في إطار مخطط رؤية السعودية 2030 تم اعتماد استراتيجية التنوع الاقتصادي، وشغل محور النشاط السياحي جانبًا مهمًا كأحد عناصر تنوع الإيرادات للاقتصاد السعودي بجوار النفط، ويلاحظ أن السعودية بحكم وجود الحرمين الشريفين تتمتع بميزة احتكارية تتعلق بالمكان، حيث تعد اقتصاديات الحج والعمرة من مظاهر السياحة الدينية، والتي تمثل رقمًا مهماً في عوائد القطاع الخدمي بالمملكة، خاصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
لكن التوجه الجديد للسعودية في المجال السياحي يتجه نحو السياحة الترفيهية والثقافية، وكان آخر المشروعات المعلن عنها، "جزر البحر الأحمر" والذي يستهدف تطوير أكثر من 50 جزيرة طبيعية بين مدينتي أملج والوجه، بالتعاون مع شركات عالمية في مجال الضيافة والفندقة.
ولا تعد التجربة السعودية في مجال التوسع السياحي الأولى بمنطقة الخليج، لكن سبقتها بعقود تجربة دبي، والتي تعد من أبرز التجارب في المنطقة، لكنها صنفت على أنها واحدة من أفشل التجارب التنموية، لما تضمنته من أداء مخالف للمقومات الطبيعية، وكشفت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 عن عورات القطاع السياحي للإمارات وتجربتها التنموية.
الواقع السياحي
وفق بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي، يلاحظ أن الميزان السياحي في صالح السياحة المغادرة من المملكة، وذلك وفق مؤشر حجم الإنفاق، فخلال الفترة من 2011 – 2016، وجدنا أن عجز الميزان السياحي ظاهرة دائمة، وكانت أكبر سنوات العجز السياحي سنة 2014، حيث بلغ العجز 25 مليار ريال، وكانت أقل الأعوام 2015 بنحو 2 مليار ريال فقط.
وتشير بيانات الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني إلى أن مساهمة قطاع السياحة تصل إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي وفق إحصاءات 2015، أما عن عدد المشتغلين بقطاع السياحة، فوفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء فإن أغلبهم من العمالة الوافدة، والتي قدر عددها في 2016 بنحو 426.8 ألف عامل، بينما السعوديون 142.7 ألف عامل. ومعنى ذلك أن الوافدين يمثلون قرابة 75% من إجمالي العاملين بالقطاع والبالغ عددهم 569.6 ألف عامل.
ويبين تحليل الإنفاق على السياحة المغادرة أن 65% من هذا الإنفاق وجه نحو بند العطلات والتسوق، بينما في تحليل الإنفاق الخاص بالسياحة الوافدة، تبين أن 65% منها موجه للأغراض الدينية. وهو ما يجعل السؤال المهم لمتخذ القرار السعودي بالتوجه لقطاع السياحة، من هو الجمهور المستهدف؟
تحديات التوجه الجديد
بلا شك أن التفكير في تنوع مصادر الاقتصاد السعودي شيء إيجابي، ولكن تبقى قضية اختيار الوسائل والأدوات المناسبة، التي تحقق أمرين، زيادة الموارد العامة للدولة من جهة، وفي نفس الوقت يكون لها مردود تنموي، حتى تتلافى التجربة سلبيات تجارب أخرى مماثلة في المنطقة، وأبرزها تجربة دبي.
أما عن تحديات توجه السعودية نحو التوسع في النشاط السياحي لجلب السياحة الوافدة فهي:
إشكالية التمويل
في ظل أزمة انهيار أسعار النفط، تكبدت السعودية تكلفة عالية تمثلت في سحب حوالى 200 مليار دولار من رصيد الاحتياطي الخارجي، وفي ظل استمرار الأزمة ، فإن الرصيد مرشح للمزيد من التراجع، وهو ما يؤثر سلبيًا على الوضع المالي وتقويماته.
