى أن المنشآت النفطية هي ملك للشعب، ولا يجب استخدامها كورقة للمساومة السياسية".
وذكر صنع الله: "إذا ما استمر الإغلاق، سنواجه انهيارا في سعر الصرف، وسيتفاقم العجز في الميزانية إلى مستوى لا يمكن تحمّله، كما سنشهد مغادرة الشركات الأجنبية، وسنتكبد خسائر في الإنتاج قد نستغرق سنوات عديدة لاستعادتها".
ولم تقتصر تداعيات حجب النفط الليبي على الأسواق الداخلية، وإنما امتدت إلى الأسواق العالمية أيضا، حيث ارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوى في أكثر من أسبوع، أمس الاثنين. وصعدت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 1.1 في المائة إلى 65.55 دولارا للبرميل، وهو أعلى سعر منذ التاسع من يناير/كانون الثاني الجاري.
كما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 1 في المائة إلى 59.1 دولارا للبرميل، بعدما صعد إلى 59.73 دولارا، وهو أعلى مستوى منذ العاشر من الشهر الجاري.
وكانت أسعار النفط قد تراجعت في الأسبوعين الماضيين، بعد صعود مؤقت مع تأجج التوتر بين الولايات المتحدة وإيران في بداية العام، بينما اتخذ الجانبان خطوات للابتعاد عن الصراع، مما هدأ أجواء السوق.
وقال رئيس جمعية البترول اليابانية، تاكاشي تسوكيوكا، أمس، إن ارتفاع إنتاج منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" قد يعوض اضطراب إمدادات النفط في ليبيا والعراق، مما يقلص التأثير على أسواق النفط العالمية.
وقال رئيس جمعية البترول في مؤتمر صحافي، وفق رويترز، "أسعار النفط ربما تتقلب بسبب الحوادث في الآونة الأخيرة، لكن ينبغي ألا نشعر بالقلق كثيراً إزاء توازن العرض والطلب، إذ أن بمقدور أوبك تغطية العجز (من ليبيا والعراق)".
وقال تسوكيوكا، إن شركات التكرير اليابانية ربما تشتري نفطاً من الحقول المشتركة بين الكويت والسعودية، إذ أنها استخدمت هذا النفط في السابق. واتفقت الكويت والسعودية، الشهر الماضي، على إنهاء نزاع استمر خمس سنوات بشأن المنطقة المحايدة المشتركة بينهما، في اتفاق سيسمح باستئناف الإنتاج من حقلين نفطيين يمكنهما ضخ ما يصل إلى 0.5 بالمائة من إنتاج النفط العالمي، بواقع 500 ألف برميل يومياً.