من هاتفه النقال الذكي في إحدى الدول الخليجية المتقدّمة في تطبيق أهداف الحكومة الإلكترونية، يُعبّئ وائل وثيقة لاستصدار جواز سفر، ويقول: "بهاتفي هذا أتمكن من إنجاز كثير من المعاملات الحكومية، مثل إصدار جواز سفر، وتعبئة طلب إقامة، وغير ذلك من المعاملات التي باستطاعتي إجراؤها من على أريكتي ومن أي مكان في العالم".
يضيف أن "الانتظار في الدوائر العامة لساعات، وترك مهامي العملية يهدر كثيرا من الوقت، ويتطلب جهداً كبيراً، فيما توفر الحكومة التطبيقات الإلكترونية لإنجاز الكثير من المهام".
في المقابل، تنتظر هدى، مواطنة في لبنان، ساعات في إحدى الدوائر العامة لإصدار وثيقة رسمية، وتقول: "أحاول الاتصال بأكثر من جهة حتى أتمكن من إنجاز معاملتي بسرعة، نظراً لعدم تمكني من الانتظار طويلاً، فإنا أعمل في مؤسسة وأتبع نظام الدوام، ولا يمكنني التأخر عن دوامي لساعات يومياً حتى أنجز هذه المعاملة".
وتشير هدى إلى أنها اضطرت في إحدى المرات إلى دفع مبلغ مادي على شكل رشوة حتى أنجزت مهمتها في يوم واحد، بدلاً من الذهاب والمجيء لعدة أيام.
تعد التطبيقات الإلكترونية الخاصة بالمؤسسات العامة والدوائر الحكومية، من أبرز إنجازات الحكومة الإلكترونية، والتي بدأت تطبقها الكثير من الدول العربية.
بالرغم من أن معظم الدول العربية مازالت في ذيل قائمة مؤشر الحكومة الإلكترونية الذي يصدره معهد الحكومة الإلكترونية بجامعة واسيدا اليابانية سنوياً، إلا أن دولا كثيرة تحاول النهوض باقتصادها عن طريق تفعيل هذه الخدمات، نظراً لأهميتها في مؤشر التنافسية العالمية، ومؤشر سهولة الأعمال، إذ تساهم هذه الخدمات في جذب رؤوس الأموال وتوظيفها في قطاعات شتى في مجالات الاقتصاد.
ووفق مؤشر جامعة واسيدا (من أهم الجامعات الخاصة في اليابان) لعام 2017، احتلت دول الخليج العربي قائمة الدول العربية في تفعيل الخدمات الإلكترونية، فيما تراجعت بقية الدول إلى ذيل القائمة، كلبنان ومصر وتونس.
وبحسب الخبراء، فإن ضعف الإمكانات المادية لكثير من الدول، ونقص الكوادر البشرية المدربة على استخدام الحاسوب والإنترنت، يسهمان في تراجع هذه الدول لناحية تفعيل الحكومة الإلكترونية، ما ينعكس سلباً على أداء اقتصادها.
على رغم أن الأمم المتحدة وضعت خطة للتنمية المستدامة حتى عام 2030، ومن ضمن الأهداف الموجودة تفعيل الخدمات الإلكترونية للمواطنين، إلا أن دولا عربية كثيرة مازالت متمسكة بأدائها التقليدي، خوفاً من فقدان السيطرة على شعوبها، وإعطائهم الحق بالوصول إلى المعلومات، وبالتالي الحق في المحاسبة.
يقول المستشار السابق في صندوق النقد الدولي، عبدالله بوحبيب، إن حكومات الدول العربية، بخاصة في الدول النامية، تخشى فقد السيطرة على شعوبها من خلال تفعيل خدمات الحكومة الإلكترونية، ولذا لا تزال هذه الدول بعيدة من تطبيق خدمات الحكومة الإلكترونية.
ويضيف بو حبيب أن السبب الآخر لغياب تفعيل الحكومة الإلكترونية جهلُ السياسيين، إذ إن الغالبية العظمى من السياسيين في الدول العربية لا تزال متمسكة بمفاصل الحكم بطرق تقليدية، الأمر الذي ينعكس سلباً على المواطنين.
ويرى بوحبيب أن الفاتورة التي تتكبدها الدول النامية، جراء عدم تفعيل خدمات الحكومة الإلكترونية مرتفعة جداً، إذ لا تنجز الحكومة العادية معاملات متساوية مع تلك التي يمكن أن تنجزها الحكومة الإلكترونية، أضف إلى ذلك، أن المواطن يتكبد خسائر مادية جراء ساعات الانتظار التي يقضيها حتى تفعيل خدمة ما، أو شراء خدمة ما من الحكومة.
