أزمة الدواء... السودانيون يعانون بعد تحرير الأسعار

10 نوفمبر 2018
أزمات متلاحقة تواجه السودانيين (فرانس برس)
+ الخط -
أعلنت الحكومة السودانية في مطلع الشهر الماضي عن آلية جديدة لتحديد سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وأطلقت على هذا الإجراء تسمية "آلية صنّاع السوق"، التي تقوم على إعلان سعر الصرف بصورة يومية من قبل "اتحاد المصارف السودانية"، بغية تحديد السعر الواقعي للجنيه... ومنذ ذلك الحين، بدأت أزمة الدواء تتسع، وسط انفلات  الأسعار وفقدان العديد من الأدوية من الصيدليات. 

ومع تحديد اتحاد المصارف سعر صرف الجنيه بـ 47.5 أمام الدولار، تطالب شركات الاستيراد  بتدخل المجلس القومي للأدوية والسموم، لمطالبة البنك المركزي بالإبقاء على السعر التأشيري السابق الذي كان معتمداً في استيراد الأدوية والمحدد بـ 30 جنيهاً.

إلا أن محافظ بنك السودان المركزي محمد خير الزبير أكد في تصريحات صحافية أن استيراد الدواء سوف يتم عبر آلية صناع السوق، موضحاً أن الأدوية في الأساس كانت تستورد بسعر 30 جنيهاً وكذا في السوق الموازية، وبالتالي لن يحدث تغييراً كبيراً.

لكن في الواقع، ارتفعت أسعار بعض أصناف الأدوية بنسبة وصلت إلى 60 في المائة و100 في المائة، من بينها الأدوية النفسية والعصبية وقطرات العيون وأدوية الجهاز الهضمي.

وكان البنك المركزي يدعم الأدوية من الصادرات غير البترولية بنسبة 12 في المائة، ومع وقف الدعم، فقد العديد من الأدوية من الأسواق، منها تلك المصنفة "منقذة للحياة"، ما فاقم من مشكلات المرضى.

وشكا مرضى لـ "العربي الجديد" عجزهم عن صرف الوصفات الطبية لانعدام الأصناف التي يبحثون عنها، منها عدم توفر بعض مقاسات قساطر الغسيل الكلوي، وانعدام أدوية التيتانوس (تلوث الجروح) في جميع الصيدليات فضلاً عن ارتفاع أسعار أدوية الضغط بصورة كبيرة جداً خاصة عقار (أنترستو)، وقالوا إن أدوية الأمراض النفسية ظلت تتأرجح بين الوفرة والانعدام من جهة، وارتفاع الأسعار من جهة أخرى.

رسوم وتراكم للمشكلات

فقد تركت السلطات السودانية الباب مشرعاً لشركات الأدوية لتتصرف بتوفير الدولار من السوق السوداء، في حين فرضت على موردي الأدوية رسماً يصل إلى 15 في المائة، ثم يأتي الصيدلي بدوره ليفرض رسوماً بين 20 إلى 24 في المائة.

ومع تحكم السوق السوداء بالدولار، ارتفعت أسعار الدواء بنسبة فاقت الـ 100 في المائة قبل تحرير سعر الصرف، لتعاود الارتفاع بعد إقرار الإجراء الأخير.

وقال الصيدلي عز الدين الشيخ لـ "العربي الجديد" إن مشكلة الدواء ليست حديثة عهد، بل إن ما طرأ على الاقتصاد السوداني ككل انسحب أيضاً على سوق الدواء، "فقد ارتبطت المشكلة بانفصال الجنوب، وما تبع ذلك من فقدان السودان موارد البترول الذي أثر على الإيرادات العامة.

وقبل الانفصال أحجمت الدولة ممثلة بوزارة المالية والبنك المركزي تماماً عن مد شركات الأدوية بالعملة الصعبة لفتح اعتماد استيراد الدواء، ومن هنا جاء اتهام الحكومة بدفع شركات الأدوية للتعامل مع السوق السوداء، أما التداعيات فتمثلت بارتفاع الأسعار وإغلاق عدد من الصيدليات".

وتوقع الصيدلي محمد صالح عشميق لـ"العربي الجديد" أن يمضي الوضع إلى الأسوأ بعد تحرير سعر الصرف، لا سيما أن عدداً من الشركات لا يستطيع الاستيراد بعد اعتماد آلية السوق لتحديد سعر الدواء، ما ينعكس ارتفاعاً بديهياً للأسعار.

وأضاف أن البنك المركزي كان يعتمد سعر صرف الدولار عند 30 جنيهاً بالنسبة لشركات استيراد الدواء، لكن بعد تحرير العملة أصبحت هذه السلعة الأساسية تحت رحمة السوق".