ومن ناحية أخرى فإن مشروعًا سياحيًا في جزر بالبحر الأحمر ستكون تكلفته عالية، ورغم أن وسائل الإعلام لم تشر إلى تكاليف المشروع ولو بشكل مبدئي، لكنه سيكون بالتعاون مع شركات الإدارة المختصة في مجال الضيافة والفندقة، وفي الغالب تعتمد هذه الشركات على أن تكون حصتها ممثلة في الإدارة، وبالتالي ستتحمل السعودية النصيب الأكبر من التمويل، ولن يكون في هذه الحالة دور ملموس من قبل الاستثمار الأجنبي المباشر. وهو ما يتنافى مع التوجهات الجديدة لرؤية 2030، التي تعول بشكل كبير على دخول الاستثمار الأجنبي في مثل هذه المشروعات.
الجمهور المستهدف
يبقى المشروع بالصورة التي طرح بها، وبما تضمنته رؤية 2030 أن الجمهور المستهدف هو السائح الخارجي، والسائح المحلي الذي قيل أن التوجهات الجديدة تستهدف أن يبقى إنفاقه في الداخل من خلال السياحة الترفيهية.
وهذا التحدي يستلزم أمرين، الأول تغيير الصورة الذهنية لدى السائح الأجنبي عن المملكة، من كونها دولة محافظة، وأن مناخها لا يناسب السائح الغربي، من حيث ارتفاع درجات الحرارة ونسب الرطوبة. والثاني أن السائح المحلي يحتاج إلى تغيير قناعاته أن المشروعات الجديدة ستعوضه عن البلدان الأخرى بأبعادها الحضارية وثرائها من حيث السياحة الثقافية أو الشواطئ والجو المعتدل، فضلًا عن الكم الكبير من المنتجات الرخيصة التي تستهدف السائح في المقاصد السياحية الخارجية.
ارتفاع تكاليف الطاقة
في ظل الأجواء المناخية التي تظلل السعودية طوال العام، وبخاصة في أشهر الصيف، سيكون عامل تكلفة الطاقة في غاية الأهمية لهذه المشروعات، حيث ستخطط لكي توفر مساحات كبيرة مكيفة، فضلًا عن بعض الأنشطة التي ستزيد من استهلاك الطاقة. وخلال المرحلة المقبلة تتجه السعودية لتحميل المستهلك بالتكلفة الحقيقية للطاقة، وهو ما يجعل دراسات جدوى هذه المشروعات سلبية، وذات مردود اقتصادي ضعيف.
غياب الاستقرار الأمني
تعيش منطقة الشرق الأوسط تحديات كبيرة في المجال الأمني، في ظل الصراعات المسلحة، وبخاصة منطقة الخليج بعد دخول التحالف الخليجي في حرب اليمن، منذ مارس 2015، وهي حرب مفتوحة لم يظهر في الأفق سقف إغلاق ملفها، وهو ما يرفع من التكلفة الاقتصادية للمشروعات السياحية، بما يتضمنه ذلك من جعل هذه المشروعات بعيدة عن مرمى نيران الدول المتصارعة.
وإذا ما أضيف لعدم الاستقرار الأمني، عدم الاستقرار السياسي، في ضوء أزمة دول الحصار مع قطر، فإن التقويمات الخاصة بالبيئة العامة للمشروع ستكون شديدة السلبية. فالمنطقة وقعت في ما خطط لها من حالة عدم استقرار أمني على المدى المتوسط، إن لم يكن في المدى البعيد. وإذا أقدمت السعودية على تمويل هذه المشروعات بمفردها كقرار سياسي بعيدًا عن الضوابط الاقتصادية فسيكون ذلك إهدارًا للموارد، لا يتناسبوالوضع الاقتصادي للسعودية حاليًا، وخلال الفترة القادمة.
