لاقى حوار يوسف بطرس غالي، آخر وزير للمالية في عهد نظام الرئيس المخلوع، محمد حسني مبارك، لقناة "dmc" حول الأوضاع الاقتصادية في مصر، انتقادات حادة من الشارع المصري ومحللي اقتصاد، أكدوا أن التحذيرات والنصائح التي أطلقها غالي لن تجدي نفعاً، بعد أن تسبب النظام الذي كان هو أحد أركانه في تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمصريين.
وتحدث غالي حول عدة قضايا اقتصادية في حواره على قناة "dmc" التي يديرها المتحدث العسكري السابق، محمد سمير، أبرزها تفاقم عجز الموازنة وتعويم الجنيه ولجوء النظام الحالي إلى طباعة النقود بدون تغطية وارتفاع سعر الدولار وأسباب تراجع الاستثمارات الخارجية وزيادة المخاطر التي أدت إلى انسداد شرايين اقتصاد البلاد الأربعة، حسب تعبيره.
وقال غالي، مساء أمس، في أول ظهور تلفزيوني له منذ ثورة 25 يناير عام 2011، إن مصر تشهد أزمات اقتصادية "مضاعفة" في الوقت الحالي مقارنة بالسنوات الماضية.
وأضاف: "عانينا من ارتفاع نسب التضخم وعجز الموازنة العامة (في عهد مبارك)، ولكن ليس بالمعدل المرتفع حاليًا".
وكان غالي، قد هرب خارج البلاد عقب ثورة يناير التي كان تدهور الأوضاع المعيشية أبرز أسباب اندلاعها والتي أطاحت نظام مبارك. وصدرت أحكام بالسجن المشدّدة، ضد وزير المالية الأسبق، بتهم فساد وإهدار المال العام.
وقال غالي، إنه لا يستطيع حل المشكلات الاقتصادية في مصر وهو في الخارج، مضيفًا: "ماتقدرش تقولي حل، وأنا قاعد هنا لازم أقعد وسطيهم".
وتابع غالي، خلال حواره، إن القضايا المرفوعة ضده تقف عقبة أمامه في العودة إلى مصر، قبل أن يقول: "ماخدتش ولا براءة والقضايا اللي موجودة بتكمل على بعضها 65 سنة سجن".
وأشار إلى أنه يأمل في العودة إلى مصر قريبًا.
ويبدو أن غالي يريد أن يسير على خطى رجل الأعمال حسين سالم، الذي تصالح مع النظام عبر رد نحو 5 مليارات جنيه مقابل إسقاط أحكام بالسجن المشدّدة صدرت بحقه بتهم فساد مالي.
الفسدة لا يصلحون
وفي تعليقه على تصريحاته التلفزيونية استغرب، نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، اللقاء الذي أجرته القناة التلفزيونية مع وزير المالية الهارب.
وقال نور الدين في تدوينة عبر حسابه على "فيسبوك": "عندما تقدم قناة فضائية مملوكة لجهة سيادية لقاء مع يوسف بطرس غالي، فماذا يعني هذا؟، يعني أن العقم ما زال قائمًا، وأن نظام مبارك كنز لا يفنى ونلجأ إليه دومًا لأننا قتلنا كل المواهب وكل الكفاءات بسبب رفض التبعية المطلقة وعدم الاختلاف أو النقد أو المعارضة، فقط الطاعة والعمل دون أي صلاحيات ويكفي الحصول على اللقب".
وقال الناشط السياسي، حازم عبدالعظيم، تعليقاً على الحوار الذي أجرته قناة dmc مع وزير المالية الهارب، يوسف بطرس غالي، "ويستمر إعلام مخابرات السيسي في تغييب الوعي ويستحضر أحد خبراء مبارك للإشادة بعبقرية الرئيس الاقتصادية الفذة، الوضع في مصر أصبح عفناً ونتناً"، وذلك على حسابه على "تويتر".
ومن جانبه استنكر رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، أحمد النجار، لقاء يوسف بطرس غالي، وتساءل في تدوينة عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "متى نفهم إن من أفسد لا يصلح، وإن استدعاء أشباح الماضي الفاشل والظالم كي يعظ ويقيم هو استدعاء للفشل والظلم ذاتهما، وإن إعادة إنتاج السياسات الظالمة والفاشلة التي نفذها ويبشر بها لا تنتج إلا نفس النتائج التي أدت إليها سابقًا".
وقال النجار: "لا أدري من هو الجهبذ الذي قرر استدعاء أسوأ رموز نظام مبارك على الصعيد الاقتصادي ليقدم مواعظه، مستوى مزرٍ من التفكير البائس، قليل من الحكمة وقراءة التاريخ والإبداع لا يضر".
أما الخبير الاقتصادي، أشرف دوابة، فأكد، لـ"العربي الجديد" أن نصائح غالي لن تفيد النظام الحالي، لأنه شارك في إحداث ضرر بالاقتصاد سابقاً، مشيراً إلى أن وزير المالية الأسبق تلاعب بالسياسات المالية ونجح في تجميل عجز الموازنة عبر أموال المعاشات التي أهدرها.وقال دوابة "قول غالي أوضح أن النظام الانقلابي أعد قانوناً للاستثمار، ولكنه لم ينجح في جذب الاستثمارات، وهذا حقيقي".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن غالي ألمح بالعودة لمصر من أجل خدمة النظام الحالي، وأكد دوابة أن استعانة الحكومة الحالية برموز مبارك لن تجدي نفعاً في ظل فشل هذه الرموز على كافة المستويات، ما أدى إلى اندلاع الثورة، كما أن إصلاح الاقتصاد يحتاج إلى استقرار سياسي ومجتمعي وهو غير متوفر حالياً.
