تراجع حاد في مساعدات السعودية والإمارات للمغرب

28 نوفمبر 2019
توقعات بتراجع عجز الحساب الجاري إلى 3.6% العام المقبل(Getty)
+ الخط -

ما زالت منح دول الخليج دون توقعات الحكومة المغربية، حيث إنه على بعد شهرين من نهاية العام الحالي، وصلت بالكاد إلى نصف ما راهنت عليه الموازنة، ويعود ذلك إلى تأخر كل من السعودية والإمارات في الوفاء بما التزمتا به تجاه المملكة في سياق الربيع العربي.

وبلغت منح دول الخليج التي توصل بها المغرب إلى غاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حسب بيانات الخزانة العامة للمملكة، حوالي 105 ملايين دولار، علما أن الحكومة تترقب الحصول مع نهاية العام على 200 مليون دولار. وحسب مراقبين لـ"العربي الجديد"، سيدفع ذلك الحكومة المغربية إلى التراجع عن الرهان على الإيرادات الاستثنائية، ومنها الهبات الخليجية، والبحث عن بدائل أخرى.

وتواصل المنح المحولة إلى المملكة من قبل دول الخليج مخالفة التوقعات الرسمية، فقد حصل المغرب في العام المالي الماضي على حوالي 280 مليون دولار، بعدما كانت تراهن الحكومة على حوالي 490 مليون دولار، علما أن التوقعات الأولية كانت تترقب 700 مليون دولار.

 

رهان استثنائي

وفي ظل عدم وضوح الرؤية حول مستقبل تلك الهبات (المنح)، يتساءل الخبير الجبائي محمد الرهج، في حديثه لـ"العربي الجديد"، حول كيفية تغطية جزء من عجز الموازنة في أفق نهاية العمل بالاتفاق الساري منذ سبعة أعوام.

ويتصور أنه يفترض في المغرب عدم الارتهان للإيرادات الاستثنائية مثل الهبات والمديونية، والتوجه نحو إصلاح جبائي حقيقي يساعده على تحقيق مبدأ المساواة أمام الضريبة وتغطية النفقات.

واعتبر محافظ البنك المركزي، عبد اللطيف الجواهري، في سبتمبر/أيلول الماضي، أنه في حال التوصل بتحويلات دول الخليج في حدود 200 مليون دولار في العام الحالي، و180 مليون دولار في العام المقبل، فإن عجز الحساب الجاري سينخفض تدريجيا كي ينتقل على التوالي إلى 5.1 في المائة و3.6 في المائة، بعدما كان في العام الماضي في حدود 5.5 في المائة.

وكان مجلس التعاون الخليجي تبنّى في دورته الثانية والثلاثين، التي شهدتها الرياض في العشرين من ديسمبر/كانون الأول 2011، في سياق الربيع العربي، قرارا بمنح المغرب هبة بـ5 مليارات دولار، خلال الفترة الممتدة بين 2012 و2016، بهدف تمويل مشاريع تنمية في المملكة.

غير أنه كان يفترض في ظل التأخر في التحويلات، الانتهاء من صرف تلك الهبات في العام الماضي، وهو ما لم يتحقق، ما دفع الحكومة المغربية إلى برمجتها إلى غاية العام المقبل، كما يتجلى من تصريحات محافظ البنك المركزي.

وتم استحداث حساب خاص لتلك الهبات في 2013 من أجل تمويل مشاريع محددة، حيث وصلت السحوبات المتراكمة إلى غاية يونيو/حزيران الماضي إلى 4.63 مليارات دولار، حسب تقرير لوزارة الاقتصاد والمالية.

التزام قطر والكويت

ويتجلى من تقرير الحسابات الخصوصية للخزانة المرفق بمشروع موازنة العام المقبل المعروض على البرلمان، أن قطر والكويت أوفتا بما التزمتا به تجاه المغرب، حيث حولت إليه 1.25 مليار دولار لكل واحدة منهما.

