الليرة التركية بلا "مايسترو"

17 يناير 2017
أسباب اقتصادية أثرت على سعر صرف الليرة(Getty)
+ الخط -

يغيب عن ذهن الساسة أحياناً، وإن كانوا متحدرين من خلفية اقتصادية، كما الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن كثرة الحديث عن سعر الصرف، حتى لو أخذ الحديث منحى الطمأنة واستعراض نقاط قوة الاقتصاد، إنما سيكون له مفاعيل سلبية على نفسية المدخرين وحتى المضاربين، لأنه وببساطة، سيسأل أي معني بسعر صرف العملة التركية، ما دامت الليرة بخير والاقتصاد قوي، فلماذا تذكروننا، صباحاً ومساء، بالأمر؟!

ويزيد الطرح من تخوف المكتنزين أو المتعاملين، عندما يأتي الطرح بنبرة تدلل على ضيق المتحدث وانفعاله، أو تصل حدود التهديد والاتهام، تماماً كما حدث يوم الخميس الماضي، حينما وصف الرئيس التركي المضاربين بالإرهابيين، ليتابع السبت، خلال الذكرى السنوية لتأسيس بورصة إسطنبول، دعوته للمستثمرين بعدم تأجيل استثماراتهم وأن الاقتصاد التركي صلب ومتين.

وجاء لافتاً ما قاله الرئيس التركي، إن تركيا تتعرض لمؤامرة وهدف إضعاف الليرة وخفض سعر صرفها، إنما لغايات جعل الاقتصاد التركي مرتبطاً بالخارج، وهي طريقة طرح ربما لا تختلف كثيراً عن ذرائع الحكام العرب التي قامت فيها ثورات، من أن القصة برمتها مؤامرة خارجية.

ومن يتفحص أسباب تراجع سعر صرف العملة التركية، التي فقدت نحو 9% من قيمتها، منذ مطلع العام، وأكثر من 25% العام الفائت ونحو 53% خلال عامين، إنما سيكتشف أن بداية التراجع كانت قبل الانقلاب الفاشل في يوليو/تموز الفائت وقبل الانتخابات الأميركية ومجيء ترامب، بل حتى قبل تعاظم الإرهاب والقطيعة الروسية لأنقرة بيوليو 2015 .

بمعنى آخر، ثمة أسباب اقتصادية ومهمة، أثرت على سعر الصرف، طبعاً مضافة إلى أسباب سياسية، داخلية وخارجية، وزاد من مفاعيل الأسباب مجتمعة، عدم إدارة الأزمة بعقلية اقتصادية، أو على الأقل، عدم الضبط وتخصيص فريق محدد وناطق معين يخرج على المهتمين بفترات مدروسة ومتباعدة، لئلا يزيد على كل تلك الأسباب، السبب النفسي وخوف المتعاملين من الإبقاء على حيازة نقد يتقهقر.

قصارى القول: يحكى عن ألان غرينسبان، رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي "البنك المركزي الأميركي"، وعلى مدى حكم أربعة رؤساء، أنه كان يحرص على عدم الابتسام أو التجهم، خلال وقوفه إلى جانب الرئيس، لئلا يستنتج المتعاملون بالدولار من إيماءاته أي مؤشر، فيقبلون على الدولار أو يحجمون.

ومن تخصص غرينسبان وحسن إدارته لتسيير التضخم، أطلق عليه الإعلام الأميركي وقتذاك، اقتصادي الاقتصاديين أو المايسترو، في حين لم يتم منح هذا اللقب لرؤساء الدولة أو وزراء الخارجية، ببساطة، لأنهم لم يتكلموا عن أسعار الصرف، بل وليس في تخصصهم أن يتكلموا أصلاً، وإن فعلوا، فربما فقد الدولار المتمرد على كل قوانين وأعراف النقد، هيبته وبعض سعره وباتت الريادة لليورو أو سواه.

خلاصة القول: فضلاً عن أن البنك المركزي التركي لم يتخذ إجراءات نقدية تساهم بتحسين سعر الليرة، سواء ضخ جزء من الاحتياطي النقدي البالغ 122 مليار دولار، ليمتص فائض سيولة العملة المحلية، أو حتى يحرك أسعار الفائدة ليشجع على الإيداع وتقليل المعروض النقدي بالأسواق، جاءت تصريحات المسؤولين الأتراك، وعلى نحو يومي، لتزيد من عامل الخوف بالأسواق، إذ لا يمر يوم بتركيا، دون أن يصرح مسؤول تركي عن النقد وقوة الاقتصاد وتهافت الاستثمارات، في حين لا يخرج أي تصريح عن محافظ البنك المركزي، المعني بهكذا حالات، بل ويفرض على المركزي حلولاً سياسية أو من نظر ساسة، كأن لا يحرك أسعار الفائدة كي لا تؤثر على استقطاب الاستثمارات.

 

 

المساهمون