وأوضح أن الدواء ليس سلعة عادية، وإنما لها خصوصية وتأثيرها مباشر على صحة المواطن، واعتبر أن حل أزمة الدواء يرتبط بتحديد الدولة دولار الدواء بسعر معقول، وإلا ستستكمل الأزمة فصولها.

وقال عشميق، إن الذي تسبب في مشكلة الدواء حالياً هو سعر الدولار المحدد وفق آلية السوق بـ 47.5 جنيهاً، مؤكداً أن الأدوية يفترض أن تكون مسعرة من قبل المجلس القومي للأدوية والسموم.

كما لفت إلى أن شركات الأدوية تعاني من سعر الصرف والشح الموجود بالأسواق، واعتبر أن التخبط في السياسات الحكومية هو الذي جر سوق الدواء إلى هذا الانحدار.

وتوقع أن تزيد أسعار الدواء بنسبة 60 في المائة إضافية خلال الفترة المقبلة، مؤكداً عدم وجود أي نوع من الرقابة على الأدوية، ووجود أشخاص دخلاء على المهنة.

احتكار وتجفيف للأسواق

أما الصيدلانية سلمى العلا فاعتبرت أن البلاد تعاني من احتكار شركات محددة لسوق الدواء وتمتنع عن توزيع بعض الأصناف طمعاً بزيادة الأرباح وفق سعر صرف الدولار. وكانت الشركات قد طالبت المجلس القومي للأدوية والسموم بأن يحدد لها سعراً يختلف عن المعتمد في السوق إلا أنه لم يتمكن من ذلك.

"يبدو أن مافيا الدواء هي المسؤول الأول عن تجفيف الصيدليات من بعض أصناف الأدوية، سيما أن عدداً من شركات الأدوية وبفعل تأرجح الدولار وعدم ثباته ظل يحتكر بعض الأصناف في المخازن" وفق قول الخبير الاقتصادي عز الدين طلب.

إذ مع توقف الكثير من الشركات عن استيراد الأدوية، تزداد المخاوف من أن تكون الأدوية الموجودة بمخازن الشركات غير كافية للاستهلاك، خاصة أن الاستيراد يحتاج إلى شهر أو شهر ونصف لتوفير الأدوية التي شحت في الأسواق. 

غير أن شركات الأدوية والصيادلة ظلوا على حد سواء يتهمون الحكومة بالتسبب في ارتفاع أسعار الدواء. كما اتهم أصحاب الصيدليات الحكومة بأنها تشجع شركات الأدوية وتدفعها للتعامل بالسوق السوداء. وكانت النتيجة: تجفيف الصيدليات من الأدوية.

إذ بدلاً من أن تتلقى الصيدليات طلبين من الأدوية في اليوم الواحد من الشركات، أضحت الأخيرة لا توفر سوى طلب واحد خلال الشهر. لا بل بقيت 50 في المائة فقط من الشركات تغذي الصيدليات بالأدوية بسبب مشكلة ارتفاع الدولار.

وقال الدكتور ناصر حسن مدير شركة عبد المنعم للأدوية لـ "العربي الجديد" إن هنالك خيارين أمام الحكومة إما أن تدعم الشركات بالدولار في حدود 30 جنيهاً، أو تتركه وفق الآلية الجديدة وفي المقابل سترتفع الأسعار.

ولفت إلى أن السودان يستورد أدوية بقيمة 350 مليون دولار سنوياً، وتستطيع الحكومة خفض سعر الدولار للاستيراد وفقاً للسعر التأشيري السابق، لحل الأزمة القائمة.

وأكد خبراء أن مشكلة الدواء لن تُحسم ما لم تحدد تسعيرة للدواء من قبل المجلس القومي للصيدلة والسموم.

وشددوا، لـ "العربي الجديد"، على ضرورة حل مشكلة الدولار وتوفيره بسعر يتناسب مع استمرار تدفق الواردات الدوائية، كونها من السلع الاستراتيجية، قائلين إن المستوردين ثابتون على موقفهم بألا يوفروا أدوية في ظل عدم استقرار الدولار، ما سيزيد من الأزمة.

وشرح الخبير الاقتصادي الدكتور عادل عبد المنعم أن الدواء سلعة حساسة جداً، ومعظم الشعب السوداني فقير ودخله محدود، وإخضاع الدواء لآلية السوق سيجعله سلعة نادرة ولا تكون في متناول الجميع، ليصبح محصوراً في الأثرياء والمترفين. وشدد على أهمية أن يكون صرف العملة بالسعر الرسمي ويخفض لشركات استيراد الأدوية. 

المساهمون