التهميش الثقافي للعرب

06 مايو 2017
العرب بحاجة إلى التمسك بهويتهم وبعروبتهم(Getty)
+ الخط -
تعلمنا من التاريخ أن شيطنة مجموعةٍ من الناس، أو تهميشهم، خير وسيلةٍ لجعلهم هدفاً مشروعاً للسطو أو القتل أو التدمير.
رأينا هذا يحصل مع الأفارقة، لما استُعبدوا ليكونوا عمالةً مجانيةً في المزارع والحظائر. ومثله حصل مع سكان القارة الأميركية الأصليين، وهو ما يحصل للمسلمين في دولٍ مثل مينامار والصين، وفي أماكن أخرى إبّان القرنين الأخيرين.
وما يجري في الشرق العربي وشمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية شجع الآخرين في المنطقة، وفي العالم، على غزو الوطن العربي، واقتحام حرمة أراضيه وكرامة أهله، والاعتداء المباشر عليه، فإسرائيل تبيع نفسها على أنها الديمقراطية الوحيدة، وسط عالم عربي غارقٍ في العصبية والحكم الأوتوقراطي، والغرب يصوّرنا أصحاب دينٍ يدعو إلى القتل، ويبيح لنا الاعتداء على النساء، ويسمح لنا بالعقوبات الجسدية، وبعدم احترام القانون الإنساني، ما يتيح للغرب أن يعتدي علينا وقتما يشاء، وفي المكان الذي يختار.
وأصحاب المذاهب الإسلامية غارقون في كيل الاتهامات، وفي تقليل المعتقدات، وحتى التطاول على مصادر الاجتهاد كالقرآن الكريم والسنّة.

ويجد العرب أنفسهم وقد أنكرت حقوقهم في المساهمة في الحضارة الإنسانية، فلم ينتج العرب علماء في الفيزياء، والكيمياء والفلك والرياضيات والطب والجغرافيا وغيرها، بل كان معظم هؤلاء إبّان القرون (الحادي عشر وحتى الخامس عشر الميلادي) من جنسياتٍ أخرى مسلمة غير عربية، ونسي هؤلاء أن العرب هم الذين خلقوا الإبداع، وأن هارون الرشيد والمأمون وغيرهما كانوا من أكثر الحكام حماساً وتعطشاً للعلم والمعرفة.
أفلام هوليود، ومنذ العشرينيات من القرن الماضي، وما أفرزته من كتاباتٍ أدبية، وهي تصوّر العرب بمنظورٍ يجعل المتفرج أو القارئ راغباً في موته، مهما انحطّت الطريقة التي يقتل بها. وبذل مستشرقون كثيرون جهداً خارقاً في تمييع الحقيقة، وإعادة كتابة التاريخ العربي، وقولبة المفاهيم الدينية على غرارٍ يجعل المواطنين في الغرب، وحتى في الشرق الأقصى كارهين له إلا ما ندر من هؤلاء، ممن كتبوا بموضوعيةٍ وتجرّد.

وترى كاتباً مرموقاً، هو برتراند راسل، في كتابه "تاريخ الفلسفة الغربية"، ينكر دور الفلاسفة العرب والمسلمين، وتأثيرهم على الغرب، وتشكيل هويته السياسية والثقافية، فهو يقفز من الفلاسفة اليونان والرومان وآخرين في مطلع الديانة المسيحية (سانت أوغستين) إلى الفلاسفة الأوروبيين، من دون ذكرٍ للفلاسفة العرب، وأن تهجّم على قلةٍ من أهل المنطق. وللإنصاف، فإن آخرين، مثل ديوي، أنصفوا العرب والإسلام.
إن جزءاً كبيراً من برودة رد الفعل تجاه المذابح الجارية في الوطن العربي ناجمٌ عن ذلك التهميش الثقافي.
وأذكر أن "عملية برشلونة" التي جمعت وزراء خارجية الدول العربية بوزراء خارجية الاتحاد الاوروبي، من أجل التباحث في العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية، لم تعط موضوع الثقافة أكثر من ثلاثين دقيقة لكل اجتماعٍ، كان يدوم حوالى أربع ساعات، والأهم أن حصيلة المخرجات للتعاون الثقافي كانت صفراً، ولم يتمخض عنها أي منتج ملموس يمكن تذكّره.

