صراع النفط العراقي...أربيل تماطل في تسليم عائداتها لبغداد

09 يوليو 2019
يرغب الأكراد في السيطرة على منابع نفط خسروها (Getty)
+ الخط -

عندما أقر برلمان العراق موازنة العام الجاري قبل نصف عام، تضمّن قانونها بنوداً وشروطاً تلزم الحكومة العراقية بتنفيذها، من بينها أن يسلم إقليم كردستان عائدات بيع 250 ألف برميل نفط يومياً إلى بغداد، مقابل دفع مرتبات موظفي الإقليم وقوات البشمركة، لكن زعماء الأكراد متردّدون حتى اليوم في دفعها.

ويشكل هذا الموقف عودة إلى الصراع السابق حول عائدات النفط وتقسيم الثروة، وسط ضغوط تمارسها قوى سياسية في بغداد على الحكومة من أجل الخروج عن صمتها وتبيان حقيقة ما يعتبرونه تنصّل أربيل من تعهداتها السابقة.

كان من المفترض أن تتسلم بغداد عائدات النفط الذي تصدّره وزارة الثروات الطبيعية في إقليم كردستان منذ مطلع العام الجاري عبر تركيا إلى بغداد، بعد إيفاء الحكومة العراقية بوعودها وإرسال مبالغ مرتبات أشهر سابقة إلى موظفي الإقليم، وآخرها دفعة في مايو/ أيار الماضي.
إلا أن ذلك لم يحصل وسط تسريبات وشائعات تتداولها أوساط سياسية لم تؤكدها أو تنفيها الحكومة حتى الآن، تتحدث عن شروط كردية جديدة ومحاولة ربط ملف تسليم النفط بقضية كركوك، وأُخرى تتحدث عن أن الإقليم كشف عن ديون مترتبة عليه لأطراف خارجية ويحاول سدادها من عائدات النفط الذي يصدّره، فضلاً عن تلميحه إلى رغبته في إعادة صوغ الاتفاق الذي على أساسه تم تمرير موازنة العام الحالي في البرلمان.

خطوة احترازية

ووفقاً لمسؤول في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، فإن الحكومة العراقية ستتوجه قريباً، كخطوة احترازية، لإعلان وقف دفع مبالغ مالية جديدة إلى أربيل من ضمن حصة الإقليم المقرة في موازنة العام الحالي، ما لم تتوقف حكومة كردستان عن المماطلة في دفع مستحقات بيع النفط.

المسؤول أشار أيضاً إلى أن أربيل تدين الآن مبالغ بيع 3 ملايين ونصف مليون برميل يجب أن تُسدّد ثمنها لبغداد على سعر بيع النفط العالمي وليس على معدل سعر برميل النفط المقر في الموازنة العراقية والبالغ 56 دولاراً.

ويشدّد على أن مرتبات موظفي الإقليم ستُدفع بشكل طبيعي، لكن الشق المتعلق بحصّته من موازنة التنمية هو الذي سيتأثر، فيما تمتلك الحكومة خيارات عدة، منها اقتطاع قيمة المال الذي لم تُسدّده حكومة كردستان من بيع النفط وتسليمها بقية المبلغ.
مطلع الشهر الماضي، قال رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، إن حكومته مستمرة في دفع الرواتب لموظفي الإقليم رغم أن حكومته لم تسلم أي برميل نفط للحكومة الاتحادية، كما نصت عليه بنود الموازنة العامة، وبناء على الاتفاق بين الجانبين.

وخلال مؤتمر صحافي في بغداد عقده في الثاني من الشهر الماضي، أشار عبد المهدي إلى أن "تسليم الرواتب للموظفين حق لشعبنا في كردستان لأنهم أبناؤنا"، معتبراً أن "هنالك خلافات سياسية، ومن غير السليم جعلها مصدراً لتهديد السلم المجتمعي".

وذكر عبد المهدي أن الحكومة الاتحادية لا تدفع الجزء المتبقي من موازنة الإقليم (غير الرواتب)، لأن قانون الموازنة ألزمها باقتطاع ما يقابل المبالغ التي تمثلها قيمة 250 ألف برميل من النفط يومياً. 