وأضاف: "رموز مبارك نزلوا الملعب ولم يفلحوا، فكيف سينجحون مع نظام عبدالفتاح السيسي؟".
أما رجل الأعمال الملياردير، حسن هيكل، نجل الكاتب الراحل، محمد حسنين هيكل، فأشاد بالحوار، وقال في تغريدة عبر حسابه على موقع "تويتر": "د. يوسف بطرس غالي من أفضل وزراء المالية اللي جم في تاريخنا، اختلف معاه سياسياً زي ما انت عاوز، وده لا علاقة له بعظمة يناير، ومفيش تناقض".
Twitter Post
|
وكان غالي قد أكد، في حواره، أن عجز الموازنة العامة يمثل مصدر المشاكل الاقتصادية في مصر، حيث يدفع معه معدلات التضخم للارتفاع بسبب عمليات تمويل عجز الموازنة من خلال طباعة مزيد من أموال البنكنوت دون أي مقابل إنتاجي أو سلعي، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
وأوضح، أن ارتفاع الأسعار المحلية بسبب طباعة البنكنوت يؤدي إلى اللجوء للسلع المستوردة، ثم في النهاية نقص العملة الصعبة بسبب زيادة الطلب عليها، إضافة إلى ارتفاع الأسعار بسبب ارتفاع أسعار الدولار وتوقع المصنعين عن استيراد المواد الخام والدخول في حلقة مفرغة.
وأضاف: "في حال عدم وجود عجز في الموازنة العامة، ستدخل كافة الضرائب والإيرادات والأرباح في بند المصروفات، ولن يحدث ارتفاع في الأسعار، أو أزمة اقتصادية".
وقال، إن الاقتصاد في عام 2004 كان ينمو بنسبة 7% إلى 7.5%، بما كان يتيح طباعة أوراق البنكنوت.
وفي هذا الإطار، أكد المحللون، أن الزيادة في النمو في عهد مبارك لم تنعكس على المواطنين الذين تدهورت أوضاعهم المعيشية، حيث زادت نسب البطالة والفقر، كما زادت نسب الفساد التي أكلت معدلات النمو، ما تسبب في تأزم الاقتصاد.
وشدّد غالي على أن ارتفاع سعر الصرف يمثل ناقوس الخطر، والذي كان تثبيته بمثابة تعطيل لذلك الإنذار في فترات التدهور الأولى للأزمة، مؤكدًا علم المسؤولين بذلك في تلك الأثناء قبل سنوات، ما يعني أنه كان من الضروري أن يقلص عمليات الإنفاق.
وذكر، أن عملية رفع الفائدة على الجنيه رد فعل طبيعي للزيادة المطردة في السيولة وآلية لتحجيم المعروض النقدي من أجل السيطرة على التضخم.
وقال، إن ارتفاع معدلات الديون في الوضع الراهن ليست كارثية، حيث كانت قد بلغت 120% قبل عقود، ونجحت الحكومة في إعادتها إلى 60% خلال سنوات قليلة عبر رفع سعر الصرف وزيادة الصادرات وتحجيم الواردات وجذب المستثمر الأجنبي الذي يمثل زاوية التحول الرئيسية لتخفيض عبء العام، حيث أنه السبيل الوحيد لزيادة الدخل الدولاري بشكل عاجل وسريع.
واقترح غالي رفع أسعار الفائدة كأحد حلول الأزمة الاقتصادية.
وتابع: "سوق الصرف مثل ميزان الحرارة، وكونك كسرت الميزان لا يعنى أنك لست بخير"، مضيفاً أن "سعر الصرف هو الجرس الذي ينبه بأننا في خطر، والتطورات السريعة لسعر الصرف تشير إلى أن مصر في خطر أكبر".
ورأى أن "تعيين فوق المليون بني آدم في الـ6 سنوات الماضية وزيادة أجور الموظفين من أهم أسباب المشكلة الاقتصادية"، على حد قوله.
استثمارات غير مجدية
وعبر غالي عن استيائه من وضع الاستثمار في مصر، بعد التطورات الاقتصادية الأخيرة، مضيفًا: "المستثمر المصري لم يعد يستثمر في مصر، بعد الارتفاع الكبير الذي حدث في الأسعار؛ ولذلك لابد من جذب استثمارات أجنبية".
وأوضح أنه "لا يمكن الاعتماد على تمويل المواطن المصري فقط للمشروعات، فالاستثمار المصري لن يساهم في رفع معدل النمو؛ لذلك فلا بديل عن الاستثمار الأجنبي".
واعتبر أن الاستثمارات المحلية لن تجدي نفعاً وحدها، وأن استثمارات الشعب المصري في شهادات قناة السويس كانت بدوافع وطنية ومن أجل دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي، الأمر الذي يصعب تكراره، كما أنه لن يغني عن موارد العملة الصعبة، وعلى رأسها الاستثمار الأجنبي المباشر.
وقال غالي، إن تحويل أرباح المستثمر الأجنبي للخارج ليس أمراً سلبياً، حيث إنها لن تكون أكثر من إجمال رأس المال المستثمر وتكون نسبة منه، غير أنه يدفع كافة مصروفاته وتكاليفه لقطاعات مختلفة داخل الاقتصاد على رأسها العمالة المحلية.