موازنة اليمن... اتجاه تقشفي وتركيز الإنفاق على الإعمار

19 يناير 2019
الأزمة المعيشية تتمدد في اليمن (الأناضول)
+ الخط -
تعكف الحكومة اليمنية على إعداد موازنة 2019، من خلال لجنة عليا أعلن تشكيلها منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لكنّ متابعين لهذا الملف يؤكدون أن الإجراءات الحكومية المنتظرة بشأن التقشف وترشيد الإنفاق، ستؤجل إعلان تفاصيل الموازنة إلى فبراير/ شباط، فضلاً عن تعقيدات محادثات التسوية الاقتصادية لتوحيد البنك المركزي، المتوقع أن تُعقد نهاية الشهر الحالي.

وستتولى الحكومة الشرعية دفع رواتب موظفي القطاع العام في العاصمة صنعاء وبقية مناطق الحوثيين، وفقاً لاتفاق التسوية الاقتصادية  المرتقب، وتنتظر لجنة الموازنة مآل التسوية لمعرفة حجم الإنفاق على الرواتب خلال العام الحالي.

وأكد مسؤول في مجلس الوزراء اليمني في حديث مع "العربي الجديد"، أن العمل جار على إعداد الموازنة من خلال لجان متخصصة، ويراعى في إعدادها الإجراءات بشأن ترشيد الإنفاق، إذ سيتم إلغاء مبالغ كبيرة كانت مرصودة للنفقات التشغيلية للوزارات وتحويلها لجهود إعادة الإعمار.

وأوضح المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن تعقيدات عديدة تواجه لجنة الموازنة ما سيؤجل إعلانها شهراً إضافياً، مع ترجيح مطلع فبراير/ شباط المقبل.

وأصدر رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك، في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قراراً بتشكيل لجنة عليا للموازنات العامة (لجنة الاقتصاد الكلي) للسنة المالية 2019، وذلك لإعداد الموازنة العامة للدولة وسقوفها التأشيرية على المستويين المركزي والمحلي، والوحدات المستقلة والملحقة والصناديق الخاصة، في ضوء السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية للدولة.

ونص القرار على: "دراسة ومناقشة وإقرار الإطار العام للموازنات العامة وكذا السقوف التأشيرية المتوقعة على مستوى وحدات السلطة المركزية والمحلية، في ضوء تقييمها للمؤشرات الأساسية في الاقتصاد الكلي (الناتج المحلي الإجمالي، ميزان المدفوعات، العرض النقدي) والتوقعات المتعلقة بها السنة المالية 2019 وفي ضوء السياسات الاقتصادية والمالية النقدية للدولة".

وأشار القرار، إلى أن الموازنة العامة للدولة، ستتضمن موازنات وحدات السلطات المحلية ووحدة السلطة المركزية، وعلى أن تشمل هذه الموازنات تقديرات كافة الموارد المالية المتاحة محلياً وخارجياً، مع تحديد الحد الأعلى لسقوف أبواب الاستخدامات العامة في ظل هذه الموارد، وذلك على مستوى الدولة.

وتتضمن الموازنة أيضاً، ‏خطة القوى الوظيفية للدولة لعام 2019، موزعة على وحدات السلطة المركزية ووحدات السلطة المحلية والوحدات الاقتصادية (عام ومختلط)، بحسب القرار.

الخبير في المالية العامة فكري عبد الواحد، اعتبر أن الحديث عن الموازنة مجرد عملية ترويج وتجميل للأزمة القائمة، لأنها لا تستند إلى بيانات سابقة من سنوات الحرب.

عبد الواحد، وهو مدير عام سابق لقطاع الموازنة في وزارة المالية اليمنية قال لـ "العربي الجديد"، إنه "إذا كانت منظومة الدولة لا تعمل بشكل متكامل ومتناسق، فكل ما يتم مجرد وهم وتضييع للجهد والوقت، وإذا لم تتوحد أنشطة الوزارات وترد الإيرادات إلى البنك المركزي فسيحدث فساد وضياع لما تبقى من أموال".