ووسط روايات عدة تلف أروقة البرلمان حول سبب مماطلة أربيل في سداد عائدات النفط، استناداً للاتفاق الحاصل سابقاً، لم تؤكد الحكومة أي رواية، كما أنها لم تنفها، رغم أن عدداً من أعضاء البرلمان تحدّث عنها لوسائل إعلام محلية، ومن ذلك أن أربيل أدخلت قضية كركوك وضرورة إشراك البشمركة في ملفها الأمني، شرطاً لتسليم عائدات النفط.

لكن هذه المعلومات تبدو بعيدة من الواقع إذا ما قورنت بروايات أُخرى أكثر قبولاً، ومنها أن الإقليم تترتب عليه مدفوعات لسداد قروض من جهات خارجية اضطُر للحصول عليها إثر تخفيض بغداد موازنته بين عامَي 2014 و2017، ويحتاج إلى دفع أقساطها من عائدات بيع النفط، ولذلك هو يدعو إلى عقد اتفاق جديد مع بغداد.

مخاوف انهيار الاتفاق المالي

وفيما تذهب رواية أُخرى إلى أن الإقليم يرغب في دفع هذه الأموال لبغداد مقسّطة وينتظر من بغداد آلية ذلك، قد يؤدي قرار حجز بغداد حصة الإقليم إلى انهيار الاتفاق المالي الذي على أساسه تم التصويت على موازنة هذا العام، ما قد يسبب أيضاً هزّة في أسواق الإقليم التي تعتمد في سيولتها أساساً على ما يصلها من بغداد.
ووفقاً لعضو الاتحاد الكردستاني، هيمن عزيز، فإن المسؤولين في الإقليم على تواصل مع بغداد ووزارة المالية في الحكومة الاتحادية، والقيادي في الحزب الديمقراطي فؤاد حسين، استبعد في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تتدهور الأمور إلى حد وقف بغداد تنفيذ بنود الموازنة في ما يتعلق بالإقليم، في حين أن المشاورات مستمرة لحل بعض الجوانب الفنية في آلية التسليم.

كما اعتبر أن "نواباً من كُتل أُخرى يحاولون تضخيم أو تشويه الحقائق وربط ملف النفط بملفات سياسية أُخرى".

النائب عن "ائتلاف الفتح"، منصور البعيجي، قال إن "وزير المالية فؤاد حسين ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي خرقا اتفاق الموازنة، لأنهما يدفعان الرواتب من دون أن تصل عائدات النفط، وعبد المهدي يتحمّل المسؤولية كاملة أمام البرلمان والشارع العراقي إذا وافق على أي شرط آخر غير ذلك المنصوص عليه في الموازنة"، كاشفاً عن وجود حملة جمع تواقيع لاستجواب وزير المالية، ووقع عليها حتى الآن أكثر من 70 نائباً.

الخيارات المُتاحة

وفي الوقت الذي يعتبر النائب عبد الكريم عبطان أن الحكومة مطالبة بحسم الملف سريعاً كون النصف الأول من العام قد انقضى ولم يصل أي مبلغ من عائدات نفط الإقليم إلى خزينة الدولة، يبدو أن أمام الحكومة خيارات كثيرة ومتعدّدة، من بينها أن تمارس صلاحياتها الاتحادية ولا تسمح بعملية تصدير النفط من الإقليم، وذلك عبر إخطار الدول التي تشتريه بضرورة حصولها على إذن مسبق من بغداد.

الخبير بشؤون الإقليم، علي ناجي، أوضح بدوره أن "إقليم كردستان لن يترك فرصة للعودة إلى أوضاع ما قبل 16 سبتمبر/ أيلول 2017 (أي ما بعد الاستفتاء على انفصال الإقليم عن العراق) في المناطق المتنازع عليها، ومنها كركوك".
وقال ناجي لـ"العربي الجديد"، إن "الأحزاب الكردية في الإقليم تعتبر فرض القوات العراقية سيطرتها على المناطق المتنازع عليها في 16 سبتمبر/ أيلول 2017 نكسة قومية، وجميع الأكراد، رغم خلافاتهم الداخلية، يوحّدهم مطلب إعادة الوضع لما قبل تلك المرحلة في كركوك ونينوى ضمن المناطق المتنازع عليها"، في إشارة الى الحملة العسكرية التي نفذتها القوات العراقية واستعادت فيها السيطرة على كركوك ومدن أُخرى شمال البلاد، إثر تنظيم الإقليم استفتاء للانفصال عن العراق.
المساهمون