أين المفرّ من الدين والبطالة في السعودية؟

02 ابريل 2019
خلال معرض توظيف في السعودية (Getty)
+ الخط -
تقف السعودية الآن أمام مفترق طرق يُحتِّم عليها اتِّخاذ قرارات صائبة، لإنقاذ ما تبقى من اقتصادها وتجنيب مواطنيها ويلات الأزمات الاقتصادية التي تطرق باب الدول الغنية بالنفط كل مرّة من جرّاء الصدمات التي تتعرَّض لها أسعار النفط من فترة لأخرى.

لكن المنحى الذي تسير عليه الديون الواقعة على عاتق المملكة لا يبشِّر بالخير، إلى جانب شبح البطالة الذي يطارد جيل الشباب السعودي الصاعد. وبحضور هاتين العقبتين، هل يمكن للمملكة التخطيط بشكل سليم لمستقبلها الاقتصادي؟

علماً أنّ المملكة كان من الممكن أن تكون في وضع اقتصادي أحسن ومغاير تماماً للذي تعيشه الآن لولا انخراطها في الحروب بالوكالة التي لم تحرم الاقتصاد من أموال طائلة فحسب بل زجَّت ببعض دول المنطقة في صراعات دموية لم تُكتب نهايتها بعد.
وما يُلاحظ أيضاً أنّ المملكة أصبحت بمثابة جهاز تحكُّم عن بعد وقع للأسف بين يدي الرئيس الأميركي ترامب الذي يُحسن استعماله بشكل فعّال لخدمة مصالح أميركا ومواطنيها بالدرجة الأولى.

الارتفاع الجنوني للديون

يعرف منحنى ديون المملكة ارتفاعاً متواصلاً، فقد قُدِّر إجمالي الدين الحكومي العام (الداخلي والخارجي) كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في السعودية بـ1.56% في العام 2014 وفقاً لقاعدة بيانات صندوق النقد الدولي وارتفعت النسبة لتصل إلى 19.97% في العام 2018، ومن المتوقّع أن تبلغ 29.39 % في العام 2023.

وتعود أسباب تفاقم الديون السعودية إلى الانخفاض الحادّ الذي شهدته أسعار النفط منذ منتصف العام 2014، وكذا إلى الإخفاقات التي عانت منها "رؤية 2030" بعد سنتين فقط من تطبيقها والتي يبدو أنّها وُضعت من أجل تلميع صورة المملكة خارجياً بدلاً من تحسين الوضع الاقتصادي داخلياً.
فأهمّ ما تمّ الترويج له تحت سقف رؤية 2030 هو تحقيق التنويع الاقتصادي الذي يحتاج إلى ضعف المدّة إن لم يكن أكثر حتى يُبصر النور، وذلك نظراً للواقع الذي تسرده إحصائيات صندوق النقد الدولي والتي كشفت عن تردِّي الإيرادات العامة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 36.67% في العام 2014 إلى 29.12% في العام 2018، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى التضخم من 1.27% في العام 2015 إلى 3.73% في العام 2018.

وكذا القفزة الخطيرة إلى الأسفل التي شهدها رصيد الحساب الجاري لميزان المدفوعات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 9.75% في العام 2014 إلى 5.40% في العام 2018.

وزادت توقّعات صندوق النقد الطين بلّة وأفادت بأنّ ذلك الفائض الضئيل سيتحوَّل عمّا قريب إلى عجز يقدّر بـ -2.16% في العام 2023، وفي ظلّ هذه المعطيات يمكن الجزم بأنّ المملكة لن تتمكَّن من كسر قيود تلك الديون التي تكبِّل اقتصادها.

البطالة التي تتوعَّد جيلين

تمكَّنت البطالة وبجدارة من التسلُّل إلى المجتمع السعودي وباتت كابوساً يطارد أحلام الشباب السعودي لا سيَّما الذين يتحدرون من الفئات الدنيا للسلم الاجتماعي، ومن أوهمته القصور الفارهة التي تملأ المدن الرئيسية للمملكة بأنّ شبابها غني ولا يحتاج البتّة لفرص عمل سوف تتشكَّل لديه صورة كافية ووافية بمجرد زيارته للأحياء التعيسة التي تحجبها تلك القصور، وكذا المدن التي ينهشها الفقر لا سيَّما في المناطق الشرقية والجنوبية الغربية من المملكة، وشحّ فرص العمل لن يزيد رقعة الفقر في تلك المناطق إلّا اِتِّساعاً.

وتشير إحصائيات منظمة العمل الدولية إلى تفشّي البطالة وسط الشباب السعودي لا سيَّما الإناث منهم، فقد بلغ معدل البطالة للفئة العمرية (15-24 سنة) بحسب تقديرات منظمة العمل الدولية 25% في العام 2017.