أداء متباين
عام 2016، أجرت الأمم المتحدة مسحاً لتقييم أداء الحكومة الإلكترونية في دول العالم، وفق برنامجها الخاص للتنمية المستدامة لعام 2030، من خلال قياس التفاوت في تبنّي تطبيقات الحكومة الإلكترونية وانتشار الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على المستوى الدولي.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن تطوير أداء الحكومة الإلكترونية عالمياً، يساهم في تسريع التقدم الإنساني وردم الفجوات الرقمية وتطوير مجتمعات المعرفة.
وجاءت نتائج المسح بالنسبة للدول العربية متفاوتة. ووفق مؤشر المشاركة الإلكترونية، حلت المغرب والبحرين والإمارات في مركز متقدم جداً، حيث حازت هذه الدول على 0.75 نقطة، فيما حلت قطر والكويت وعُمان وتونس والسعودية في مركز متقدم، وتراوحت نقاطها بين 0.5 نقطة و0.75 نقطة.
أما الفئة الثالثة في المؤشر، والتي تُصنّف كفئة متوسطة، فقد حل الأردن والعراق ومصر وسورية ولبنان والسودان، بمعدل نقاط بين 0.25 نقطة و0.5 نقطة.
وفي الفئة الأخيرة، والتي تصنف ضمن الفئات الضعيفة، جاءت الجزائر وليبيا، وحصدت الواحدة أقل من 0.25 نقطة.
مؤشر تطوّر الأداء
ولم يختلف الأمر بالنسبة إلى مؤشر تطور أداء الحكومة الإلكترونية EDGI، إذ جاء أداء الإمارات والبحرين مرتفعا جداً، حيث أحرزت كل منهما أكثر من 0.75 نقطة.
ثم حلت الكويت ولبنان والأردن والسعودية وتونس وقطر وعُمان والمغرب، وحصلت كل من هذه الدول على أداء مرتفع بنقاط بين 0.5 نقطة و0.75 نقطة.
أما في الفئة المتوسطة، أي بين 0.25 نقطة و0.50 نقطة، فقد جاءت مصر والعراق والسودان والجزائر. فيما حل اليمن والصومال في ذيل المؤشر، وحصد كل منهما على مجموع يقل عن 0.25 نقطة.
ويظهر من خلال هذا المسح، أن معظم الدول العربية لا تزال بعيدة نسبياً عن تحقيق الأهداف التي وضعتها الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الخاصة بالمشاركة الإلكترونية، وتطوير أداء الحكومة الإلكترونية.
القضاء على الفساد
تفتح آليات تنفيذ وتفعيل الحكومة الإلكترونية في الدول النامية، نافذه للقضاء على مؤشرات الفساد والرشوة، وفق ما يؤكده الخبير يوسف دبار.
يقول دبار إن تفعيل الخدمات الإلكترونية يمنع ارتفاع حجم الرشاوى التي يدفعها المواطن لسداد خدمة ما، إذ من المعروف في الدول العربية ارتفاع نسب الرشاوى التي يدفعها المواطن حتى يتمكن من إنجاز المعاملات.
لذا، وبمجرد تفعيل هذه الخدمات، لتشمل جميع القطاعات والخدمات العامة، يؤكد دبار أن معدل الرشوة سينخفض بشكل كبير، كما سيزيد حجم الأموال التي تتلقاها الحكومات، إذ سترتفع نسب المعاملات إلكترونياً، وهو ما يساعد على زيادة الإيرادات المالية.
أهداف ومعوقات
تكمن أهداف تفعيل الحكومة الإلكترونية في تقويم المعرفة ونشر المعلومات السياسية والإدارية بطرق شفافة منعاً لحصول أي عمليات فساد، كما تهدف أيضاً إلى إشراك المواطنين في عمليات اتخاذ القرار، والحق بوصولهم إلى المعلومات، وتهدف أيضاً إلى تقليل تكلفة الخدمات والإجراءات الحكومية وما يصاحبها من أداء عمليات إدارية، ناهيك عن دورها الأساسي في تحقيق التنمية المستدامة، وخلق فرص عمل، وجذب رؤوس أموال.
إلا أن المعوقات التي تقف في وجه تحقيق هذه الأهداف مازالت كبيرة وكثيرة، وفق دبار، ويقول "رغم أهمية تفعيل الخدمات الإلكترونية، ودورها في تنشيط الحركة الاقتصادية، إلا أن هناك مجموعة كبيرة من العوائق مازالت قائمة ومسيطرة إلى حد كبير، ومن أهمها، غياب البنى التحتية الخاصة بقطاع تكنولوجيا المعلومات، إذ لا تزال البنى التحتية ضعيفة نسبياً.
كما يشير تقرير صادر عن إدارة الشؤؤن الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة إلى أن العديد من المجتمعات الرقمية تعاني من ضعف معدلات استخدام الإنترنت والحاسوب الشخصي، نتيجة ضعف الثقافة من جهة، وغياب الوعي اللازم لاستخدامات الحاسوب من جهة أخرى.