يبدو أن رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، قد "شفط" كل الأوكسجين الاقتصادي المتاح ضمن منظومة سياساته الحمائية، واستنفد كثيراً من طاقته التفاوضية، ليحقق مكاسب من ناحية، وليلحق بعد ذلك أذىً كبيراً بمجمل الاقتصاد الأميركي، واقتصادات شركائه التجاريين، ومن ثم الاقتصاد العالمي. فهل انتهى عصر التهديد والوعيد، وضرب الحوافر بالأرض، وإطلاق البخار من فوهة الأنف؟ هل يُقبل الاقتصاد العالمي على فترة تهدئة؟
ومن المتوقع أن يلتقي المفاوضون التجاريون الأميركيون مع نظرائهم الصينيين في بكين، عاصمة الصين، يوم السابع من شهر يناير/ كانون الثاني الجاري لبحث ملف الحرب التجارية.
وقد تجمع للطرفين من الأدلة والشواهد على السياسة التجارية الحمائية ما يجعل كلا منهما راغباً في الوصول إلى حلولٍ جديدة، لا تعتمد معادلة الصفر، بل معادلة الفوز للطرفين، حيث يقل حجم تضحية كل منهما عن العوائد المتوقع تحقيقها لكليهما.
تدرك الصين أن سياسة ترامب لم تقلل حجم صادراتها إلى الولايات المتحدة، بل زاد مجموع الصادرات حتى نهاية الربع الثالث من عام 2018 بمقدار مائتي مليار دولار. ولكن هذا لن يستمر إذا ما استمر الحائط الجمركي الأميركي على المستوردات الصينية عند 25%.
وفي المقابل، تدرك الولايات المتحدة أن قوة الاحتكار الشرائية التي تتمتع بها، باعتبارها سوقاً كبيراً للمستوردات، قد بدأت الصين تستمتع بها أيضاً. فرفع الصين للتعرفة الجمركية على السيارات المصنعة في أميركا قلل من مبيعات تلك السيارات بمقدار ثلاثة أرباع مليون سيارة، وبكلفة تقارب 60 مليار دولار على الاقتصاد الأميركي.
وعندما اجتمع قادة مجموعة العشرين في أواخر شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، ومطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول، في العاصمة الأرجنتينية بيونس أيرس، واتفق كل من الرئيسين الصيني تشي جاوبنغ، والأميركي دونالد ترامب، على منح بعضهما بعضا إجازة من الجمارك المرتفعة التي فرضها كل طرف ثلاثة أشهر كبادرة حسن نيات.
وقد مرت العلاقة الأميركية الصينية بمطباتٍ منذ ذلك الاجتماع، ما دفع أسعار البورصة والنفط إلى التذبذب ما بين الارتفاع والهبوط، من بين أسبابٍ أخرى أدت إلى هذه الحالة المجنونة. فقد انتهى مؤشر داو جونز الأميركي هابطاً هبوطاً حاداً، وصل في معدله إلى حوالي 8% خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2018. ورأينا علامات التقلب نفسها في البورصات الرئيسية، وخصوصا سوق شانغهاي.
وقد قام الرئيس الأميركي في الشهرين الأخيرين من عام 2018 بالضغط على دول منظمة أوبك لزيادة إنتاجها من النفط، حتى تنخفض الأسعار إلى ما دون الخمسين دولاراً لمزيج خام البرنت. وبالطبع، في هذا التطور آثارٌ سلبية، ليس على أعداء الولايات المتحدة ومنافسيها، مثل إيران وروسيا والبرازيل وفنزويلا، وإنما على حلفاء مثل المملكة المتحدة والنرويج.
وتبلغ كلفة استخراج برميل النفط في المملكة المتحدة 52 دولاراً من بحر الشمال، و49 دولاراً في البرازيل. وبذلك تتضرّر هاتان الدولتان، كما تفعل النرويج التي لا تسمح لعوائد النفط بالتأثير على اقتصادها، لأنها كلها مستثمرة، ولا تدخل الموازنة العامة.
