بعد عام من رئاسة السيسي..المصريون مازالوا يئنون من المصاعب

01 يوليو 2015
المصريون اكتووا بنيران الأزمات المعيشية في عهد السيسي (أرشيف/Getty)
+ الخط -

بعد مضي عام على إمساكه بشؤون الحكم، ربما تكون الهالة التي أحاطت بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، آخذة في الانحسار في وقت يتابع فيه الرأي العام أداءه بمزيد من التمحيص، بينما يضيق ذرعا بنفس المشاكل الاجتماعية التي أطلقت شرارة الثورة الشعبية عام 2011.

ومما لا شك فيه أن السيسي ما زال يسيطر بحزم على مقاليد الأمور، في وقت تشن فيه أجهزة الأمن حملة على المعارضة، وتقف بجانبه دول غربية وخليجية تضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد المصري سنويا دعما لحليف استراتيجي.

لكن مع تزايد الإحباط في الشارع بات الرجل، الذي لم يكن ليخطئ في أعين كثير من المصريين، يتوخى قدرا أكبر من الحذر في نهج الحكم، وهو ما يظهر من خلال إعادة تقويم بعض السياسات.

يشكو صاحب عربة خشبية يبيع عليها أطعمة في سوق مزدحمة بمدينة الإسكندرية، قائلا: "مش عارف اشتغل. مش عارف أأكل عيالي. أنا تعبت من البلد دي كلها".

يقول البائع، الذي يبلغ من العمر 35 عاما، إن حكام مصر بعيدون عن الواقع، لا يدركون ثقل متطلبات الحياة اليومية، ولا يمشون في الأسواق ليلمسوا الحقائق بأنفسهم.

وكان السيسي قد عزل حين كان قائدا للجيش عام 2013 الرئيس محمد مرسي بعد احتجاجات حاشدة على حكمه، وبسرعة نال حظوة لدى كثير من المصريين، الذين يتوقون للاستقرار بعد سنوات من الاضطراب التي أعقبت سقوط الرئيس الأسبق حسني مبارك في 2011.

والسؤال الكبير الذي لا يزال ينتظر إجابة هو: هل سيفي السيسي بوعوده بتوفير فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة لكل المصريين؟

نظريا نجح السيسي على الصعيد الاقتصادي بالفعل، فيما فشل فيه زعماء مصريون سابقون. فقد نال إشادة المستثمرين الأجانب على سبيل المثال لتطبيق إصلاحات، مثل خفض الدعم على الوقود والسلع الغذائية ومعالجة البيروقراطية.

وأقدم السيسي بخفض الدعم على التعامل مع قضايا تجنبها مبارك خشية إغضاب الشعب، الذي ظل يعتمد لسنوات طوال على دعم أسعار الوقود والغذاء. كما قرر زيادة بعض الضرائب.

إضافة إلى ذلك، يقول بعض المحللين إن برنامج الحكومة الاقتصادي ربما لا يوفر مزيدا من العدالة الاجتماعية لشعب يقترب عدد سكانه من 90 مليون نسمة، كثيرون منهم يعيشون في فقر.

فأسعار السلع الغذائية غالية بالنسبة لكثيرين كما أن البطالة مرتفعة. والرعاية الصحية صعبة المنال في بلد به معدل كبير من الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي. كما أن السياحة، التي تمثل أحد المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية.

وبدأ المصريون الذين تهافتوا على البنوك قبل نحو عام لسحب مدخراتهم وإيداعها في حساب خصص لشق قناة السويس الجديدة، أحد مشاريع السيسي الكبرى، يتساءلون إن كانوا سيرون مردود ذلك.

لا حلول

تبدو بعض الأرقام البارزة في عناوين الصحف واعدة. فمن المتوقع أن ينمو الاقتصاد بمعدل 5% في السنة المالية 2015 / 2016، وهو نفس المعدل تقريبا للسنة المالية 2009 / 2010 عندما كان مبارك في الحكم. وهناك انخفاض طفيف في معدل البطالة، الذي لا يزال عند 12.8%. كما أن نظرة وكالات التصنيف الائتماني لمصر باتت إيجابية بصورة عامة.

وتبرم شركات أجنبية عقودا مع مصر. وفي مارس/آذار الماضي، وضعت شركة بي.بي البريطانية اللمسات الأخيرة على اتفاق مع مصر في مجال الطاقة قيمته 12 مليار دولار، ووقعت شركة سيمنس الألمانية اتفاقا مع مصر في قطاع الطاقة أيضا قيمته 9 مليارات دولار أثناء زيارة السيسي لألمانيا في الآونة الأخيرة.

لكن التضخم لا يزال عاليا.. فقد زاد مؤشر أسعار المستهلكين في المدن إلى 13.1% في مايو/أيار من 8.2% قبل عام.

ويتساءل المصريون إن كان سيصيبهم من حظ الأموال المتدفقة على الاقتصاد.

