اعتقال وزير روسي ينذر بتصدع دائرة بوتين

15 نوفمبر 2016
اتهام وزير التنمية الاقتصادية بتلقي رشوة (نيكيتا شفيتسوف/الأناضول)
+ الخط -


في فضيحة فساد جديدة شغلت الرأي العام في روسيا، أعلنت لجنة التحقيق الروسية الثلاثاء، عن اعتقال وزير التنمية الاقتصادية، أليكسي أوليوكاييف، للاشتباه بحصوله على رشوة قدرها مليونا دولار، مقابل السماح لشركة "روس نفط"، أكبر شركة نفط في روسيا، بشراء حصة الدولة في شركة "باش نفط".
وحسب محللين "ربما تكشف القضية عن تصدعات في الدائرة الداخلية للرئيس فلاديمير بوتين"، خاصة أن هذه الفضيحة تعتبر هي الأكبر منذ قضية الفساد في شركة "أوبورون سيرفيس" المتعاونة مع وزارة الدفاع الروسية، التي أسفرت عن إقالة وزير الدفاع الروسي، أناتولي سيرديوكوف في نهاية عام 2012.

أما قضايا الفساد اللاحقة، فكانت متعلقة بحكام أقاليم ورؤساء بلديات ومسؤولين من درجة متوسطة، على عكس هذه المرة، التي طاولت مسؤولا كبيرا، تشرف وزارته على بيع الأصول الحكومية.
وباعت الدولة في 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي نحو 50% من شركة "باش نفط" الحكومية إلى المجموعة العملاقة "روس نفط" نصف الحكومية مقابل 5.2 مليارات دولار.
وأعلن أوليوكاييف في بيان حينذاك أن الصفقة أُنجزت، وأن مجمل مردود عملية البيع سيدفع إلى الدولة، وتعد هذه الصفقة هي أكبر عملية تنازل عن أصول حكومية هذه السنة.

وكانت عملية البيع شاقة ومثيرة للجدل، ولا سيما اختيار "روس نفط " التي تملك الدولة الجزء الأكبر منها لشراء "باش نفط" التي تعد سادس شركة نفطية في البلاد من حيث القيمة.
وتتردد تساؤلات حولما إذا كان لقضية أوليوكاييف أبعاد سياسية، خاصة أن قضايا الفساد التي طاولت مسؤولين سابقين ثار حولها تساؤلات أيضا تتعلق بوجود دوافع سياسية نظرا لتوجهاتهم الليبرالية أو "عدم الولاء".
وفور اعتقال أوليوكاييف (60 عاما)، أصدرت لجنة التحقيق الروسية بيانا قالت فيه: "في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تم رفع قضية جنائية بحق وزير التنمية الاقتصادية، أليكسي أوليوكايف، بموجب الجزء 6 من المادة 290 من القانون الجنائي الروسي (حصول على رشوة كبيرة)".

وأضاف البيان: "تتعلق ملابسات الجريمة بحصول أوليوكاييف على مليوني دولار، مقابل التقييم الإيجابي لوزارة التنمية الاقتصادية، الذي أتاح لشركة روس نفط شراء حصة الدولة في شركة باش نفط وقدرها 50%".
وقالت الناطقة باسم لجنة التحقيق، سفيتلانا بيترينكو، لوكالة "إنترفاكس" أمس، إن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي كان يتنصت على مكالمات أوليوكاييف منذ الصيف الماضي، للاشتباه في ابتزازه ممثلي شركة "روس نفط" بهدف الحصول على رشوة.

ومع ذلك، أكدت اللجنة أن خصخصة "باش نفط" ليست موضوعا للتحقيق، إذ اشترتها "روس نفط" بشكل قانوني، إلا أن الخبير في صندوق "إنديم" للاستثمار، يوري كورغونيوك، يرى أن قضية أوليوكاييف "غريبة جدا"، مستبعدا أن يكون الوزير قد طلب أموالا من رئيس شركة "روس نفط" إيغور سيتشين.
ويقول كورغونيوك لـ"العربي الجديد": "هذه الرواية غير جادة، لأن أوليوكاييف ليس انتحارياً حتى يبتز شخصية ذات ثقل سياسي مثل سيتشين".

وحول الدوافع، التي قد تكون وراء ملاحقة الوزير، يضيف: "يتم إظهار مكافحة الفساد عن طريق التضحية بشخصية لا ينتمي إلى أي مجموعة نفوذ والتخلص من الليبراليين السابقين".
ويؤكد استحالة تمرير صفقة شراء "روس نفط" لـ"باش نفط" من دون موافقة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مضيفا: "هذا قرار بوتين، وتم الاستيلاء على شركة باش نفط من رجل الأعمال فلاديمير يفتوشينكوف تمهيدا لبيعها إلى روس نفط رغم تراكم ديون هذه الأخيرة".
ويتابع: "روس نفط ليست أكبر شركة نفطية، وإنما أكبر شركة متعثرة، ولو كانت في ظروف سوقية طبيعية لأشهرت إفلاسها".

وتعود قضية "باش نفط"، إحدى أكبر شركات النفط في روسيا، إلى عام 2014، عندما قبلت محكمة التحكيم في موسكو دعوى النيابة العامة باعتبار خصخصتها "غير قانونية" وإلزام مجموعة "سيستيما" المملوكة لرجل الأعمال فلاديمير يفتوشينكوف برد 71% من أسهمها للدولة.
وبعد حصولها على "باش نفط" مجاناً، سارعت الدولة للإعلان عن نيته خصخصة الشركات وإتمامها قبل نهاية عام 2016.

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين، إنه تم إطلاع بوتين على أمر وزير التنمية الاقتصادية حين بدأ التحقيق، مضيفا "هذه مزاعم خطيرة .. الحكم في يد المحكمة وحدها".
وتابع بيسكوف، أنه لا يعلم ما إذا كان القبض على أوليوكاييف، يعني أن من الممكن إعادة النظر في شراء روس نفط لحصة في باش نفط.

وقالت مصادر مطلعة على الصفقة وفي الحكومة لرويترز، إن استحواذ روس نفط على حصة في باش نفط كان محور صراع عنيف بين معسكرين متنافسين داخل الكرملين.
وسعى رئيس "روس نفط"، إيغور سيتشين، وهو واحد من أقوى الشخصيات في روسيا ومقرب من بوتين، لحشد التأييد لبيع باش نفط، لكن مؤيدي سياسات التحرير الاقتصادي في الحكومة، الذين يرتبط بعضهم بصلات برئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف رفضوا الصفقة بشدة.

وكان ميدفيديف يعتقد أنه يجب أن يشتري مستثمرون من القطاع الخاص "باش نفط"، كما كان أوليوكاييف يرفض تمرير الصفقة في بادئ الأمر، لكنه وقع الصفقة في نهاية المطاف.
ويأتي اعتقال وزير التنمية الاقتصادية، بعد أشهر على صدور حكم بالسجن بحق العمدة السابق لمدينة ياروسلافل، يفغيني أورلاشوف، وملاحقة محافظ مقاطعة كيروف، نيكيتا بيليخ، بتهمة تقاضي رشوة قيمتها 400 ألف يورو.


المساهمون