المساعدات الخليجية للأردن أقل من التوقعات... جرعة قروض وضمانات

11 يونيو 2018
هل تفلح المساعدات في تهدئة الشارع الأردني؟ (شادي نسور/الأناضول)
+ الخط -
جاءت المساعدات الخليجية للأردن أقل من التوقعات بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة منها عبارة عن قروض وودائع، وسط تأكيدات على أن هذه المساعدات مسكنّات مؤقتة ولن تساهم سوى بنسبة ضئيلة في تحريك الأوضاع المالية المتأزمة، حسب المحلل الاقتصادي حسام عايش وفق تصريحات لـ"العربي الجديد".

وقال نائب رئيس الوزراء الأسبق، جواد العناني، إن حزمة المساعدات الاقتصادية المقرة من قبل السعودية والكويت والامارات بحجم 2.5 مليار دولار غير واضحة المعالم حتى الآن وتفصيلاتها غير معلنة، لكنه أشار إلى أن المساعدات الموجهة لدعم الموازنة ستبلغ حوالي مليار دولار وبواقع 200 مليون دولار سنويا وأن حجم الوديعة سيبلغ مليار دولار لكن الأردن لن يستفيد منها بالشكل المطلوب كون "البنك المركزي" يمتلك حجم احتياطي مريح من العملات الأجنبية.

وأضاف العناني أن ضمانة القروض من البنك الدولي يساعد الأردن صحيح على الاقتراض ولكن هي في المحصلة ديون على البلاد يجب سدادها بعد سنوات.

وأشار إلى أن المبلغ الذي سيصل الأردن من الدول الثلاث كمنح لن يتجاوز مليار دولار على مدى خمس سنوات والباقي وديعة وتسهيل الاقتراض.

وقال العناني من المحتمل أن يحصل الاردن على مساعدات دولية خلال الفترة المقبلة ولكن المهم أن يتم التركيز على توجيه الاستثمارات الأوروبية وغيرها للأردن حتي تكون هناك تنمية اقتصادية حقيقية.

وفيما إذا كانت حزمة المساعدات لشراء مواقف سياسية قال العناني هذا الأمر غير وارد وذلك لتواضع حجم المنحة التي ستوجه للخزينة وهو مبلغ سيقدم للاردن من باب التعاطف فقط ولا ينطوي على تغيير المواقف السياسية مستقبلا.

ومن جانبه، قال مسؤول أردني لـ "العربي الجديد" إنه لم ترد إلى بلاده أي تفصيلات بشأن حزمة المساعدات الاقتصادية التي أعلنت عنها، السعودية والكويت والإمارات، أمس، بحجم 2.5 مليار دولار.

لكن المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أكد أنه رغم أهمية المساعدات إلا أنها ووفقا للملامح التي اتضحت حتى الآن جاءت أقل من التوقعات خاصة، وأنها ليست عبارة عن منح بالكامل حيث أن بعضها سيحول كوديعة في البنك المركزي الأردني لدعم الدينار الأردني، وجزءا كضمانات للبنك الدولي وبعض المبالغ ستخصص لدعم الخزينة مباشرة على مدى 5 سنوات.

وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز قد دعا إلى اجتماع في مكة المكرمة، أول من أمس، ضم أيضا ملك الأردن عبد الله الثاني وأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح ونائب رئيس الإمارات محمد بن راشد آل مكتوم، وذلك لبحث أزمة الأردن الاقتصادية وآليات تقديم الدعم.
وحسب بيان صدر في ختام الاجتماع، فقد تعهدت الدول الثلاث بتقديم حزمة من المساعدات الاقتصادية للأردن يصل إجماليها إلى مليارين وخمسمائة مليون دولار أميركي، تتمثل في وديعة في البنك المركزي الأردني وضمانات للبنك الدولي لمصلحة الأردن ودعم سنوي لميزانية الحكومة الأردنية لمدة خمس سنوات وتمويل من صناديق التنمية لمشاريع إنمائية.

وتوقع المسؤول الأردني أن يبلغ حجم الوديعة المرتقبة بما يتراوح بين 750 الى مليار دولار، وذلك لدعم الدينار الأردني.



وقال المسؤول إنه في حال عدم إتمام قانون ضريبة الدخل العام الحالي الذي يأتي كشرط من قبل صندوق النقد الدولي لإتمام برنامج الاستعداد الائتماني، فإن قدرة الأردن على الاقتراض ستكون أقل مع احتمال تراجع تصنيفه الائتماني، وبالتالي فإن ضمانة الدول الثلاث للبنك الدولي ستساعد الحكومة على الاقتراض.

وفيما يتعلق بدعم الميزانية قال إنه من المتوقع أن يبلغ 200 مليون دولار سنويا بحيث يصل إلى مليار دولار خلال خمس سنوات، مشيرا إلى أن الأردن كان يتلقى دعما من السعودية بهذا المبلغ (أي 200 مليون دولار) كمساعدات عسكرية إلا أنه توقف منذ عامين.

وبين أنه بحسب ما أعلن من قبل الدول الثلاث، فسيتم تمويل بعض المشاريع التنموية في الأردن بإشراف من تلك الدول على غرار ما تم في المنحة الخليجية السابقة التي وجهت لمشاريع وبمتابعة من قبل المساهمين في المنحة.

وقال المسؤول الأردني إن تلك المساعدات وإن كنا لا نقلل من أهميتها إلا أنها لن تسهم في حل المشكلة الاقتصادية القائمة في الأردن بشكل كبير، مشيرا إلى أن الحكومة الجديدة ستمضي في إقرار قانون جديد للضريبة، ولكن بعد التحاور حوله مع مختلف القطاعات.

