الاقتصاد البريطاني في مفترق الطرق...ووكالات التصنيف تراقب

12 نوفمبر 2019
بوريس جونسون يبدأ حملة مصيرية تحدد مستقبله (Getty)
+ الخط -



وسط الغموض السياسي الذي يحيط بمستقبل الانتخابات البرلمانية البريطانية التي ستجري في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وتداعيات ذلك على علاقات المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي، تواجه بريطانيا صعوبات عدة ومعقدة تؤثر على مناحي تدفق الاستثمار الخارجي ومستقبل بقاء المصارف العالمية في حي المال اللندني، وتساهم في إرباك خطط الشركات في التوسع والتسويق.

وتترقب الشركات البريطانية والأجنبية بصبر نافد، ما ستفرزه الانتخابات البرلمانية، وتداعيات نتيجتها على موقع بريطانيا التجاري والسياسي في أوروبا، إذ أن "انتخابات بريكست" ستحدد مصير البلاد في أوروبا أو خارجها ونوعية الترتيبات التجارية والجمركية والاستثمارية بين لندن ودول الاتحاد الأوروبي.

ويعد الارتباك الذي واجهته بريطانيا منذ الاستفتاء الذي جرى في عام 2017 على "البقاء أو الخروج من أوروبا" هو السبب الرئيسي وراء خفض مؤسسة "موديز" العالمية رؤيتها للتصنيف الائتماني للمملكة المتحدة إلى "سلبية"، مشيرة إلى أن تأجيل البت في بريكست، جعل هنالك صعوبة في التنبؤ بمستقبل السياسات المالية وسياسات الموازنة البريطانية.

كما قالت المؤسسة، المتخصصة في إعداد التصنيفات الائتمانية للدول والشركات، إن الحزبين الرئيسيين المتنافسين في الانتخابات المرتقبة قد لا يتمكنا على الأرجح من التصدي لمستويات الاقتراض المرتفعة التي سيكون إصلاحها أكثر صعوبة في ظل الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

وحذّرت "موديز"، في أحدث تقرير لها حول بريطانيا صدر يوم الجمعة، من خطر خفض التصنيف الائتماني للدين السيادي البريطاني في حال مغادرة الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. كما وضعت وكالتا "ستاندرد آند بورز" و"فيتش" أيضاً المملكة المتحدة تحت المراقبة بنظرة سلبية. وتمنح كل من "فيتش" و"ستاندرز آند بورز" بريطانيا تصنيفاً أعلى من موديز.
وأشارت "موديز" إلى أن مؤسسات البلاد قد ضعفت في مواجهة تحديات السياسة، ومن المتوقع أن تتراجع القوة الاقتصادية والمالية البريطانية.

لكن، وحسب تقرير موديز الذي نشرته صحيفة " فاينانشيال تايمز"، لم تخفض المؤسسة التصنيف الفعلي للائتمان البريطاني، بل أبقت عليه عند درجة "Aa2". وهو نفس المستوى الذي كان عليه التصنيف في عام 2017. وأشارت موديز في تقريرها إلى أنها لم تغير التصنيف البريطاني، مشيرة إلى أسباب، من بينها "التنوع الاقتصادي" و"السياسة النقدية المتزنة".

وأشارت إلى أن هذه العوامل ربما ستعوض بريطانيا عما وصفته بـ "خدمة عبء الديون الثقيلة" وضعف النمو في الإنتاجية. وعادة ما يقود خفض التصنيف الائتماني إلى زيادة خدمة الدين السيادي، وكذلك زيادة كلفة التأمين على السندات السيادية للدول.

وبلغ الدين البريطاني في نهاية مارس/آذار الماضي 1.823 تريليون جنيه إسترليني "أي نحو 2.34 تريليون دولار"، وذلك بحساب سعر متوسط الصرف للجنيه الإسترليني يتراوح بين 1.28 و1.3 دولار. وذلك وفقاً للبيانات التي نشرها مكتب الإحصاء الوطني البريطاني. ووفقاً لبيانات المكتب بلغت مديونية الحكومة البريطانية الصافية أو العجز بالميزانية خلال العام المالي المنتهي في مارس/ آذار الماضي 25.5 مليار دولار. وهذه الديون تعادل 1.2% من إجمالي الناتج المحلي البريطاني المقدر بحوالى 2.828 ترليون دولار في العام الماضي 2018، وفق بيانات البنك الدولي.

ولاحظت "العربي الجديد"، أن هذه ليست المرة الأولى التي تخفض فيها مؤسسة موديز رؤيتها للتصنيف الائتماني لبريطانيا، بسبب مخاوف من تزايد الضغوط على الموازنة العامة، وانعكاس الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون ترتيبات تجارية مع دول الاتحاد الأوروبي، على نمو الاقتصاد البريطاني. فقد خفضت موديز، في عام 2017، فعلياً تصنيف بريطانيا من "Aa1" إلى "Aa2"، وليس فقط النظرة.

وقالت الوكالة وقتها، إن الخروج من الاتحاد الأوربي يخلق غموضاً اقتصادياً، في وقت خرجت فيه خطط الحكومة البريطانية لخفض الديون عن مسارها. كما غيرت وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية الأخرى تصنيفها لبريطانيا عام 2016، حيث خفضته كل من وكالة "ستاندرد آند بورز" من "تريبل إيه"، وهو أعلى تصنيف إلى "دبل إيه". كما خفضته وكالة فيتش من "إيه إيه بلس" إلى "دبل إيه".

وقالت وكالة موديز وقتها، إن الحكومة البريطانية "خضعت للضغوط وزادت من الإنفاق في مجالات عديدة"، بما فيها الصحة والرعاية الاجتماعية. وقالت إن الموارد المالية من غير المرجح أن تعوض تزايد الإنفاق.

وعلى الرغم من العقبات العديدة التي تعترض بريطانيا في الوقت الراهن، فإن الاقتصاد تمكن من تفادي الوقوع في هوة الركود خلال الربع الثالث من العام الجاري، ونما بنسبة 0.3%، خلافاً لتوقعات العديد من خبراء الاقتصاد داخل المملكة المتحدة وخارجها. وهي نسبة ضئيلة وغير مطمئنة، وسط الظروف السالبة التي تحيط بالمناخ الاستثماري في المملكة المتحدة.

ويرى كبير خبراء الاقتصاد في معهد "دايركتورز" البريطاني، تيغ باريخ، أن النمو الاقتصادي سيتباطأ في الربع الأخير من العام الجاري، حيث إن النمو الاقتصادي في أدنى مستوياته حالياً.
وفي تعاملات أمس الاثنين، صعد الجنيه الإسترليني 0.1 بالمائة عند 1.2797 دولار، رغم تحذير وكالة موديز الأخير من أنها قد تخفض تصنيفها لدين بريطانيا السيادي.

ويرى محللون أن سعر صرف الجنيه الإسترليني سيتأرجح خلال الفترة حتى ظهور نتائج الانتخابات تبعاً لاستفتاءات الرأي التي ترجح حتى الآن فوز المحافظين. واستفادت بريطانيا خلال الأعوام الثلاثة الماضية من انخفاض سعر الإسترليني الذي كان له تأثير إيجابي على السياحة والتسوق، كما ساهم في زيادة تنافسية الصادرات البريطانية مقارنة بمنافستها في أوروبا.
المساهمون