صراع الطاقة بين واشنطن وموسكو هل يقود العالم إلى كارثة؟

22 مارس 2018
صراع الغاز بين واشنطن وموسكو يصل إلى مرحلة التهديد(Getty)
+ الخط -

دخل صراع الغاز الطبيعي ومشاريعه الحيوية في أوروبا على خط أزمة توتر العلاقات بين روسيا وبريطانيا التي أشعلها تسميم الجاسوس المزدوج سيرغي سكريبال وابنته.

وفي أول ردود الفعل الأميركية القوية، حذّرت الولايات المتحدة الشركات الأوروبية من أنها ستواجه عقوبات في حال مشاركتها في إنشاء مشروع الغاز الروسي (نوردوم 2) الذي يمرّ عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا، وذلك وفقاً لتصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر نورت، يوم الثلاثاء الماضي.

وقالت نورت "نعتقد بأن مشروع نوردوم 2 يقوض الاستقرار وأمن الطاقة الأوروبي، وأن المشروع يمنح موسكو أداة ضغط على الدول الأوروبية، خاصة دولاً مثل أوكرانيا".

يذكر أن روسيا ظلّت لسنوات طويلة المغذي الرئيسي لأوروبا بالغاز الطبيعي، وتشكّل الإمدادات الروسية لأوروبا بالغاز نسبة تراوح بين 30 إلى 35% حالياً، ولكنها بلغت نسبة 40% في الأعوام التي سبقت ضم روسيا إلى شبه جزيرة القرم.

ومشروع (نوردوم ستريم 2) عبارة عن صفقة مشتركة بين شركة غاز بروم الروسية ومجموعة من الشركات الأوروبية التي تشترك في صفقة تنفيذه، ولكنها تواجه عقبات سياسية.

والمشروع عبارة عن مدّ مجموعة أنابيب لنقل الغاز تمرّ تحت بحر البلطيق من روسيا إلى ألمانيا، لمضاعفة حجم الغاز الروسي إلى ألمانيا البالغ حالياً 55 مليار متر مكعب.

وبهذا المشروع سيصبح إمداد الغاز الروسي لألمانيا 110 مليارات متر مكعب. والشركات الألمانية حريصة على هذا المشروع، وسط التوسع الذي تشهده الصناعة الألمانية والتحسن الكبير في الاقتصاد الألماني منذ بداية العام الماضي، إذ خرجت منطقة اليورو من أسوأ موجة ركود مرت بها منذ عام 2011.



وقالت نورت إن الولايات المتحدة يمكنها فرض مجموعة من العقوبات، من بينها الحظر وحرمان الشركات الأوروبية من المشاريع التي تكون واشنطن طرفاً فيها.

وحتى الآن نجحت الضغوط السياسية الأميركية على حلفائها في الاتحاد الأوروبي في اغتيال عدد من مشاريع الغاز الناجحة لتلبية احتياجات دول القارة الأوروبية من حيث الجدوى الاقتصادية، في وقت تنتعش فيه منطقة اليورو اقتصادياً وترتفع فيها احتياجات الغاز الطبيعي كمصدر نظيف لتوليد الطاقة والتدفئة.

لكن في مقابل هذه التهديدات والحرص الأميركي على الأمن الأوروبي، يرى خبراء لنشرة "أويل برايس" أن الهدف وراء ضغط واشنطن على الشركات الأوروبية ودولها، بعدم مد مزيد من أنابيب الغاز الروسية إلى أوروبا، ينبع من خدمة واشنطن لمصالح الشركات الأميركية التي تتاجر بالغاز عالمياً، بعد ثورة الغاز الصخري.

وتعدّ أوروبا من أهم أسواق الغاز الطبيعي في العالم، وترغب الشركات الأميركية في غزو هذا السوق، ولكنها تجد صعوبة في منافسة الغاز الروسي الرخيص نسبياً.

وتُثير أنابيب نقل الغاز الروسي إلى قارة أوروبا العديد من الخلافات داخل دولها، إذ تفضل الشركات الأوروبية وبعض الدول مواصلة التوسّع في استخدام الغاز الروسي، لأسباب اقتصادية بحتة، من بينها رخص كلفة استيراد الغاز الروسي واستدامة الإمدادات، لأن روسيا تملك أكبر احتياطات عالمية من الغاز الطبيعي، مقارنة باحتياطات الغاز الصخري التي قد لا تدوم لأكثر من عقد من الزمان.

لكن دولاً حليفة لواشنطن ترى ضرورة تقليل الاعتماد على الغاز الروسي. وتقف بعض الدول في الوسط، مثل فرنسا، التي ترى أن ضمان أمن الطاقة في أوروبا يجب أن يخضع للمصلحة البحتة بدون اعتبارات سياسية.

وبحسب تقارير أميركية، يلعب هذا الخلاف الأوروبي الداخلي وتوتر العلاقات بين موسكو وواشنطن دوراً كبيراً في تحديد الجهة التي يتم استيراد الغاز منها، بدون النظر إلى الجدوى الاقتصادية.

