قانون قيصر الأميركي يشل اقتصاد الأسد ويوقف إعادة الإعمار

23 ديسمبر 2019
تداعيات متوقعة للقانون على الأسواق السورية(فرانس برس)
+ الخط -
بدأت آثار قانون قيصر الأميركي "سيزر" تظهر على الاقتصاد السوري، حتى قبل أن تصدر قائمة العقوبات التي تضمنها.

ومنذ أن وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على القانون الجمعة الماضية، خسرت العملة السورية مقابل الدولار مئة ليرة، وبدأت الأحاديث عن إحجام شركات وحتى دول، عن الاستمرار في التعامل مع نظام بشار الأسد، بحسب ما نقلت لـ"العربي الجديد" مصادر من العاصمة دمشق.

ويقول مصدر سوري رفيع، طلب عدم ذكر اسمه إننا" بدأنا نلمس التغيير ضمن الوسطين، السياسي والاقتصادي بدمشق، والحديث يتركز الآن، حول العقوبات الاقتصادية وليس هناك أية إشارة لقراءة تتعلق بالبعد الجنائي وجرائم الحرب، سوى تمريرات إنشائية تتطلبها الرواية الأميركية للمأساة السورية".

ويضيف المصدر السوري لـ"العربي الجديد" أنه سيكون ولا شك، أثر سلبي وهائل، للعقوبات، سواء على النظام أو على الناس الذين لم تقتلهم آلة الحرب وستخنقهم عملية الحصار.

وتوقع أن تنشأ في العراق شركات وهمية مؤقتة عابرة للحدود لتأمين احتياجات النظام السوري بدلا من لبنان الذي أصبح العمل فيه مكشوفا للغاية".


وقال المصدر إن "نظام بشار الأسد، سيحول الحصار-كما فعل في الغوطة مثلا-إلى فرصة لامتصاص السيولة المالية من جيوب هؤلاء المواطنين وسفك المزيد من دمائهم وقتلهم وزجهم في السجون -بدوافع وطنية-لمواجهة الحصار".
وختم المصدر الخاص عبر اتصال هاتفي، أن هناك جانبا آخر لقانون قيصر، على المدى البعيد، إذ ثمة فائدة سياسية كبيرة ستمنع بعض العرب وبعض الأوروبيين من محاولات إعادة تأهيل النظام ودمجه مجددا في المجتمع الدولي.

قانون ملزم

يقول الإعلامي السوري شعبان عبود من واشنطن، إنه بعد توقيع ترامب على القانون، باتت القضية تتعلق بكل الوزارات والمؤسسات الأميركية كون "سيزر"، صار قانونا وطنيا أميركيًا ويجب على كل الوزارات والمؤسسات الالتزام به والعمل وفق بنوده.

ويضيف عبود لـ"العربي الجديد" أن المنظمات السورية الأميركية يمكنها أن تساعد المؤسسات الأميركية من خلال التعاون مع المنظمات الحقوقية والجهات الدولية والناشطين داخل سورية، لأجل توفير قاعدة معلومات تتعلق بالانتهاكات للقانون التي تقوم بها دول وكيانات وشركات وأفراد. 
ويشير عبود إلى أن قانون قيصر هو مجرد بداية، وهو خارج الصراعات الحزبية بين الديمقراطيين والجمهوريين، خارج مسألة عزل ترامب، إنه قانون أميركي سيستمر حتى تلتزم كل الأطراف ببنوده.

ويضيف أنه "بنفس الوقت هو ليس قانونا أبديا، بمعنى أنه يمكن للرئيس الأميركي تجميده عندما يقوم النظام بوقف الانتهاكات والقمع والقصف والإفراج عن المعتقلين والبدء بعملية سياسية وفق القرار 2254،  لكن من المعروف أن النظام لو فعل ذلك يعني نهايته وهو ما يعني استمرار العمل بالقانون لأجل طويل".
وأشار عبود إلى "أن القانون هو الأول أميركيًا الذي يفرض عقوبات على روسيا لأول مرة على خلفية تدخلها عسكريا في سورية منذ 2015، ويضع الولايات المتحدة وروسيا في مواجهة خطيرة لاحقا، لأن القانون يستهدف وزارة الدفاع الروسية والقطاع الخاص والجيش الذي يشارك نظام الأسد في معاركه، ومن هنا مكمن قوته وخطورته"، مضيفا أنني "أعتقد أن الروس يعرفون ذلك وربما هذا القصف والتصعيد الوحشي في إدلب أحد أسبابه فشل لافروف في منع وإعاقة القانون خلال زيارته لواشنطن".

خنق الأسد

ويرى الأكاديمي السوري عماد الدين المصبّح، أن القانون فيما لو تم تطبيقه، سيضيّق الخناق على نظام بشار الأسد ويزيد من الأرقام السلبية والمؤشرات الكارثية التي يعانيها الاقتصاد، سواء من الناتج الإجمالي أو عجز الموازنة الهائل والتضخم النقدي والفقر والبطالة.

