تشهد المحافظات التونسية الواقعة على الحدود مع ليبيا، ارتفاعا في الإيجارات السكنية، في ظل إقبال النازحين الليبيين الفارين من مناطق جنوب طرابلس، التي تشهد اشتباكات مسلحة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع.
ورغم أن موجات نزوح الليبيين لم ترتق إلى نسق النزوح، الذي شهته المنطقة خلال العامين الأولين من الثورة الليبية، إلا أن سكان المدن الحدودية التونسية في بن قردان ومدنين وجربة، قالوا إن أسعار الإيجارات أكثر ارتفاعا، متوقعين مزيداً من الطلب الليبي، لاسيما مع اقتراب موسم الصيف الذي يقبل فيه السياح الليبيون بطبعهم على المناطق الساحلية لقضاء عطلهم.
وقال وسيط الإيجارات علي بوسعايدة لـ"العربي الجديد" إن الإقبال يتركز هذه الأيام على مدينة جربة ومدنين نتيجة هجرة عدد من سكان المناطق المحاذية لطرابلس نحو تونس هرباً من الاشتباكات الدائرة هناك.
وتوقع بوسعايدة أن تزيد موجة هجرة الليبيين نحو تونس مع اقتراب شهر رمضان (يحل في الأسبوع الأول من مايو/أيار المقبل)، مؤكدا أن نقص التموين وانقطاع الكهرباء وأزمات الخبز قد تدفع بمزيد من الليبيين نحو قضاء شهر الصيام في تونس، ما يزيد الطلب على الإيجارات.
ويتعقّد الوضع المعيشي لليبيين، لا سيما في طرابلس، منذ بدء هجمات مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، التي تصدّها قوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، بينما تسود المخاوف من إطالة أمد المعارك واتساع نطاق الأضرار المعيشية.
وأكد وسيط الإيجارات التونسي، أن الإيجارات قفزت بنحو 20 في المائة مع زيادة الطلب، لتتراوح حالياً بين 40 و80 ديناراً تونسياً في اليوم الواحد وذلك حسب موقع ومساحة الشقة المؤجرة، أي ما بين 1200 و2400 دينار (بين 400 و800 دولار) للشهر.
وأشار إلى أن العديد من النازحين يأتون لأغراض علاجية، بعد إصابة أفراد من عائلاتهم في الاشتباكات، لافتا إلى أن مدة العلاج تحدد إقامتهم في تونس وطلبهم على نوعية ومدة الإيجار.
وبالتوازي مع ارتفاع بورصة الإيجارات، قال علي البوسعايدة إن الطلب زاد أيضاً على السلع الغذائية، مشيرا إلى أن الزيادة على الدقيق والمعجنات وزيت الطهي تزيد رغبة المحتكرين والمهربين في الاستفادة من الأزمة الليبية وتحقيق أرباح كبيرة من السلع الغذائية التي تعبر الحدود بطرق غير قانونية.
وتسببت المعارك المستمرة في نقص العديد من المنتجات في طرابلس والعديد من المناطق المحيطة بها، نتيجة إغلاق الكثير من المنشآت والمتاجر أبوابها، لترتفع أسعار السلع الأساسية بنحو كبير.
ودفعت الظروف المعيشية الصعبة، الناجمة عن هجوم مليشيات حفتر على طرابلس، الكثير من العائلات خارج العاصمة، إلى إرسال الأموال والمؤن إلى أقاربها المتضررين، لكن القلق يتزايد من اتساع رقعة الأزمة لتطاول مناطق محيطة بالعاصمة.
وأضحت الخدمات الرئيسية في مرمى هجمات حفتر، الأمر الذي دفع رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج، إلى الإعلان قبل أيام أن بعض المدن تشهد، بجانب الهجمات المسلحة، "عدواناً على الجانب الاقتصادي والمالي".
وبالرغم من أن مدن ومحافظات الجنوب التونسي، هي الأكثر جذبا للنازحين أو السياح الليبيين، إلا أن للعاصمة تونس أيضا نصيبا حيث يزيد الطلب على الإيجارات فيها، خاصة في أحياء النصر والمنار والبحيرة.
وإبان السنوات الأولى للثورة التونسية، شهدت أسعار الإيجارات في تونس ارتفاعا غير مسبوق، ما شكل نوعا من الصدمة لدى السكان المحليين، الذين اضطروا إلى دفع إيجارات باهظة مواكبة لمقتضيات سوق الإيجارات في تلك الفترة.
وقال معز سلامة، صاحب وكالة (شركة) عقارات في تونس العاصمة، إن المستأجرين الليبيين أصبحوا يمثلون جزءاً كبيراً من عملاء الوكالات العقارية في تونس.
واعتبر سلامة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه من غير المرجح ارتفاع أسعار الإيجارات في العاصمة أكثر من المستوبات الحالية، موضحا أن إيجار الشقة يترواح بين 70 و80 ديناراً تونسيا في الليلة الواحدة ويمكن أن ينزل إلى 60 ديناراً إذا تجاوزت مدة الإيجار الشهر.
ولفت إلى أن الإيجارات كأي سوق يحددها العرض والطلب، غير أنها محكومة بالظروف الاقتصادية أيضا، مؤكدا أن الليبيين يعانون صعوبات معيشية أثرت على قدرتهم على الإنفاق على عكس ما كان الوضع عليه إبان السنوات الأولى للثورة، مما يلغي إمكانية قفز أسعار الإيجارات بالرغم من زيادة الطلب.
ويخلق تدفق الليبيين على تونس حركة اقتصادية كبيرة لمختلف القطاعات. وبحسب بيانات رسمية لغرفة المصحات فإن نحو 380 ألف مريض أجنبي يعالجون سنوياً في تونس، منهم 320 ألف ليبي فيما يصنف السائح الليبي من بين أكثر السياح إنفاقا.