وأوضح عبد الواحد، أن الموازنة المركزية يخصص الباب الأول فيها للمرتبات، ثم تأتي نفقات التشغيل في الباب الثاني، وتقدير ما يخصص للمنظمات الأهلية وسداد القروض وفوائد القروض، ثم الإنفاق الاستثماري والرأسمالي الذي يندرج تحته، إذا صدقت الوعود، عمليات إعادة الإعمار.

وأشار إلى أن عدم إصدار الحكومة تقارير ربعية أو نصف سنوية أو سنوية، موزعة على مستوى الأبواب والفصول والبنود في الموازنة، وتقارير مالية عن مستوى الإنفاق للسنة الماضية والتي قبلها، يجعل من الحديث عن موازنة 2019 مجرد حبر على ورق.

وكانت موازنة 2018 تقشفية، وقدرت إجمالي الإيرادات المتوقعة لعام 2018 عند 978 مليار ريال (2.22 مليار دولار)، بينما تتوقع أن يبلغ الإنفاق 1.46 تريليون ريال (3.32 مليارات دولار).

وقالت الحكومة حينها في بيان، "إنها ميزانية تقشف. تشمل أجور العسكريين والمدنيين في 12 محافظة"، وأكدت أن "الأجور في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون ستقتصر على قطاعي التعليم والصحة"، لكنها تراجعت بعد ذلك ولم تدفع أجور موظفي التعليم والصحة في مناطق الحوثيين، واشترطت أن يبدأ الحوثيون بتحويل الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن.

ولا يزال نحو نصف مليون موظف في صنعاء ومناطق الحوثيين من دون رواتب منذ نحو عامين ونصف، بينما تدفع الحكومة رواتب موظفي الدولة في مناطقها شهرياً وبانتظام، بينهم نحو نصف مليون من العسكريين، ما أدى إلى تضخم فاتورة الرواتب.

وحثّ صندوق النقد الدولي، خلال الشهر الحالي، الحكومة اليمنية على اتباع سياسات اقتصادية أفضل، وأن تحقق تحسناً في تحصيل الإيرادات وتكثف جهودها للسيطرة على الإنفاق وترشيده، ولا سيما الإنفاق على فاتورة أجور القطاع العام.

ويشهد اليمن حرباً مدمرة بدأت نهاية عام 2014، بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة، وتصاعدت وتيرة الصراع منذ مطلع عام 2015.

وتركت الحرب تداعيات خطيرة على الاقتصاد اليمني، إذ تسببت في تهاوي العملة المحلية وارتفاع أسعار الموادّ الغذائية والوقود، وارتفاع معدلات البطالة، وأصبح أكثر من نصف سكان اليمن البالغ عددهم 27 مليون نسمة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بحسب تقارير رسمية.

وقدّر تقرير حكومي يمني اطلعت عليه "العربي الجديد"، أن خسائر الناتج المحلي الإجمالي بلغت نحو 50 مليار دولار حتى نهاية عام 2018، نتيجة الحرب الدائرة في البلاد بين قوات الحكومة الشرعية المدعومة من تحالف تقوده السعودية من جهة، وجماعة المتمردين الحوثيين من جهة أخرى.

وعزا التقرير ارتفاع الخسائر الاقتصادية في اليمن عن متوسّط خسائر النزاعات في الإقليم والعالم، إلى الحرب التي أشعلتها جماعة الانقلابيين الحوثيين، وتعثّر إنتاج وتصدير النفط والغاز، اللذين يمثّلان شريان الحياة للاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى إغلاق بعض المنافذ الجوية والبرّية وتقييد حركة التجارة الخارجية من التحالف.

وتدهورت المالية العامة تدريجياً متأثرة بتداعيات الحرب، مع تراجع الإيرادات العامّة بنحو 60.6 في المئة عام 2016 مقارنة بعام 2014 متأثرةً بتعثر إيرادات النفط والغاز، التي كانت تعتبر أكبر موارد الموازنة العامة، وبتعليق دعم المانحين للموازنة العامة، وتدهور الإيرادات الضريبية.
دلالات
المساهمون