القطاع الخاص العربي يغيب عن تحقيق الرخاء

16 اغسطس 2016
مشروعات التنمية يجب أن تعبرعن احتياجات المجتمعات (Getty)
+ الخط -


بعد نحو ربع قرن من زيادة مشاركة القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية بناء على توجيهات صندوق النقد الدولي للعديد من الدول، لا تزال أغلب الدول بعيدة عن الرخاء والتنمية المرجوة، في الوقت الذي تراجعت فيه الدول عن مجالات الإنتاج والخدمات.
فقد دخل القطاع الخاص العربي حلبة قيادة الاقتصاد، وهو يفتقر إلى القدرة على التمويل الذاتي، أو الإمكانيات التسويقية اللازمة للمنافسة المحلية والدولية، وعدم الاستعداد كذلك لتوطين التكنولوجيا، مع ملاحظة أن معظم أنشطته منذ مطلع التسعينيات اتجهت للمضاربات أو الأنشطة الريعية، وتفضيل المدخل التجاري مع العالم الخارجي عن المدخل التشاركي لبناء صناعات محلية.

وقد تناول مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، في مقال له عبر الموقع الإلكتروني للصندوق مؤخرا، تصوره لطبيعة الدور الذي يجب أن يحصل عليه القطاع الخاص في العالم العربي، لكي يحقق هدف الرخاء من خلال التنوع الاقتصادي وتوفير فرص العمل، والإسهام في زيادة معدلات النمو لعقود قادمة.
وطالب مسعود في المقال، الذي جاء بعنوان "في العالم العربي.. الاستثمار وتنويع النشاط يمهدان سبيل الرخاء"، بأن يتم تطوير دور القطاع العام "ليعمل على تمكين القطاع الخاص أو تكميله بدلًا من التنافس معه".

وعلى ما يبدو، فإن سياسات الصندوق، لا تزال في الأطر الأكاديمية ولم تخرج بعد إلى الواقع التنفيذي، فغالبية الدول العربية اتبعت سياسات الصندوق منذ مطلع التسعينيات، وأفسحت المجال للقطاع الخاص، ورحبت بالاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتبنت برامج للخصخصة، وانضمت إلى عضوية منظمة التجارة العالمية، والنتيجة بعد نحو ربع قرن، لا القطاع الخاص العربي قاد التنمية، ولا نجح في خلق الرخاء، وما زالت أجندة صندوق النقد ثابتة ولم تتغير.

لماذا الفشل؟

حينما تراجعت الدول في المنطقة العربية عن مجالات الإنتاج والخدمات، لصالح القطاع الخاص، لم يكن ذلك وفق فترات انتقالية تراعي أن ينمو القطاع الخاص العربي بشكل طبيعي، وأن يستفاد من بناء مصادر تمويلية بشكل تتكامل فيه مدخرات القطاع العائلي مع مجتمع الأعمال، عبر شركات مساهمة من خلال سوق الأوراق المالية، أو من خلال تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في إطار الاقتصاد المنظم.
وأظهرت التجربة الخليجية، والتي تتيح للقطاع الخاص فرصاً أفضل منذ عقود أطول من باقي الدول العربية، أنه يعتمد بشكل رئيسي على الإنفاق الحكومي، وأن مقومات قيادته للاقتصاد، تحتاج إلى مراجعة.




فمع أزمة انهيار أسعار النفط، تم الإعلان عن تسريح مئات الآلاف من العمالة، وإغلاق الشركات، وتوقف مشروعات، وتأجيل الدخول في أخرى جديدة، ليعيش القطاع الخاص الخليجي الآن حالة من عدم التوازن، ولا يزال ينتظر الدعم الحكومي.

ومما يدلل على ضعف أداء القطاع الخاص العربي، أن فاتورة استيراد الغذاء في العالم العربي تتفاقم بشكل ملحوظ على مدار الفترة من 2000 إلى 2013، وذلك حسب بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2015، حيث بلغت قيمة الواردات الغذائية العربية في عام 2000 نحو 18.5 مليار دولار وقفزت إلى 66.3 مليار دولار عام 2013.
أما الصادرات الغذائية العربية فكانت في عام 2000 نحو 3.6 مليارات دولار وارتفعت في عام 2013 لتصل إلى 18 مليار دولار.
ويتضح من هذه البيانات أن الفجوة الغذائية للعالم العربي قفزت من 14.9 مليار دولار، في عام 2000، إلى 48.3 مليار دولار في عام 2013.