ويضيف المصبح لـ"العربي الجديد" أن ذلك "سيتجلى بتهاوي سعر صرف الليرة وتجفيف مصادر تمويل النظام وسوف يجبر الدول التي تشاركه حربه على الشعب السوري على وقف التحويلات عبر القنوات المصرفية الرسمية".

بدوره، يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة ماردين التركية، مسلم طالاس، إن هناك محورين يمكن النظر إليهما والتركيز عليهما، في حال تنفيذ القانون، الأول عمومي يتعلق بتعاملات المالية وتدفقات رؤوس الأموال لسورية وأموال القريبين للسلطة، وهم، أو معظمهم، مذكورون ومعروفون أميركياً.

والأهم بهذا المحور، هي التدفقات التي تتم عبر البنك المركزي الذي تم تخصيص بند خاص له ضمن القانون، ما يعني خنق المصرف المركزي لأنه يوقف معظم التحويلات التي تصل لنظام الأسد عبر المصرف المركزي، بعد اعتبار المصرف المركزي مجرماً، يمول الإرهاب والقتل ويغسل الأموال، وسيضع المحوّل، شركة كانت أو شخصاً أو دولة، أمام الملاحقة والتجميد والعقوبات.

أما المحور الثاني، يضيف طالاس لـ"العربي الجديد" فهو يتعلق بإعادة الإعمار، وهو تتمة لشل اقتصاد الأسد ووقف الرشوة التي يحاول خلالها النظام، عودته للمجتمع الدولي، سواء عبرعقوده لإيران أو روسيا أو حتى الصين التي دخلت أخيراً على خط الاستثمار بسورية.

ويؤكد طالاس على أن الليرة السورية ستكون بمقدمة مؤشرات آثار عقوبات قانون قيصر، متوقعاً ألا تقف عند حد 2000 ليرة للدولار، إن بدأ تطبيق العقوبات، لأنها فاقدة جميع مقومات ومحددات قوة النقد، والآن ستفقد كامل الثقة من المتعاملين.

هكذا رد الأسد

رغم تكتم حكومة بشار الأسد، حتى الآن، عن أي تعليق أو شرح لآثار ومضار قانون "قيصر" إلا أن بعض الأصوات الرسمية، خرجت لتقلل من أهمية الآثار، أو تعزف على وتر المؤامرة واستهداف النظام السوري وتحريف البوصلة إلى الآثار على الشعب فقط.

واعتبر نائب رئيس مجلس الشعب نجدة أنزور أن قانون قيصر "لا يستهدف حماية كل المدنيين من الشعب السوري"، داعياً إلى مواجهته من خلال التأسيس لاقتصاد منتج مقاوم قليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي وإعادة تأهيل محركات الإنتاج المختلفة المحلية.

من جهته، وصف عضو المجلس الاستشاري لمجلس الوزراء السوري عابد فضلية العقوبات التي تضمنها قانون "قيصر" بأنها لئيمة وستترك أثرا على معيشة السوريين.

وأضاف فضلية في تصريحات إعلامية، أن "تأكيد العقوبات على التحويلات البنكية وعلى حركة القطع الأجنبي والتضييق على الطاقة يؤكد كم هي هذه العقوبات لئيمة".

بنود القانون

كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد وقع ليل الجمعة، على قانون يقضي بفرض عقوبات على النظام السوري وداعميه، بسبب جرائم الحرب التي ارتكبوها في البلاد.

وسيتيح قانون قيصر "سيزر" بحسب خبراء، إمكانية تحميل النظام السوري مسؤولية جرائم الحرب التي ارتكبها خلال 8 أعوام، كما يجيز فرض عقوبات إضافية وقيود مالية خلال 6 أشهر، على المؤسسات والأفراد الذين يتعاملون تجارياً مع النظام.

ويفسح القانون المجال أمام فرض عقوبات على المرتزقة الأجانب من روسيا وإيران، وشخصيات عسكرية ومدنية رفيعة لدى النظام، بما في ذلك رئيسه بشار الأسد، كما ينص القانون على فرض عقوبات على حكومة النظام السوري والدول التي تدعمه مثل إيران وروسيا لمدة 10 سنوات أخرى.

ويحذر القانون جهات إقليمية ودولية، تجارية وسياسية، من التعامل مع النظام أو المحسوبين عليه، تجنباً للوقوع في دائرة العقوبات الاقتصادية الأميركية، الأمر الذي سيصعّب، برأي اقتصاديين، من قدرة النظام على إجراء التعاملات التجارية، والصفقات، لشراء المحروقات.

وسيطاول قانون "قيصر" رجال الأعمال الموالين للنظام، الذين لطالما استخدمهم كواجهة لتمرير صفقاته الخارجية. كما ويطاول القانون كل المعاملات مع مصرف سورية المركزي، والمصارف الحكومية، مما يضيّق من هامش حركة مخزون القطع الأجنبي.