الدول المنافسة
ينافس السعودية في توجهاتها السياحية، دول خليجية، تنفذ نفس الأفكار ونفس المشروعات، كما هو الحال في الإمارات، وبعض منها في قطر ودول خليجية أخرى، أما من خارج الدول الخليجية، فهناك تركيا بما تملكه من مقومات سياحية كبيرة من حيث السعر والثروة السياحية المتنوعة، فضلًا عن أن دولًا أخرى بجوار تركيا استفادت من التجربة وبدأت في إعطاء مزايا، مثل سهولة الحصول على تأشيرة الدخول ومدة الإقامة التي تمتد لنحو 3 أشهر، وهذه المزايا جذبت جزءًا كبيرًا من السياحة الخليجية، حيث أصبحت زيارة تركيا من خلال برامج شاملة لدول أخرى، وأبرزها جورجيا.
اقــرأ أيضاً
ولا تعد التجربة السعودية في مجال التوسع السياحي الأولى بمنطقة الخليج، لكن سبقتها بعقود تجربة دبي، والتي تعد من أبرز التجارب في المنطقة، لكنها صنفت على أنها واحدة من أفشل التجارب التنموية، لما تضمنته من أداء مخالف للمقومات الطبيعية، وكشفت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 عن عورات القطاع السياحي للإمارات وتجربتها التنموية.
الواقع السياحي
وفق بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي، يلاحظ أن الميزان السياحي في صالح السياحة المغادرة من المملكة، وذلك وفق مؤشر حجم الإنفاق، فخلال الفترة من 2011 – 2016، وجدنا أن عجز الميزان السياحي ظاهرة دائمة، وكانت أكبر سنوات العجز السياحي سنة 2014، حيث بلغ العجز 25 مليار ريال، وكانت أقل الأعوام 2015 بنحو 2 مليار ريال فقط.
وتشير بيانات الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني إلى أن مساهمة قطاع السياحة تصل إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي وفق إحصاءات 2015، أما عن عدد المشتغلين بقطاع السياحة، فوفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء فإن أغلبهم من العمالة الوافدة، والتي قدر عددها في 2016 بنحو 426.8 ألف عامل، بينما السعوديون 142.7 ألف عامل. ومعنى ذلك أن الوافدين يمثلون قرابة 75% من إجمالي العاملين بالقطاع والبالغ عددهم 569.6 ألف عامل.
ويبين تحليل الإنفاق على السياحة المغادرة أن 65% من هذا الإنفاق وجه نحو بند العطلات والتسوق، بينما في تحليل الإنفاق الخاص بالسياحة الوافدة، تبين أن 65% منها موجه للأغراض الدينية. وهو ما يجعل السؤال المهم لمتخذ القرار السعودي بالتوجه لقطاع السياحة، من هو الجمهور المستهدف؟
تحديات التوجه الجديد
بلا شك أن التفكير في تنوع مصادر الاقتصاد السعودي شيء إيجابي، ولكن تبقى قضية اختيار الوسائل والأدوات المناسبة، التي تحقق أمرين، زيادة الموارد العامة للدولة من جهة، وفي نفس الوقت يكون لها مردود تنموي، حتى تتلافى التجربة سلبيات تجارب أخرى مماثلة في المنطقة، وأبرزها تجربة دبي.
أما عن تحديات توجه السعودية نحو التوسع في النشاط السياحي لجلب السياحة الوافدة فهي:
إشكالية التمويل
في ظل أزمة انهيار أسعار النفط، تكبدت السعودية تكلفة عالية تمثلت في سحب حوالى 200 مليار دولار من رصيد الاحتياطي الخارجي، وفي ظل استمرار الأزمة ، فإن الرصيد مرشح للمزيد من التراجع، وهو ما يؤثر سلبيًا على الوضع المالي وتقويماته.
ومن ناحية أخرى فإن مشروعًا سياحيًا في جزر بالبحر الأحمر ستكون تكلفته عالية، ورغم أن وسائل الإعلام لم تشر إلى تكاليف المشروع ولو بشكل مبدئي، لكنه سيكون بالتعاون مع شركات الإدارة المختصة في مجال الضيافة والفندقة، وفي الغالب تعتمد هذه الشركات على أن تكون حصتها ممثلة في الإدارة، وبالتالي ستتحمل السعودية النصيب الأكبر من التمويل، ولن يكون في هذه الحالة دور ملموس من قبل الاستثمار الأجنبي المباشر. وهو ما يتنافى مع التوجهات الجديدة لرؤية 2030، التي تعول بشكل كبير على دخول الاستثمار الأجنبي في مثل هذه المشروعات.