اقرأ أيضاً: لا نمو تحت حكم العسكر

وقال عمرو عدلي، الخبير غير المقيم في مركز كارنيجي للشرق الأوسط، إن هناك مشكلة مهمة تتمثل في أن أغلب العاملين في البلاد يعملون في وظائف منخفضة الأجر محدودة المهارات ضعيفة الإنتاجية، وهو ما يعني "أنهم لا يسهمون في صنع النمو ولا يستمتعون بمردوده".

وأضاف: "يحدث في العادة استياء متزايد عندما ينمو الاقتصاد. يحدث هذا عندما يلاحظ الناس أنه لا توجد عدالة في التوزيع".

وتسبب خفض الدعم على أسعار الوقود في زيادتها بنسبة 78% في يوليو/تموز الماضي. وزادت الضرائب على السجائر والخمور أيضا.

وقال عدلي: "قد يتسبب هذا - مثلما تتسبب الإصلاحات الليبرالية الجديدة الأخرى - في تعميق اتجاه الفقر أكثر مما كان في عهد مبارك".

ولم تحقق السياحة بعد ذروة الإيرادات التي سجلتها عام 2010 عندما حققت 12.5 مليار دولار. وقال خالد رامي، وزير السياحة المصري، إنه يهدف للوصول بعائدات السياحة إلى 26 مليار دولار بحلول 2020، لكن هجوما وقع في الآونة الأخيرة في معبد الكرنك بمدينة الأقصر أضر بالأجواء في قطاع كان يستوعب سابقا الكثير من العمالة المصرية.

يتحسر يوسف القامولي (68 عاما)، الذي يملك متجرا سياحيا على أوقات كان الأجانب يتهافتون فيها على روائع الآثار المصرية القديمة، ويقول "هي فين السياحة دلوقتي (الآن)؟ أنا قفلت بازاري عشان مفيش سياح بييجوا".

ومع استمرار تراجع الحركة السياحية، اضطر القامولي لبيع قطعة أرض ورثها عن والده حتى يستطيع تسديد الديون التي تراكمت عليه.

تخفيف التوتر

يبدو السيسي متجها للتصالح على بعض الجبهات. فقد أرجأت مصر إلى أجل غير مسمى تطبيق نظام توزيع البنزين المدعم بالبطاقات الذكية، بعد أن كان مقررا تطبيق النظام قبل أيام من حلول شهر رمضان.

وفي الشهر الماضي، أصدر السيسي عفوا عن 165 سجينا، منهم كثيرون أدينوا بانتهاك قانون التظاهر، الذي يلقى انتقادات منظمات حقوقية.

هي خطوة صغيرة، لكنها لم تكن متصورة في بداية حملة على المعارضين، أعقبت ظهور السيسي على التلفزيون الرسمي ليعلن عزل مرسي.

وقال أيمن الصياد، وهو كاتب عمود بارز ومستشار سابق لمرسي: "هناك محاولات لتخفيف التوتر والاحتقان. لكن السؤال الأهم هو إلى أي مدى هذه المحاولات كافية؟".

ونفى المتحدث باسم الحكومة المصرية، حسام قاويش، أن تكون إجراءات استثنائية اتخذت، وقال إن ما تم من برامج تستهدف محدودي الدخل كان محددا سلفا، وإن الحكومة تعمل عليها سواء في الموازنة السابقة أو الموازنة القادمة. وأشار إلى زيادة مخصصات برامج الحماية الاجتماعية في الميزانية الجديدة.

ويتضمن مشروع الموازنة للسنة المالية 2015 / 2016 زيادة نسبتها 12% في الإنفاق على البرامج الاجتماعية بمخصصات بلغت 431 مليار جنيه، أو ما يقرب من نصف إجمالي الإنفاق العام.

وتبلغ نسبة العجز المتوقع 9.9%.

وكتب زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء السابق في مقال بصحيفة "الشروق"، بعد إعلان مشروع الميزانية: "هذا الهدف الطموح يمكن أن تكون له آثار اجتماعية وخيمة على الطبقات الفقيرة، إذا لم تحسن الحكومة اختيار أوجه الوفر في الإنفاق".

وأضاف أن الفكرة "ليست مجرد زيادة الإنفاق الاجتماعي، بل التوسع في الدعم الذي يستند إلى استهداف الفقراء، وإلا كانت النتيجة المزيد من نزيف الموارد وتكريس الفجوة الاجتماعية."

ومثله مثل كثير من المصريين لا يولي عبد العزيز شرباص (47 عاما) وهو مدرس للغة العربية اهتماما كبيرا للتمويلات الحكومية أو إشادة المستثمرين الأجانب بها.

ورأى أنه "مستحيل أن يتغير أي شيء لأن النظام هو هو. الناس اللي بيحكموا مصر أصحاب مصالح".

وأضاف "كفاية احتكار للسلطة. كفاية صفقات خلف الأبواب المغلقة".

اقرأ أيضاً: غضب في الشارع المصري بسبب اختفاء الوقود من المحطات

المساهمون