لا تنال الحروب الثقافية منا، نحن العرب، ثقافياً فحسب، بل سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
هنالك استعداءٌ واضح ضد استثماراتنا، بل هم يريدون السيطرة على الأموال، بحجة أننا نسيء استخدامها، وننفقها على القمار، وما يتبعه من سلوكيات.
ونحن محاربون سياسياً، لأننا لا نطبق القانون، ولا نراعي الديمقراطية، وكم من رئيس للولايات المتحدة صرّح "إنهم (أي العرب) يكرهوننا لأننا مدنيون ومتحضرون".
علينا، نحن في الوطن العربي، أن ننتبه إلى التغير الثقافي العميق الذي يحدث في بلداننا، فنحن لم نعد نسمّى وطناً عربياً، بل صرنا أوطاناً، وكل وطن تصل إليه الحرب الثقافية يصبح مقسّماً على أسسٍ طائفية، ودينيةٍ وعرقية، فنحن سنة، وشيعة، ومسيحيون، وأزيديون، وعلويون، وغيرهم، وخرجوا علينا بنظرية أن كلمة العرب تفرّق بين المكونات السكانية، بدلاً من أن تجمعها. وعليه، يحقّ لكل منها أن تبني لنفسها كياناً سياسياً منفرداً.

يخدم هذا التشرذم المصلحة الإسرائيلية، إذ يحولها إلى دولة اثنية دينية وسط دولٍ تقوم على أسسٍ مماثله حولها، ويعطيها شرعيةً على أساس أن تمسّكها بهويتها اليهودية لا يجعلها دولةً عنصرية بكل مواصفات (الأبارتايد).
ومن هنا، العرب بحاجة إلى ميثاق ثقافي جديد، يؤكد تمسكهم بهويتهم، وبعروبتهم مع إعادة تفسير لذلك، بحيث يستوعب ذلك المفهوم الجديد كل المكونات السكانية، باعتبارها هويات فرعية منضوية تحت الهوية العربية الجامعة، وعليها أن تسمح للخصوصيات الثقافية في شبه الجزيرة العربية، وفي بلاد المشرق العربي، وبلاد النيل، وبلدان شمال إفريقيا بأن تنمو.
وبالطبع، لكل واحد من هذه التجمعات هويته الثقافية، ومصالحه المشتركة، وخصوصية الجوار، لكن هذا كله لا يمنع التقاطع، ففي الأردن المجاور لشبه الجزيرة العربية ثقافة قريبة منهم، والعراق كذلك، وهكذا، يستطيع الوطن العربي أن يبني هويته الثقافية، ويحدث التنافس فيما بينها، حتى تستطيع تحقيق الفائدة القصوى من التنوّع الثقافي عبر التنافس الحميد.

ومع أن بعض مؤسسات جامعة الدول العربية قد ركّزت على البعد الثقافي. وهنالك نشاطات ثقافية كثيرة مشتركة، إلا أنها لا تأخذ في الحسبان إيجاد هوية ثقافية مشتركة، قادرة على مخاطبة العالم، وقادرة على التطور عبر وسائل التغيير والإبداع.
ونحن بحاجة إلى الانتقال من خانة الدفاع التي تدحض اتهامات الآخرين إلى ثغور الهجوم كأفضل طريقةٍ للدفاع، وإلا فإن التشتت الثقافي هو الذي أضاع البوصلة لدى كثيرين من شبابنا الذي بات يشعر أن جيل الآباء، ومن قبلهم آباء الآباء، لم يتركوا لهم شيئاً، وهمّشوهم، ودفعوهم إلى طرقٍ هوجاء للتعبير عن ذاتهم وآلامهم. نحن بحاجةٍ إلى ثقافةٍ تجسّر بين الأجيال الصاعدة، والتي ضاع جزء كبير منها، بسبب الحروب والدمار و....، والجيل السابق.
تبعثر الهوية، وفقدان القيم الجامعة، وهواننا أمام الآخرين وتهميشهم لنا نحن الأمة، لا يمكن أن يستمر، إذا أردنا الحفاظ على كل ما تسمى العروبة.


دلالات
المساهمون