واستنادا إلى تصريحات المسؤول الأردني فإن الحكومة لا تستطيع التراجع عن قانون الضريبة أو القرارات الاقتصادية التي اتخذتها العام الحالي من زيادة ضرائب وأسعار سلع، وإلغاء الدعم عن الخبز والارتفاعات المتوالية على أسعار الكهرباء والمحروقات، الأمر الذي تسبب في اندلاع احتجاجات ضخمة خلال الفترة الأخيرة.
وبشأن مدى التزام الدول الثلاث بحزمة هذه المساعدات لم يخف المسؤول خشيته من أن تكون هذه المساعدات مرهونة بالعلاقات بين الأردن والسعودية والتطورات والمواقف السياسية في المنطقة، بيد أن الدول الثلاث التزمت سابقا بالمنحة الخليجية التي خصصت لدعم الأردن، وانتهى العمل بها قبل عامين تقريبا إلا أن الظروف والمعطيات الحالية اختلفت تماما الآن.

وتراجعت معدلات النمو في الأردن في آخر 5 سنوات إلى حوالي 2.1% بعد أن تجاوزت قبل ذلك 6%، فيما ارتفعت نسبة الفقر إلى 20% بحسب تقديرات رسمية وبلغت البطالة 18.4% خلال الربع الأول من العام الحالي.

كما ارتفعت المديونية العامة للبلاد بشقيها الداخلي والخارجي إلى حوالي 39 مليار دولار، وانخفضت المساعدات الخارجية التي كان يتلقاها الأردن لدعم برامجه الإصلاحية، إضافة إلى تحمله أعباء استضافة أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري.

وقد تدخل عبد الله الثاني لنزع فتيل الأزمة في بلاده، حيث وجه حكومة هاني الملقي لإلغاء قرار اتخذته لرفع أسعار المحروقات نهاية الشهر الماضي ثم أقالها بناء على ضغوطات الشارع التي اعتبرها سببا في تأزيم الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

وبادر رئيس الحكومة الجديد عمر الرزاز إلى الإعلان مبكرا عن سحب قانون الضريبة من مجلس النواب الأسبوع الحالي بعد أدائه ووزرائه القسم الدستوري، كما أعلن عن صرف رواتب الشهر الحالي قبل عطلة عيد الفطر المبارك، بعدما أشار وزير المالية السابق عمر ملحس إلى احتمالية مواجهة عجز في صرف الرواتب خلال الأشهر المقبلة.

المحلل الاقتصادي حسام عايش اتفق مع المسؤول الأردني حول أن حجم المساعدات جاء أقل من التوقعات، إذ أنها أقل بكثير من المنحة الخليجية التي خصصت للأردن قبل أكثر من 7 سنوات، إلا أن برنامج المساعدات الجديد سيعطي الحكومة الجديدة برئاسة عمر الرزاز انطلاقة هادئة خلال الفترة المقبلة وربما لن تدفعها لزيادة الضرائب والأسعار إلا على بعض القطاعات والابتعاد عن المواطنين.

وأضاف عايش لـ"العربي الجديد" أن المطلوب في هذه المرحلة العمل على تحسين الاقتصاد من الداخل، موضحاً أن المعونات الخارجية يجب أن تكون عوامل مساعدة فقط. ولفت إلى أن برنامج المساعدات الخليجية المعلن لا يشكل رافعة للاقتصاد الأردني، وإنما يمكّن الحكومة من تجاوز بعض الأوضاع لمرحلة مؤقتة.
ولا يستبعد عايش أن يعود الأردنيون إلى الشارع مستقبلا إذا لم تتسحن الأوضاع الاقتصادية، وفي حال إقرار مزيد من الضرائب وزيادة الأسعار سيما وأن المواطنين أصبحت لديهم الخبرة الكافية بتنظيم وادارة الاحتجاجات في الميدان.

وكانت السعودية والإمارات والكويت قد قدمت للأردن مساعدات بحجم 3.75 مليارات دولار في إطار الصندوق الخليجي لدعم الجانب الأردني ولم يتم تجديد المنحة رغم انتهائها قبل عام وذلك لخلافات سياسية بين عمّان والرياض. ولم تقدم الدول الثلاث أي مساعدات مالية للأردن في آخر عامين بحسب المسؤول الأردني.

وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش لـ"العربي الجديد" إن الدعم الاقتصادي المتوقع من الدول الخليجية الثلاث وخاصة من السعودية لا بد وأن يكون خلفه طلب مواقف سياسية معينة الا أن للأردن مواقف واضحة تماما من بعض القضايا وخاصة صفقة القرن والتسويات السياسية في المنطقة.

ولم يستبعد مسؤول أردني في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد" أن يكون الدعم من قبل هذه الدول لبلاده في هذا الوقت يأتي في إطار محاولة احتواء الأردن سياسيا، وخاصة بعد الخلافات بينه وبين السعودية على عدد من الملفات الإقليمية، وخاصة ما يتعلق بعدم موافقة الأردن المشاركة بالتحالف العربي للحرب في اليمن وتحفظات السعودية على الولاية الهاشمية على المقدسات في القدس.

وكان العاهل الأردني رفض طلبا سعوديا بعدم المشاركة في القمة الإسلامية التي انعقدت في إسطنبول في ديسمبر/ كانون الأول الماضي للتباحث في قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها.

وحسب المسؤول الأردني، فإن ما يعزز تقديم الدول الخليجية الثلاث دعما اقتصاديا للأردن هو خشيتها من اندماج الأردن بتحالفات إقليمية، وخاصة بعد مصافحة العاهل الأردني للرئيس الايراني حسن روحاني في القمة الإسلامية التي انعقدت في إسطنبول الشهر الماضي، ما فسر على أنه مؤشر على إمكانية تقارب أردني إيراني.