أسرار النجاح السوري

29 اغسطس 2019
الحرب والدمار أنهكا اقتصاد سورية وشعبها (فرانس برس)
+ الخط -
أياً كان تعريف الاقتصاد ومفهومه، أمن فعل اقتصد لنصل للفارق بين الإسراف والتقتير، أو من العلاقة بين الإنسان أو الدولة ومواردها، أو حتى حسن استخدام الموارد بهدف تحسين مستوى معيشة أفضل ورفاهية للشعوب، فهو بحاجة أولاً وأخيراً للرقم، لينطلق منه الدارس أو الاقتصادي بوضع الخطط ومن ثم مراقبة الأداء، وفق الرقم والنسبة، وصولاً لتحقيق النتائج والتنفيذ، رقماً ونسبة أيضاً، ومقارنتها مع ما سبق، من نتائج فصلية أو سنوية أو خطط خمسية، وقياسها بالتالي، وفق دول أُخرى ومؤشرات عالمية.

وصنّاع القرار الاقتصادي بسورية الأسد، يعوّن جيداً هذه المسلمة، وللرقم أهيمته التي لا تجارى بتصريحاتهم وخططهم، رغم كل التخريب والدمار الذي كسا البلاد منذ مطلع الثورة عام 2011.

بيد أن ثمة هنّة صغيرة، يقع بها مسؤولو الاقتصاد بسورية، يمكن تجاهلها أو إهمالها بعلم المحاسبة، نظراً لحقارتها وضآلتها، وهي قضية الزمن.

بمعنى، إن أردت البحث عن نسبة نمو الاقتصاد السوري، فلا شك أنك ستجدها وبتفاصيل القطاعات، ولكن عن عام مضى، وإن خطر لك أن تكتب عن مؤشرات اقتصادية أخرى، كالبطالة والتضخم ومؤشر الأسعار والفقر، فأيضاً سترى أرقاماً ونسباً كثيرة ومن مراجع موثّقة وموثوقة، ولكن، الهنة الطفيفة ذاتها، أي أرقام بائتة وعمرها سنوات.
عملياً ولئلا نغرق بالاتهامية، هاكم آخر مثال طازج.

كسا إعلام نظام بشار الأسد اليوم، خبر" تراجع معدل التضخم في سوريا لأدنى مستوياته خلال سنوات الحرب" وفور رؤية هذا العنوان، سيصاب قارؤه بالحوّل لا محالة، إذ كيف أدنى مستوى تضخم والليرة السورية تراجعت عام 2019 بنحو 40% " من 443 ليرة للدولار إلى 623 " والأسعار ارتفعت وبالحدود الدنيا، 20%.

والحل وتصويب النظر يكمنان بقراءة متن الخبر وعدم الاكتفاء بالعناوين الجاذبة، فالسيد المحترم مدير عام المكتب المركزي للإحصاء السوري إحسان عامر، تكلم عن عام 2018 وقارن الأرقام بعام 2017. لذا كلامه صحيح ولا غبار عليه.

فالتضخم وفق المسؤول السوري، اتسم العام الماضي بالاستقرار، مسجلاً 0.94% ومنخفضا عما كان عليه في 2017، وقت كان 18%.

ولم يفت المسؤول الاقتصادي أن يفنّد لمن يهمهم الأمر، أن التضخم بسورية بلغ ذروته عام 2013 مسجلا 82.3%، على حين بلغ 22.6% عام 2014، و38.4% عام 2015، و47.7% عام 2016.

هنا، لن نسأل عن سنة الأساس التي يقيس وفقها المسؤول الاحصائي، ولن نتطرق إلى مستوى الدخل والأسعار، قبل الحرب وبعدها، بل سنسأل وبغرض الفائدة، عن أسعار المنتجات والسلع والخدمات التي انخفض سعرها ومدى أهميتها بحياة السوريين اليومية.

بالعودة لتصريح مدير مكتب الاحصاء بدمشق منوهين أن الكلام عن عام 2018 وليس عن الواقع الحالي، فقد انخفضت أسعار المياه المعدنية والمشروبات الكحولية وعصير الفواكه بنسبة 9.52%، والكهرباء والغاز بنسبة 4.85%.

ولكن، بعض الخدمات والسلع الكمالية وغير الضرورية، ارتفع سعرها، مثل إيجارات السكن بنسبة 3.25%، واللحوم بنسبة 3.23% والتبغ بنسبة 2.95%، والمطاعم والفنادق بنسبة 1.48%، والبن والشاي والكاكاو بنسبة 1.44%، والاتصالات بنسبة 1.07%، والخبز والحبوب بنسبة 1.07%.

وارتفعت أيضاً أسعار مواد يمكن للسوري الاستغناء عنها، لطالما هو بمرحلة حرب ونضال، مثل بند التعليم بتضخم بلغ 14.99 بالمئة وبند الصحة التي ارتفعت الأسعار فيه بنسبة 9.11 بالمئة، والنقل بنسبة 5.39 بالمئة، والفواكه بنسبة 4.16 بالمئة.

لأنه وبمنتهى الواقعية، ما هو لزوم تعليم الأطفال أو طبابتهم أو إطعامهم، مقابل انخفاض سعر المشروبات الكحولية، وهل لتلك السلع والخدمات من أهمية، إذا ما قورنت بانتصار القائد على المؤامرة الكونية.

نهاية القول: على كارثية ما أتينا عليه وفق معايير "الدول المحترمة" التي تصدر بيانات شهرية كحد أقصى، إلا أن كلام المسؤول الاحصائي عن التضخم وخديعته بالوصول للنسبة وتغريره بالزمن، يبدو تافهاً عندما نعرف أن قطع الحسابات لموازنة عام 2014 لم يصدر حتى اليوم، رغم إصدار خمسة موازنات عامة للدولة بعدها!
المساهمون