يتخبط الاقتصاد السعودي في أزماته، مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض الإيرادات بفعل تراجع أسعار النفط، إضافة إلى سياسة التقشف التي تتبعها السلطات والتي تلحق الضرر بالقطاعات الاقتصادية... وقد رجّحت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، في تقرير أصدرته اليوم، أن يؤدي تباطؤ الاقتصاد في المملكة إلى ارتفاع نسبة القروض المتعثرة.
كما استبعدت الوكالة تحسناً قوياً في القروض المصرفية خلال العام الحالي، ما قد يمثل خطراً على أرباح القطاع ويدفعها للانخفاض. وكانت أرباح المصارف السعودية قد تراجعت بنسبة 5.4% في 2016، إلى 41.34 مليار ريال (11 مليار دولار)، مقابل 43.71 مليار ريال (11.66 مليار دولار) في 2015.
وانكمش الناتج المحلي الإجمالي للسعودية، أكبر مُصدر للنفط في العالم، خلال الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 1.03%، بحسب بيانات رسمية، وذلك في ظل تراجع أسعار النفط الخام الذي يعد المصدر الرئيس للدخل في البلاد، بنسبة 54% عن أعلى مستوياته المسجلة في 2014.
وفي السياق ذاته، أظهر استطلاع أجرته وكالة "رويترز"، أن من المتوقع انكماش الاقتصاد السعودي هذا العام، للمرة الأولى في ثماني سنوات، متأثرا بانخفاض أسعار النفط وسياسات التقشف التي تضر بنمو القطاع الخاص.
وخلص الاستطلاع، الذي شمل 15 اقتصادياً ونشرت نتائجه اليوم الخميس، إلى أن الخبراء خفضوا متوسط توقعاتهم للناتج المحلي الإجمالي السعودي في 2017 إلى انخفاض نسبته 0.5%.
وسيكون هذا الانخفاض السنوي الأول من نوعه للاقتصاد السعودي منذ الأزمة المالية العالمية عام 2009، وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، وقد يزيد المخاوف بشأن برنامج الإصلاح الاقتصادي بالمملكة.
ويهدف برنامج خصخصة وإصلاحات اقتصادية أخرى إلى تقليص الاعتماد على صادرات النفط من خلال تحفيز النمو في القطاع الخاص. لكن خفض الإنفاق وزيادة الضرائب لتقليص عجز الموازنة الضخم يضغطان بشدة على القطاع.
وأبدى المحللون نظرة أكثر قتامة للنمو في السعودية مقارنة مع نظرة صندوق النقد الدولي الذي يتوقع نمو الاقتصاد 0.1% هذا العام. لكن مسؤولا بارزا في الصندوق أقر الأسبوع الماضي، بأن توقعاته قد تكون صعبة التحقق بسبب ضعف غير متوقع في القطاع غير النفطي.
وقال المحللون إنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد السعودي 1.3% العام المقبل بدلا من 1.9% في توقعات الاستطلاع السابق في يوليو/تموز. وتوقعوا تسارع النمو لاحقا إلى 2% في 2019.
والتراجع السعودي يعود لأسباب عدة، منها انخفاض إنتاج النفط. وقلصت المملكة إمداداتها هذا العام بموجب اتفاق عالمي لدعم الأسعار سيستمر حتى مارس/ آذار المقبل، ويبحث المنتجون تمديده.
لكن الاقتصاد يتعرض لضغوط أيضا من تباطؤ أكثر من المتوقع في القطاع غير النفطي. وتوقفت الاستثمارات الخاصة الجديدة إلى حد كبير، ونما القطاع غير النفطي 0.6% فقط على أساس سنوي في الربع الثاني من 2017.
وقال جيسون توفي، خبير اقتصاد الشرق الأوسط لدى كابيتال إيكونوميكس في لندن، والتي تتوقع حاليا انكماشا نسبته 1.3% للعام بأكمله: "مؤشرنا لتتبع الناتج المحلي الإجمالي يرجح أن يكون الاتجاه النزولي قد تعزز في بداية الربع الثالث".
وأضاف "الانخفاض النابع من قطاع النفط زاد في ما يبدو، بينما فقد القطاع غير النفطي بعضا من زخمه".
ويصر صناع السياسات في السعودية على أن الاقتصاد متين وأن النمو سيتجه إلى الارتفاع. لكن توفي قال إنهم سيكونون قلقين من أن تخفيفاً محدوداً في إجراءات التقشف خلال الربع الثاني، يتمثل في الرجوع عن خفض المزايا التي يحصل عليها موظفو الدولة، لم يعزز القطاع غير النفطي.
وقد يضطر هذا الأمر السلطات إلى تخفيف إجراءات التقشف أكثر، ربما من خلال الكف عن زيادة أسعار الوقود والكهرباء المحلية التي كان مخططا لها في البداية أن تجري هذا العام. ويدرس المسؤولون المضي قدما في تنفيذ تلك الزيادات من عدمه.
وأظهر الاستطلاع أن خبراء الاقتصاد يتوقعون أن تسجل الحكومة السعودية عجزا ماليا نسبته 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، في تحسن كبير مقارنة مع 12.3% في العام الماضي، وفق البيانات السعودية، لكنه يظل مستوى غير مستدام للأجل الطويل.
وأوضح أن العجز سيتقلص قليلا إلى 7.5% العام المقبل وإلى 7.3% في 2019، حيث من المستبعد أن تحقق الرياض الهدف المعلن بالتخلص تماما من العجز بحلول 2020.
(العربي الجديد)