الملف الاقتصادي يطغى على المرشحين لرئاسة الحكومة التونسية

20 يناير 2020
عودة مطالب التشغيل في إحياء ذكرى الثورة (فرانس برس)
+ الخط -

 

يطغى الشأن الاقتصادي على الاختيارات الجديدة لرئيس الحكومة التونسية القادم، إذ تسعى الأحزاب إلى توافقات حول شخصية اقتصادية بالأساس، وفق مصادر مطلعة، مشيرين إلى أن المرحلة الحالية تقتضي خروجا سريعا من الوضع الصعب وتفادي انفجار اجتماعي بدأت بوادره تلوح باحتجاجات واعتصامات مطالبة بالتشغيل في محافظات عدة.

والجمعة الماضي، أعلنت رئاسة الجمهورية، عن انتهاء الآجال القانونية لتقديم أسماء المرشحين لمنصب رئيس الحكومة. ورغم العدد الكبير للمرشحين، إلا أن المنافسة الحقيقية بحسب مهتمين بالشأن الاقتصادي ستنحصر بين الأسماء التي لها شأن في عالم المال والاقتصاد أو ممن تولوا في السابق حقائب اقتصادية في الدولة.

واستقبل الرئيس التونسي قيس سعيد، السبت الماضي، في قصر قرطاج 3 من بين المرشحين لمنصب رئيس الحكومة وهم وزير المالية السابق حكيم بن حمودة ووزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي سابقا محمد الفاضل عبد الكافي ووزير المالية السابق إلياس الفخفاخ، وفق بيانات صادرة عن الرئاسة التونسية. ويأتي البحث عن رئيس جديد للحكومة، بعد أن رفض البرلمان في العاشر من يناير/كانون الثاني الجاري، منح الثقة لحكومة حبيب الجملي.

وقال هشام العجبوني، عضو البرلمان في تصريح لـ"العربي الجديد" إن المرحلة الحالية تقتضى اختيار شخصية قادرة على تقديم مشروع إصلاح اقتصادي ناجع وسريع يحظى بموافقة واسعة في البرلمان، مضيفا أن الهاجس الاقتصادي يطغى على كل شيء، بسبب المطالب الاجتماعية وحاجة البلاد إلى التمويلات السريعة وإعادة الثقة للمستثمرين.

وبجانب المرشحين الثلاثة الذين التقاهم الرئيس التونسي، والذين لديهم خبرات في تولي حقائب وزارية اقتصادية، تتداول الأوساط السياسية والاقتصادية، أسماء شخصيات أخرى مرشحة، منها مروان العباسي محافظ البنك المركزي، وتوفيق الراجحي وزير الإصلاحات الكبرى في حكومة تصريف الأعمال الحالية، ومنجي مرزوق وزير الطاقة السابق.

وستحتاج أي حكومة جديدة لدعم سياسي قوي لتنفيذ إصلاحات تحدث توازناً بين المطالب الشعبية بتحسين الظروف المعيشية والتوظيف، وبين مؤسسات التمويل الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، الذي يُصر على خفض دعم الطاقة وتقليص كتلة الأجور لتقليص عجز الموازنة العامة للدولة، ضمن اشتراطات لصرف باقي قرض متفق عليه قبل نحو ثلاث سنوات.

وكان ممثل صندوق النقد في تونس جيروم فاشي، قد لمح في حوار نُشر بموقع "البورصة" في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى إمكانية عدم صرف الدفعة الباقية البالغة قيمتها 1.2 مليار دولار من إجمالي القرض المحدد بـ 2.8 مليار دولار.

وقال فاشي إن الصندوق منح تونس حتى يونيو/ حزيران الماضي 1.6 مليار دولار، وموافقته على صرف باقي قيمة القرض رهن استجابة السلطات التونسية لبرنامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية الهيكلية، التي أوصى بها ووضعها كشرط للسماح لها بالحصول على تمويلات منه. وتحتاج تونس، وفق قانون المالية للعام المقبل (الموازنة) الذي أقره البرلمان، إلى نحو 4 مليارات دولار من القروض الداخلية والخارجية لسد عجز الموازنة.

بينما تعاني الدولة من صعوبات في زيادة نسب النمو، وإيجاد حلول تشغيلية لأكثر من 650 ألف عاطل عن العمل يهددون السلم الاجتماعي بسبب حالة اليأس التي تسيطر عليهم، وفق محللين.

وتوقعت حكومة يوسف الشاهد التي تتولى حاليا تصريف الأعمال، تحقيق نمو بنسبة 3 في المائة العام الماضي 2019، إلا أن تقديرات صندوق النقد الدولي الصادرة مؤخرا تشير إلى عدم تجاوز هذه النسبة 1.5 بالمائة.

وحذر نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، من "نفاد صبر المنظمات النقابية التي تعكس الوضع الاجتماعي في البلاد"، مشيرا إلى أهمية الإسراع في تشكيل حكومة قادرة على تجاوز العقبات.

وتنتظر النقابات العمالية تشكيل الحكومة الجديدة لإطلاق جولة جديدة من مفاوضات زيادة الرواتب، لدعم القدرة الشرائية المتراجعة للتونسيين بفعل غلاء الأسعار.

ورفع تونسيون، يوم الثلاثاء الماضي، بمناسبة إحياء الذكرى التاسعة للثورة، شعارات الثورة مجدداً، أبرزها "شغل حرية كرامة وطنية"، مؤكدين أنّ التشغيل استحقاق والعمل حق للتونسيين، فلا حرية ولا ديمقراطية دون ضمان كرامة التونسيين في العمل وتشغيل أصحاب الشهادات العليا.

وتظهر البيانات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي، ارتفاع نسبة الاستدانة لدى الأسر، بنسبة 117 في المائة منذ عام 2010 وحتى منتصف 2018، لتبلغ 23.1 مليار دينار (7.55 مليارات دولار).

وقال محمد صالح الجنادي، الخبير الاقتصادي، إن تونس بحاجة إلى رئيس حكومة ملماّ بالواقع الاقتصادي، وله دراية بالعمل الميداني، ويملك مشروعا لتعديل موازنات الدولة للسنة الأولى من مدته الحكومية.

ويتعيّن على الحكومة توفير نفقات تبلغ نحو 2.2 مليار دينار (777 مليون دولار)، لصرف أجور الموظفين للشهر الجاري فقط، ودفع أقساط من الديون الخارجية.

وكان اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة رجال الأعمال) قد دعا في بيان، الأسبوع الماضي، إلى ضرورة تكوين حكومة بعيدة عن كل محاصصة، لها رؤية واضحة وتكون قادرة على التعامل بكفاءة عالية مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد، وإقرار الإصلاحات الجوهرية التي تتطلبها المرحلة.