وإذا كان هؤلاء المضربون، وكما قال السياسي جاك لوك ميلانشون، عن "فرنسا غير الخاضعة"، وهو من أكبر الداعمين المعلنين للإضراب، يستطيعون (بل يجب عليهم) تحمل أيام إضراب صعبة على أن ينتهي بهم الأمر بالحصول على معاشات تقاعُد بئيسة، إلا أنهم يحتاجون إلى أموال حتى يواصلوا الإضراب وأيضا سد حاجيات من هم في وضعية صعبة.
ولا يزال الحراك الاجتماعي، ورغم محاولات الحكومة شق الوحدة النقابية، وتحميل بعض النقابات المضربة مسؤولية رفض هدنة أثناء أعياد الميلاد المجيدة، يحظى بتعاطف شعبي، يعبر عنه الدعم المالي الذي يتلقاه المضربون.
من هنا فتحت النقابات العمالية صناديق على شبكة الإنترنت للتبرع لدعم المضربين، وهو ما تفاعل معه الفرنسيون، وقد نجحت إحدى فروع نقابة "سي جي تي"، لحد الآن، في جمع أكثر من 1.250 مليون يورو. وذلك تحت شعار: "ابتداء من 5 ديسمبر/كانون الأول نشلّ الاقتصاد وننظّم التضامن المالي".
وتناشد النقابات المواطنين إلى اختصار احتفالاتهم والترشيد في نفقاتها حتى يتسنى لهم المشاركة في هذا الجهد المالي.
ولا يقتصر الأمر على نقابة "سي جي تي"، فنقابة "قوة عمالية" فتحت أيضا صناديق، تحت شعار: "التحقوا بالإضراب أو ساندوا المضربين من موظفي سكك الحديد"، استطاعت جمع عشرات الآلاف من اليوروات.
إذن فـ"المال هو عصب الكفاح النقابي"، كما يحلو لوسائل الإعلام أن تلخص الأمر، وفي كل احتجاج عمالي تلجأ النقابات إلى تفعيل صناديق لجمع التبرعات، التي تساعد المُضربين على الصمود.
وقد حاولت حركة "السترات الصفراء"، إنشاء هذه الصناديق، وانتهى الأمر بالسلطات الفرنسية، في محاولة لخنق هذه الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة، إلى مصادرتها، ومنها صندوق المتظاهر الملاكم كريستوف ديتينغر، الذي اعتقل بعد أن هاجم دركيَيْن دفاعاً عن امرأة تعرضت لعنف بوليسي في الجولة الثامنة من "السترات الصفراء"، فقد تم في يومين فقط جمع 130 ألف يورو، لدعم الملاكم وتحمل أعباء القضاء والعائلة، ثم صندوق إيريك دْرووي، وهو من وجوه "السترات الصفراء" المؤثرة، والذي كرَّسه لجرحى الحراك.
ولا تزال الأموال مجمَّدة، ولم يصل منها شيء إلى أكثر من ألفي جريح، وذلك بأمر من وزارة المالية (لأسباب ضريبية، كما تقول)، ويَصل المبلغ إلى 150 ألف يورو.
ويستطيع المواطنون، وحسب اختلاف تعاطفهم مع النقابات، أن يختاروا بين صناديق متعددة، منها "صندوق الاتحاد الوطني للنقابات المستقلة" و"صندوق نقابة سوليدير" و"صندوق "قوة عمالية" و"تجمع نقابي-الوكالة المستقلة للنقل الباريسي"، و"صندوق نقابة "سود" و"سي إف دي تي".
مثقفون وفنانون يدعمون
وإلى جانب هذه الصناديق التي تتحمل جانباً من أعباء هؤلاء المضربين وظروفهم الصعبة، ناشد العديد من المثقفين والفنانين الفرنسيين الشعب الفرنسي لدعم الإضراب والمضربين.
وفي هذا الصدد تنشر العديد من المواقع بيانات وتوقيعات داعمة للمضربين ومناشدة للتبرع المالي في الصناديق التي فتحت لهذا الغرض، ومن بينها موقع ميديا بارت، الذي نشر بيانا، قبل أربعة أيام (22 ديسمبر/كانون الأول)، يتضمن توقيعات فنانين معروفين مثل جان ماري بيغار وإيفان ليبولوك وشيرلي ودينو، إضافة إلى كتّاب وفلاسفة، مثل إدوار لويس ولوران بينيت والروائية الكبيرة آني إيرنو، والفيلسوفان توني نيغري وإتيان باليبار.
كما نشرت صحيفة لومانيتيه، لسان حال الحزب الشيوعي، عددا خاصا كرسته لدعم المضربين، وحمل أسماء وازنة فرنسية وأجنبية تدعو للتضامن مع المضربين، من بينها المخرج البريطاني كين لوتش والرسام الفرنسي الشهير، إرنست بينيون إرنست، والممثلة والفنانة جوزيان بالاسكو، وفرانسوا موريل، وآخرون إضافة إلى رسامين، منهم تارْدي وجُول وبابوز وأديل وبوبيكا.
وقد انضم هؤلاء إلى أكثر من 180 مثقفا وفنانا سارعوا إلى التوقيع على بيان في صحيفة لوموند، نشر في 4 ديسمبر/كانون الأول، "دعماً لكل من يكافح". كان من بينهم الاقتصادي توماس بيكيتي والقانوني إيمانويل دوكيس والمخرج روبير غيديغيان والمخرجة المسرحية أريان منوشكيان وكثيرين آخرين.
الإضرابات والاحتجاجات، بخصوص موضوع حساس، كنظام التقاعد، لن يفلت منها أحَدٌ، حيث استطاعت إحداث شرخ عميق في المجتمع الفرنسي، لم ينعكس فقط على الطبقة السياسية، بل تعداه إلى كل الشرائح والطبقات الاجتماعية. من هو مع الإضراب ومن هو ضده. وهذا الشرخ مُرشَّحٌ للتعمق مع الاستحقاقات الانتخابية القادمة.