كل سياسة اتبعها دونالد ترامب بدأت أكبر من الحياة نفسها. ولكن عندما انقشع عنها الضباب، وبانت التفاصيل، اتضح أنها، وإن كانت لها منافع عاجلة، فإن لها أضرارا آجلة وعاجلة، فقد تضررت صناعاتٌ كثيرةٌ داخل الولايات المتحدة، مثل صناعات الإنشاءات، والسيارات، والقوارب، والألمنيوم، والحديد، مقابل استفادة بعض الصناعات، كالملابس والأثاث، وغيرها من الصناعات التي لم تعد الولايات المتحدة منافسة فيها.
اقــرأ أيضاً
وصحيحٌ أن الرئيس ترامب، بإعادته صناعات السيارات والإلكترونيات، وشركات تكنولوجيا المعلومات، إلى الولايات المتحدة، قد أوجد مزيداً من فرص العمل لناخبيه، إلا أنه فتح قضية الهجرة على مصراعيها. وها هو يفتح على نفسه بداية حربٍ مع الكونغرس بشأن زيادة المخصصات المطلوبة، لاستكمال مشروع الحائط بين الولايات المتحدة والمكسيك.
شوشت كثير من سياسات العالم الحمائية العلاقات الدولية، وجعلت الحروب الإقليمية أكثر استعاراً وتدميراً. وتجرّد الرئيس الأميركي ترامب من اتفاقيات دولية كثيرة، أكد بشكلٍ لا يقبل الجدل أن بيع السلاح، والتنمر على الصديق قبل العدو، وهجره مؤازريه في الإدارة وسرعة تقلب المناصب المهمة في إدارته، كلها أدواتٌ لها صلاحية محدودة، وإن أجلها قد دنا.
والسؤال الذي يفرض نفسه على أرض الواقع، وعلى مسؤولين كثيرين في الوطن العربي أن يطرحوه: ماذا لو خُلِعَ الرئيس دونالد ترامب من منصبه، كما ينادي أعضاء في الكونغرس من الحزبين الحاكمين؟
ماذا لو سقط رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، معه في انتخابات شهر إبريل/ نيسان المقبل؟ ماذا سيحصل عندنا في العالم العربي؟
بناء الحسابات والتوقعات على بقاء ترامب، وربط العربة العربية بحصانٍ قد يعود بالضرر الكبير. آن الأوان أن تصطلح الأمة، وتنسق أمورها، خصوصا حيال التوقعات بكساد كبير قادم.
ومن المتوقع أن يلتقي المفاوضون التجاريون الأميركيون مع نظرائهم الصينيين في بكين، عاصمة الصين، يوم السابع من شهر يناير/ كانون الثاني الجاري لبحث ملف الحرب التجارية.
وقد تجمع للطرفين من الأدلة والشواهد على السياسة التجارية الحمائية ما يجعل كلا منهما راغباً في الوصول إلى حلولٍ جديدة، لا تعتمد معادلة الصفر، بل معادلة الفوز للطرفين، حيث يقل حجم تضحية كل منهما عن العوائد المتوقع تحقيقها لكليهما.
تدرك الصين أن سياسة ترامب لم تقلل حجم صادراتها إلى الولايات المتحدة، بل زاد مجموع الصادرات حتى نهاية الربع الثالث من عام 2018 بمقدار مائتي مليار دولار. ولكن هذا لن يستمر إذا ما استمر الحائط الجمركي الأميركي على المستوردات الصينية عند 25%.
وفي المقابل، تدرك الولايات المتحدة أن قوة الاحتكار الشرائية التي تتمتع بها، باعتبارها سوقاً كبيراً للمستوردات، قد بدأت الصين تستمتع بها أيضاً. فرفع الصين للتعرفة الجمركية على السيارات المصنعة في أميركا قلل من مبيعات تلك السيارات بمقدار ثلاثة أرباع مليون سيارة، وبكلفة تقارب 60 مليار دولار على الاقتصاد الأميركي.
