تونس تعاني تهريب السلع المدعمة...واختفاء زيت الطعام من الأسواق

01 أكتوبر 2017
ارتفاع الأسعار يزيد أعباء التونسيين(Getty)
+ الخط -
منذ أكثر من أسبوع ينتظر صاحب محل البقالة، فتحي عزيز، في حي سيدي حسين الشعبي بتونس العاصمة، أن يمر تاجر الجملة لتزويده بكميات من زيت الطعام المدعم، الذي بات المواطنون يجدون صعوبة في الحصول عليه، بينما أضحى سلعة رائجة لدى المحتكرين والمهربين الذين يوجهونه نحو المطاعم والمنشأت الفندقية واستعمالات صناعية.
يقول عزيز الذي التقته "العربي الجديد" إن "لوبي الزيت أصبح مسيطرا على كل مسالك التوزيع، بينما هناك ضعف في المراقبة الحكومية، وأصبحت الطبقات الفقيرة مجبرة على شراء المنتجات غير المدعمة بفارق سعر يصل إلى دينارين (0.8 دولار) للتر الواحد".

ويتوقع التاجر التونسي أن يطاول الاحتكار والتهريب مواد جديدة، بينما تتأهب الحكومة لتقليصالدعم الموجه لها على غرار السكر الذي سيسوق قريبا في أشكال معلبة مع رفع سعره بنسبة لا تقل عن 40%.
وبالرغم من أن أزمة محاصرة المواد المدعمة تعود إلى ما قبل عام 2011، إلا أن ارتباك وتفكك نظم الرقابة في السنوات الأخيرة، أدى إلى تضخم السوق السوداء بشكل كبير.
وتشمل قائمة المواد المدعمة التي يعتمد عليها المهربون في تجارتهم الزيت والسكر والحليب، حيث يلهب الطلب على هذه المواد خارج الحدود مطامع المهربين، ما يكبد الدولة خسائر كبيرة، بعد أن عجزت على احتواء هذه الظاهرة وتوجيه الدعم نحو مستحقيه.

ومنذ عام 2010 تضاعفت مخصصات "الصندوق العام للتعويض"، الذي تمول الحكومة عبره المواد المدعمة من 730 مليون دينار (304 ملايين دولار) إلى 1.6 مليار دينار (668 مليون دولار) خلال العام الحالي 2017، وفق بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي.
وتمثل ميزانية الصندوق 1.7% من الناتج الداخلي الخام للبلاد و5% من ميزانية الدولة ونحو 26% من نفقات الاستثمار، فيما لا تتجاوز نسبة انتفاع الأسر الضعيفة والمتوسطة بالدعم 12%.

ويقول محمد عيفة، مدير عام المراقبة والابحاث الاقتصادية بوزارة التجارة، إن هناك تراكما في الأخطاء المتعلقة بمنظومة الدعم، حيث مكنت الثغرات القانونية وضعف المراقبة من خلق نسيج من المحتكرين والمهربين، الذين حرموا الفقراء من حقهم في الدعم الحكومي للغذاء.
ويضيف عيفة في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن تفاقم ظاهرة تهريب السلع المدعمة بات يستدعي استنفارا على مستوى الحكومة للحد من استنزاف الموارد المالية للبلاد، مشيرا إلى أن الحكومة بصدد ضبط خطة جديدة لإحكام التصرف في الدعم تقوم على ضبط قائمة المستحقين وتعويضهم مباشرة.

ويلفت إلى أن التلاعب في المواد الغذائية المدعمة وتهربيها أو احتكارها لبيعها بأسعار مرتفعة، يبدأ من دائرة بعض الوسطاء والتجار الذين يستفيدون من الحصول على كميات كبيرة من المصانع مباشرة، ليقع تخزينها في مستودعات كبرى للتصرف فيها لاحقا بالبيع إما خارج الحدود أو للمطاعم والنزل (المنشات الفندقية) في غياب المراقبة والمحاسبة بهدف مراكمة الأرباح.
وتسعى الحكومة التونسية إلى الإبقاء على أسعار كل المواد المدعمة مجمدة، خشية تأثيرها على الظروف المعيشية لللأسر الفقيرة والتخفيف كذلك من الاحتقان الاجتماعي، خاصة في ظل تزايد الأعباء مع ارتفاع أسعار السلع وتراجع قيمة صرف الدينار.

وفي خطابه الأخير أمام البرلمان قال رئيس الحكومة يوسف الشاهد، إن الحكومة لن تنتظر انتهاء الدراسات الخاصة بإصلاح منظومة الدعم وستقوم بتخفيف أعباء الدعم الموجه إلى عدد كبير من المواد الاستهلاكية، مع الحفاظ على ذهابه إلى مستحقيه.
ويخشى الكثير من التونسيين من تخلص الحكومة من دعم السلع بناء على توصيات صندوق النقد الدولي، الذي يربط بين هذه الخطوة وبين منح تونس قروضا جديدة.

وتسعى الحكومة إلى فرض ضرائب جديدة وزيادة النسب الحالية، مطلع العام المقبل (2018)، لتعزيز إيراداتها المالية، أمام ضعف مؤشرات النمو الحالية، وتفاقم العجز التجاري، والتراجع المستمر للدينار التونسي.
ويقترح مشروع الموازنة العامة لسنة 2018 زيادة في الضرائب، ويشمل ذلك ضريبة القيمة المضافة، والضرائب على الأجور والدخل، إلى جانب إقرار مساهمة اجتماعية عامة توظف على الدخل.

ويرى محسن حسن، وزير التجارة الأسبق بحديثه لـ "العربي الجديد"، أن إصلاح منظومة الدعم يندرج في إطار إصلاح اقتصادي شامل يوقف نزيف التهريب والسوق السوداء، واستيعابها تدريجيا ضمن الاقتصاد الرسمي.
ويتوقع أن تقوم الحكومة بمراجعة أسعار بعض المواد المدعمة في إطار توصيات صندوق النقد الدولي، معتبرا أن ذلك سيتم دون التخلى عن الدعم بصفة كلية.


المساهمون