الجمهور المستهدف
يبقى المشروع بالصورة التي طرح بها، وبما تضمنته رؤية 2030 أن الجمهور المستهدف هو السائح الخارجي، والسائح المحلي الذي قيل أن التوجهات الجديدة تستهدف أن يبقى إنفاقه في الداخل من خلال السياحة الترفيهية.
وهذا التحدي يستلزم أمرين، الأول تغيير الصورة الذهنية لدى السائح الأجنبي عن المملكة، من كونها دولة محافظة، وأن مناخها لا يناسب السائح الغربي، من حيث ارتفاع درجات الحرارة ونسب الرطوبة. والثاني أن السائح المحلي يحتاج إلى تغيير قناعاته أن المشروعات الجديدة ستعوضه عن البلدان الأخرى بأبعادها الحضارية وثرائها من حيث السياحة الثقافية أو الشواطئ والجو المعتدل، فضلًا عن الكم الكبير من المنتجات الرخيصة التي تستهدف السائح في المقاصد السياحية الخارجية.
ارتفاع تكاليف الطاقة
في ظل الأجواء المناخية التي تظلل السعودية طوال العام، وبخاصة في أشهر الصيف، سيكون عامل تكلفة الطاقة في غاية الأهمية لهذه المشروعات، حيث ستخطط لكي توفر مساحات كبيرة مكيفة، فضلًا عن بعض الأنشطة التي ستزيد من استهلاك الطاقة. وخلال المرحلة المقبلة تتجه السعودية لتحميل المستهلك بالتكلفة الحقيقية للطاقة، وهو ما يجعل دراسات جدوى هذه المشروعات سلبية، وذات مردود اقتصادي ضعيف.
غياب الاستقرار الأمني
تعيش منطقة الشرق الأوسط تحديات كبيرة في المجال الأمني، في ظل الصراعات المسلحة، وبخاصة منطقة الخليج بعد دخول التحالف الخليجي في حرب اليمن، منذ مارس 2015، وهي حرب مفتوحة لم يظهر في الأفق سقف إغلاق ملفها، وهو ما يرفع من التكلفة الاقتصادية للمشروعات السياحية، بما يتضمنه ذلك من جعل هذه المشروعات بعيدة عن مرمى نيران الدول المتصارعة.
وإذا ما أضيف لعدم الاستقرار الأمني، عدم الاستقرار السياسي، في ضوء أزمة دول الحصار مع قطر، فإن التقويمات الخاصة بالبيئة العامة للمشروع ستكون شديدة السلبية. فالمنطقة وقعت في ما خطط لها من حالة عدم استقرار أمني على المدى المتوسط، إن لم يكن في المدى البعيد. وإذا أقدمت السعودية على تمويل هذه المشروعات بمفردها كقرار سياسي بعيدًا عن الضوابط الاقتصادية فسيكون ذلك إهدارًا للموارد، لا يتناسبوالوضع الاقتصادي للسعودية حاليًا، وخلال الفترة القادمة.
الدول المنافسة
ينافس السعودية في توجهاتها السياحية، دول خليجية، تنفذ نفس الأفكار ونفس المشروعات، كما هو الحال في الإمارات، وبعض منها في قطر ودول خليجية أخرى، أما من خارج الدول الخليجية، فهناك تركيا بما تملكه من مقومات سياحية كبيرة من حيث السعر والثروة السياحية المتنوعة، فضلًا عن أن دولًا أخرى بجوار تركيا استفادت من التجربة وبدأت في إعطاء مزايا، مثل سهولة الحصول على تأشيرة الدخول ومدة الإقامة التي تمتد لنحو 3 أشهر، وهذه المزايا جذبت جزءًا كبيرًا من السياحة الخليجية، حيث أصبحت زيارة تركيا من خلال برامج شاملة لدول أخرى، وأبرزها جورجيا.