وعندما اجتمع قادة مجموعة العشرين في أواخر شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، ومطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول، في العاصمة الأرجنتينية بيونس أيرس، واتفق كل من الرئيسين الصيني تشي جاوبنغ، والأميركي دونالد ترامب، على منح بعضهما بعضا إجازة من الجمارك المرتفعة التي فرضها كل طرف ثلاثة أشهر كبادرة حسن نيات.
وقد مرت العلاقة الأميركية الصينية بمطباتٍ منذ ذلك الاجتماع، ما دفع أسعار البورصة والنفط إلى التذبذب ما بين الارتفاع والهبوط، من بين أسبابٍ أخرى أدت إلى هذه الحالة المجنونة. فقد انتهى مؤشر داو جونز الأميركي هابطاً هبوطاً حاداً، وصل في معدله إلى حوالي 8% خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2018. ورأينا علامات التقلب نفسها في البورصات الرئيسية، وخصوصا سوق شانغهاي.
وقد قام الرئيس الأميركي في الشهرين الأخيرين من عام 2018 بالضغط على دول منظمة أوبك لزيادة إنتاجها من النفط، حتى تنخفض الأسعار إلى ما دون الخمسين دولاراً لمزيج خام البرنت. وبالطبع، في هذا التطور آثارٌ سلبية، ليس على أعداء الولايات المتحدة ومنافسيها، مثل إيران وروسيا والبرازيل وفنزويلا، وإنما على حلفاء مثل المملكة المتحدة والنرويج.
وتبلغ كلفة استخراج برميل النفط في المملكة المتحدة 52 دولاراً من بحر الشمال، و49 دولاراً في البرازيل. وبذلك تتضرّر هاتان الدولتان، كما تفعل النرويج التي لا تسمح لعوائد النفط بالتأثير على اقتصادها، لأنها كلها مستثمرة، ولا تدخل الموازنة العامة.
كل سياسة اتبعها دونالد ترامب بدأت أكبر من الحياة نفسها. ولكن عندما انقشع عنها الضباب، وبانت التفاصيل، اتضح أنها، وإن كانت لها منافع عاجلة، فإن لها أضرارا آجلة وعاجلة، فقد تضررت صناعاتٌ كثيرةٌ داخل الولايات المتحدة، مثل صناعات الإنشاءات، والسيارات، والقوارب، والألمنيوم، والحديد، مقابل استفادة بعض الصناعات، كالملابس والأثاث، وغيرها من الصناعات التي لم تعد الولايات المتحدة منافسة فيها.
شوشت كثير من سياسات العالم الحمائية العلاقات الدولية، وجعلت الحروب الإقليمية أكثر استعاراً وتدميراً. وتجرّد الرئيس الأميركي ترامب من اتفاقيات دولية كثيرة، أكد بشكلٍ لا يقبل الجدل أن بيع السلاح، والتنمر على الصديق قبل العدو، وهجره مؤازريه في الإدارة وسرعة تقلب المناصب المهمة في إدارته، كلها أدواتٌ لها صلاحية محدودة، وإن أجلها قد دنا.
والسؤال الذي يفرض نفسه على أرض الواقع، وعلى مسؤولين كثيرين في الوطن العربي أن يطرحوه: ماذا لو خُلِعَ الرئيس دونالد ترامب من منصبه، كما ينادي أعضاء في الكونغرس من الحزبين الحاكمين؟
ماذا لو سقط رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، معه في انتخابات شهر إبريل/ نيسان المقبل؟ ماذا سيحصل عندنا في العالم العربي؟
بناء الحسابات والتوقعات على بقاء ترامب، وربط العربة العربية بحصانٍ قد يعود بالضرر الكبير. آن الأوان أن تصطلح الأمة، وتنسق أمورها، خصوصا حيال التوقعات بكساد كبير قادم.