لكن في المقابل، يقول محللون إن واشنطن تضخّم كثيراً من التأثير الروسي في القرار الأوروبي. وكان وزير الخارجية الأميركي السابق، ريكس تيلرسون، قد أعرب في مؤتمر صحافي عقد في وارسو في يناير/ كانون الثاني الماضي، بعد لقائه رئيس وزراء بولندا ماتيوش مورافيتسكي، عن تأييد بلاده لموقف بولندا المعارض لمشروع "السيل الشمالي 2". وقال إنه يهدد أمن واستقرار الطاقة في أوروبا، إذ إن روسيا يمكن أن تستخدم الطاقة كأداة سياسية.



في هذا الصدد، أشار محللون لنشرة "أويل برايس"، إلى أن السياسة، وليس الجدوى الاقتصادية، هي التي تحدد مشاريع أنابيب الغاز الجديدة المخطط لها لإمداد أوروبا بالغاز الطبيعي. ويرون أن الصراع السياسي بين واشنطن وموسكو ينعكس بشكل سلبي على استراتيجية أمن الطاقة الأوروبي.

وبحسب تقرير سابق لوكالة رويترز، تتواصل الزيادة في إمدادات الغاز الروسي لأوروبا. وقال أليكسي ميلر، رئيس شركة "غازبروم" الروسية، في بيان، إن صادرات روسيا من الغاز إلى أوروبا وتركيا زادت 8.1% إلى مستوى قياسي مرتفع بلغ 193.9 مليار متر مكعب في 2017، على الرغم من جهود الاتحاد الأوروبي لخفض الاعتماد على الطاقة الروسية. 

وتورد "غازبروم" أكثر من ثلث كميات الغاز التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي. لكن المفوضية الأوروبية دعت الدول الأعضاء في الاتحاد إلى تقليص الاعتماد على الطاقة الروسية، بعد أن ضمت موسكو شبه جزيرة القرم في عام 2014 من أوكرانيا، ووسط خلاف بشأن تسليمات الغاز بين كييف وموسكو شهد تقليص "غازبروم" للإمدادات.

وقال ميلر، في بيانه عن صادرات شركة غازبروم لأوروبا من الغاز: "الاتجاه الصعودي للبيانات القياسية المرتفعة للعام الثاني على التوالي يظهر من ناحية زيادة في الطلب على الغاز الروسي في أوروبا، ومن ناحية أخرى يضمن إمدادات بالكميات اللازمة".

وقالت "غازبروم" إن تسليمات الغاز لألمانيا، أكبر زبائنها، قفزت 7.1% إلى 53.4 مليار متر مكعب العام الماضي، وهو مستوى قياسي مرتفع.

ورفعت شركة "غازبروم" من إنتاج الغاز بنسبة 12.4% في 2017 إلى ‭‭‭‭471‬‬‬‬ مليار متر مكعب، وذلك ضمن استراتيجية روسية للسيطرة على أسواق الطاقة العالمية.

ولتضمن حصتها في السوق الأوروبي، وافقت "غازبروم" على صفقات سعرية مع زبائن كبار في أوروبا، كما رضخت لقواعد الاتحاد الأوروبي التي كانت تستهين بها يوماً ما. وقالت مصادر في "غازبروم" إنها استخلصت دروساً من هزائم منيت بها في الآونة الأخيرة في سوق الغاز الأوروبي.

ورفضت ليتوانيا، التي بدأت استيراد الغاز الطبيعي المسال من النرويج في 2014، وأصبحت أول دول الاتحاد السوفييتي السابق التي تشتري الغاز الطبيعي الأميركي في أغسطس/ آب، تجديد عقدها في 2015.

يقول محللون إن "غازبروم" تواجه مزيداً من المشاكل، إذ ينتهي أجل عقودها الكبيرة طويلة الأجل خلال الفترة بين 2021 و2035. وقالت بولندا، وهي من بين زبائن الغاز الروسي منذ عام 1944، إنها لن تجدد عقدها عندما ينتهي في عام 2022.

وتصدر "غازبروم" الغاز الذي تنقله عبر خطوط الأنابيب باتجاه الغرب فقط، وتخطط لبدء بيع الغاز إلى الصين باتجاه الشرق في ديسمبر/ كانون الأول 2019، بأحجام سنوية تصل في ذروتها إلى 38 مليار متر مكعب عبر خط أنابيب "باور أوف سيبيريا" الذي ما زال قيد الإنشاء.

وفي آسيا، تواجه "غازبروم" منافسة من "نوفاتك"، أكبر شركة للغاز غير مملوكة للدولة في روسيا، التي بدأت بيع الغاز الطبيعي المسال المنقول بحراً من مشروعها "يامال" للغاز الطبيعي المسال الشهر الماضي. 
المساهمون