وقُدِّر معدل البطالة بين الذكور لنفس الفئة العمرية الشابة بـ18.4% مقابل النسبة الصارخة للإناث والمقدّرة بـ46.9% في العام 2017، وتُمكن رؤية البؤس الذي يهدِّد مستقبل الشباب السعودي بوضوح من هذه الأرقام ولا يمكن أن نتجاهل أيضاً ارتفاع عدد السكان الذي وصل إلى 32.5 مليون نسمة في المملكة في العام 2017، ومن الخطير جدّاً أن نرى أنّ الواقع الذي تمليه تلك الأرقام في واد والسياسات التي تنتهجها الحكومة في واد آخر.

فهناك تباعد كبير ما بين مُؤهِّلات الشباب السعودي ومُتطلّبات سوق العمل، حيث لا تتمتَّع شريحة معتبرة من السعوديين بالمهارات الكافية والمستوى التعليمي الجيّد المطلوب للحصول على وظائف جيدة، وما يزيد الأمر سوءًا اعتماد المملكة على العمالة الأجنبية المنافسة نظراً لانخفاض أجورها.

ينبغي أيضاً على الحكومة السعودية اِتِّباع سياسات تتماشى مع الواقع الذي تئنّ فيه الأسر التي تفتقد إلى معيل وكذا المطلقات والأرامل اللواتي يتدبّرن أمر أطفالهن، فهناك ضرورة جدّ ملحّة لرفع نسبة مشاركة الإناث في سوق العمل والتخلّي عن العراقيل التي فاقمت مشكلة بطالة النساء كالقيود التعجيزية التي تفرض على الإناث جلب موافقة ولي الأمر للعمل والتنقُّل، وهذا من دون ذكر مشكلة قلّة الوظائف المتاحة للنساء السعوديات الأميّات وذوات المستوى التعليمي المتدنّي، فهذا الأمر لوحده له تداعيات خطيرة على أطفالهن الذين يحرمون في أغلب الأحيان من أهمّ حقّ وهو التعليم.

وتأتي إحصائيات البنك الدولي لتثبت صحة هذا الواقع المرير وتكشف عن ارتفاع عدد الأطفال السعوديين غير الملتحقين بالمدارس الابتدائية من 68358 طفلا في 2013 إلى 80255 طفلا في 2014، وكل هذا يرسم صورة تشاؤمية لمستقبل السعودية في ظلّ شحّ فرص العمل أمام شبابها.

القادم أسوأ لاِتِّحاد الدين والبطالة

إذا قمنا بمراجعة تجارب كل الدول التي تئنّ الآن تحت وطأة الأوضاع الاقتصادية المزرية سنجد تاريخاً حافلاً بفواتير الدين المُتصاعدة ومعدلات البطالة المُتزايدة، لذلك إن أرادت المملكة لمواطنيها التمتُّع بغد أفضل ينبغي عليها الآن اِتِّخاذ قرارات أمثل.

ويجب على الحكومة الأخذ في الاعتبار فرص العمل التي ستوفِّرها الاستثمارات الضخمة التي لا تنفك المملكة عن الترويج لها ضمن رؤية 2030، فاستثمارات بتلك الضخامة يمكن لها أن تقضي على مشكلة شحّ مناصب الشغل.

ويجب على المملكة أن تأخذ في الحسبان أمراً آخر في غاية الأهمية وهو توزيع تلك الاستثمارات الضخمة على كافة أنحاء المملكة بدلاً من تركيزها في المدن الرئيسة وستكون هذه أوّل وأهمّ خطوة للقضاء على التنمية المتفاوتة والتناقضات الصارخة بين الثراء الفاحش والفقر المُتوحِّش في المملكة.

كما يجب توفير البيئة الاستثمارية الآمنة والمستقرّة التي تسمح بالقيام بتلك الاستثمارات الضخمة وتبعث الثقة في نفوس المستثمرين الأجانب والمحليين، وهذا لن يحدث حتى تبتعد المملكة قدر الإمكان عن التدخُّل وإقحام نفسها في الصراعات والخلافات الإقليمية والدولية التي تكبِّدها خسائر مالية جمّة، فالأحرى بتلك الأموال التي تُهدر على الحروب أن يتمّ تشغيلها في ما يصبّ في مصلحة مستقبل الأجيال القادمة.

وحتى تساهم الاستثمارات التي تتضمَّنها رؤية 2030 في كبح فاتورة الديون وتوفير مناصب الشغل للمواطنين ينبغي على الحكومة بذل المزيد من الجهود لتطوير التعليم وتحسين مخرجاته وملائمتها مع مُتطلّبات سوق العمل.
المساهمون