وبعد نحو ربع قرن من زيادة مشاركة القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية، لم يتغير هيكل الواردات السلعية بشكل عام، وبخاصة في المجال الصناعي، حيث لا يزال العالم العربي يعتمد بشكل رئيسي على استيراد خطوط ومستلزمات الإنتاج والتكنولوجيا.
وثمة ملاحظة مهمة على كتابات خبراء صندوق النقد الدولي، وهي أنهم حين يذكرون الاضطراب السياسي الذي تعيشه المنطقة كأحد أسباب تراجع النمو الاقتصادي، أو عزوف وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، يتحاشون الحديث عن الفساد المستشري في الدول العربية، وكيف ساعد القطاع الخاص على تكريس الفساد، من خلال التزاوج بين المال والسلطة.

إن ما يرجوه صندوق النقد الدولي، كما ذكر مسعود أحمد في مقاله، من إصلاح للقطاع العام، وأن يتكامل القطاع العام مع القطاع الخاص، من خلال إصلاح منظومة الأجور بالقطاع العام، لا يتحقق إلا في ظل حكم يتسم بالديمقراطية، وتداول السلطة بالطرق السلمية، بينما أغلب الدول العربية تعاني من نظم ديكتاتورية، وأُجهضت أمل شعوب المنطقة في ثورات الربيع، بعد سيطرة الثورات المضادة، وعودة الحروب الأهلية، كما هو قائم في العراق واليمن وسورية وليبيا.

معادلة مقلوبة

يطرح مسعود في تصوره لدور القطاع الخاص في المنطقة، أن تتم عملية الاندماج في سلاسل القيمة العالمية، من قبل مشروعات القطاع الخاص في المجال الصناعي، من أجل زيادة الصادرات.
ولم يستحضر المسؤول في صندوق النقد تجربة القطاع الخاص العربي في الاندماج في سلاسل القيمة العالمية، حيث تحولت الصناعة العربية إلى مجرد ورش للتجميع لبعض الصناعات القليلة، التي قبلت أن تتواجد في الأسواق العربية، كما هو الحال في صناعة السيارات والدواء.

فسلاسل القيمة العالمية تستهدف أسواق المنطقة العربية، ولا تنطلق منها كقاعدة تصدير، بل إن التجربة المصرية على سبيل المثال أظهرت أن الشركات العالمية ظلت تحقق أرباحاً طائلة على مدار عقدين من الزمن وتقوم بتحويلها للخارج، وعندما مرت مصر بأزمة اقتصادية بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 والانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، خرجت معظم الشركات العالمية من السوق المصرية، أو عطلت خطوط إنتاجها، أو نقلت نشاطها لبلدان أخرى.

فالواقع الذي تحياه الدول العربية مع سلاسل القيمة العالمية، يعكس وجود معادلة مقلوبة، فالشركات متعددة الجنسية هي التي استفادت من الدول العربية، ولم تتحقق للدول العربية زيادة ملحوظة كماً أو نوعاً في الصادرات، أو زيادة في معدلات التشغيل، أو استقداماً لرؤوس أموال أجنبية تزيد من تدفقات العملات الأجنبية بالأجهزة المصرفية، فضلًا عن نسيان توطين أو إنتاج تكنولوجيا عربية.

غياب المشاركة

إن أية عملية نهوض تستهدف اقتصاديات الدول العربية، لا بد من أن تنطلق من ضرورة إنهاء حالة الصراع واستقرار نظمها السياسية وفق أسس ديمقراطية، تعمل على التداول السلمي للسلطة، ثم تحقيق مشاركة فعلية بين الحكومات ومجتمع الأعمال والمجتمع الأهلي (المدني)، حتى تعبر مشروعات التنمية عن احتياجات المجتمعات، والتركيز على مستهدفات اقتصادية واجتماعية تعمل على الرقي بالإنسان العربي، حيث أدى غياب هذه المشاركة إلى تفرد الحكومات بتحديد أجندة التنمية، فأفرزت النتائج السلبية الحالية.

كما لا بد من أن يكف الغرب والدول الرأسمالية، وكذلك الصاعدة، عن النظر إلى الدول العربية على أنها مجرد سوق يضم ما يزيد عن 400 مليون مواطن، وبناء قواعد إنتاجية بشكل سليم يمكن العرب من المنافسة المحلية والدولية.



المساهمون