غير أنه يستفاد من ذات التقرير أن التأخر في صرف كل المنح الموعود بها المغرب من دول مجلس التعاون الخليجي يعود إلى الصندوق السعودي للتنمية وصندوق أبوظبي للتنمية، علما أن نهاية تحويل المنح كانت متوقعة في العام الماضي.

وموّلت المنح الخليجية القطاعات الاجتماعية بنسبة 57 في المائة، حسب تقرير الحسابات الخصوصية، الذي يؤكد على تفضيل المانحين للمشاريع الاجتماعية، تليها مشاريع البنيات التحتية بنسبة 33 في المائة من التمويلات، بينما تستحوذ القطاعات الإنتاجية على نسبة 10 في المائة.

وتشير تفاصيل التمويلات إلى استفادة قطاع الصحة بنسبة 29 في المائة، والتربية والتكوين الفني 32 في المائة، والسكن الاجتماعي 21 في المائة، والتنمية الاجتماعية 18 في المائة.

ويخضع صرف المنح لتقديم مشروعات استثمارية، بعد دراستها من قبل لجان مشتركة، ليتم بعد ذلك الموافقة على المخصصات.

وحسب بيانات رسمية، اتسم تحويل تلك المنح الخليجية بنوع من عدم الثبات، فقد بلغت 5.2 مليارات درهم 2013، وقفزت إلى 13.12 مليار درهم في 2014، قبل أن تتراجع إلى 3.72 مليارات درهم في 2015 و7.23 مليارات درهم في 2016. وتجاوزت تلك المنح، توقعات الحكومة في عام 2017، لتصل إلى 9.55 مليارات درهم، قبل أن تنخفض إلى 2.79 مليار درهم في العام الماضي.

عراقيل المساعدات

ويتصور مراقبون أن العلاقات مع دول الخليج في شقها المتصل بالهبات تأثرت بالأزمة الناجمة عن حصار قطر، وتقلبات أسعار النفط، والجمود الذي طبع العلاقات مع العربية السعودية.

ويرى الباحث في العلوم السياسية طارق بوتقي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن منح دول الخليج لم تعد تشكل رهانا كبيرا بالنسبة للمغرب في السياق الحالي، معتبرا أنه سيصعب في الظرف الحالي التوصل إلى اتفاق مع دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة على حزمة من المساعدات في إطار مجلس ذلك التجمع.

ويعتبر أنه يمكن للمغرب التوصل إلى اتفاقات مع كل بلد على حدة، حسب درجة تطور العلاقات معه، علما أن المملكة كانت اتسمت علاقاتها بنوع من الجمود بسبب موقف الحياد الجبائي، من الحصار على قطر، وتجميدها مشاركتها في الحرب التي تقودها السعودية والإمارات العربية في اليمن.

ويتجلى من مشروع قانون المالية أن الهبات التي يتوقعها من الخارج لا تتعدى 150 مليون دولار في العام المقبل، وهو ما يفسر بنوع من الحذر حول تطور العلاقات مع "حلفائها" في مجلس التعاون الخليجي.

عائدات الخصخصة

ودخلت العلاقات مع دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، في مرحلة تواضع التوقعات في مجال الدعم الاقتصادي للمغرب في العام المقبل، مع الأخذ في الاعتبار أن المساعدات الآتية من الصين أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة وكندا كانت دائما متواضعة.

وحسب المراقبين، ينتظر أن تساهم عائدات الخصخصة في تعويض تداعيات تأخر المنح الخليجية على عجز الموازنة، في الوقت نفسه الذي سيساهم الاقتراض من الخارج في دعم موجودات المملكة من النقد الأجنبي.

غير أنه رغم ضمان رصيد من العملة الصعبة يغطي أكثر من خمسة أشهر من الواردات، طرحت تساؤلات في الفترة الأخيرة حول احتمالات تجديد اتفاقيات الهبات مع دول الخليج، غير أن محافظ البنك المركزي، عبد اللطيف الجواهري، اعتبر في تصريحاته عندما أثير ذلك الموضوع أن الأمر يبقى رهينا بالمستوى السياسي.

المساهمون