مستقبل احتياطي مصر وحتمية المصالحة الوطنية

12 أكتوبر 2015
المواطن هو من يصنع الاحتياطي وليس الحكومات (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -


أين مليارات قناة السويس ومؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، وأين الـ20 مليار دولار قيمة الاستثمارات الأجنبية التي وعد وزير الاستثمار أشرف سلمان بجذبها خلال عام 2015، وأين الـ 10 مليارات دولار إيرادات السياحة التي وعد بها وزير السياحة هشام زعزوع، وأين رقم الـ 28 مليار دولار قيمة الصادرات التي وعد بتحقيقها وزير التجارة والصناعة في حكومة محلب المستقيلة منير فخري عبد النور؟

لو تجمعت كل هذه المليارات التي وعدت بها الحكومات المتعاقبة لأصبحت مصر واحدة من أغنى الدول في العالم والأكثر امتلاكاً للاحتياطيات من النقد الأجنبي، ولتفوقت على دول تمتلك اقتصاديات قوية بالمنطقة، خاصة إذا ما كنا نتحدث عن 180 مليار دولار حصيلة المؤتمر الاقتصادي وحده من استثمارات مباشرة وتعاقدات وخطابات نوايا، و13 مليارا إيرادات قناة السويس بعد التوسعة.

قلت في مقالين سابقين إن كل هذا الفشل الحكومي أدى إلى وضع احتياطي مصر من النقد الأجنبي في موقف حرج بعد فقدانه 3.7 مليارات دولار في آخر 3 أشهر، منها 1.7 مليار دولار في شهر سبتمبر وحده، وإنه لمن الضروري إعادة بناء الاحتياطي بشكل عاجل ومن موارد ذاتية، وليس عبر الاقتراض الخارجي وبيع الأراضي، كما أعلن رئيس الحكومة شريف إسماعيل أول من أمس السبت.

لكن السؤال المطروح وبشدة هنا: هل يمكن إعادة بناء الاحتياطي المصري المتآكل، بسبب تراجع الدعم الخليجي وانخفاض إيرادات السياحة والصادرات والاستثمارات دون إجراء مصالحة وطنية حقيقية داخل المجتمع؟

قد يقول البعض إن المصالحة ملف سياسي وربما أمني بحت، وإن الاحتياطي الأجنبي ملف اقتصادي ومالي بامتياز، ولا علاقة بين الملفين من قريب أو بعيد؟

لكن أقول إن هناك ارتباطاً شديداً بين الملفين، وكلام الحكومة عن إعادة بناء الاحتياطي الأجنبي المتئآكل عبر الاقتراض الخارجي هو هروب من المشكلة وتأجيل لحلها وبمثابة دفن الرأس في الرمال.

فلا يمكن الحديث عن زيادة احتياطي النقد الأجنبي في ظل حالة الاحتقان الشديدة التي يعيشها المجتمع، ولا يمكن الحديث عن مواجهة عمليات المضاربة على العملة والقضاء على السوق السوداء مع حالة الفرقة والتشرذم التي تعيشها الأسرة المصرية.

ولا يمكن الحديث عن جذب استثمارات أجنبية في ظل أحكام الإعدام المتواصلة، ومصادرة أموال وممتلكات المعارضين للسلطة ووجود مشاكل في الطاقة واضطرابات في سوق الصرف واحتكار البعض للأنشطة الاقتصادية.

اقرأ أيضاً: مصر تسعى إلى اقتراض أربعة مليارات دولار خلال شهرين

ولا يمكن تنشيط السياحة، أحد أبرز موارد البلاد من النقد الأجنبي، والأمن يضرب السياح المكسيكيين بطريق الخطأ، ولن يحدث تنشيط للسياحة أيضا بدون استقرار سياسي وأمني، أو مع التوسع في استخدام كلمة الإرهاب وتصوير مصر على أنها أكبر دولة تحتضن إرهابيين في العالم، حيث يجب التوقف عن استخدام شماعة الإرهاب في ترهيب المعارضين وملاحقتهم أمنيا، وأن تقتصر مكافحة الإرهاب على سيناء وما يرتكبه الإرهابيون من جرائم تهدد المجتمع خاصة على حدود مصر.

ولا يمكن إقناع المصريين بعدم المضاربة في الدولار والتنازل عما في حوزتهم من نقد أجنبي للبنوك لإعادة بناء الاحتياطي الأجنبي في ظل زيادة الأسعار المتواصلة، ورفع الدعم عن الخدمات المعيشية مثل الكهرباء والبنزين والسولار، ووجود صعوبة في الحصول على وقود.

وإقناع المصريين العاملين بالخارج بتحويل مدخراتهم للداخل في حاجة للتوقف عن سياسة مصادرة الممتلكات الخاصة وتنفيذ الأحكام القضائية القاضية بإعادة الأموال المصادرة لأصحابها، فالتوقف عن مصادرة أموال المعارضين سيؤدي في النهاية إلى توقف البعض عن تهريب أموالهم للخارج، بل وإعادة ما خرج من البلاد خلال الفترة الماضية.

ولا يمكن الحديث عن إعادة بناء الاحتياطي الأجنبي، والمصريون يشاهدون بأنفسهم كيف يستمتع من نهب أموال البلاد وهرب ثرواتها للخارج بما سرقوه بعد أن برأتهم المحاكم ولم تتخذ الجهات المسؤولة خطوات فعلية في ملف استرداد الأموال المنهوبة بالخارج.

ويتكرر الموقف أيضا مع عدم إنجاز خطوات ملموسة في ملفات مثل مكافحة الفساد والتهرب الضريبي، والاستيلاء على أصول الدولة.

الاحتياطي الأجنبي هو الرئة التي تتنفس منها مصر، ولولا هذا الاحتياطي لأنهار الاقتصاد لا قدر الله، فكما قلت سابقا، من خلال الاحتياطي يتم شراء الواردات وسداد الديون وتقوية قيمة العملة المحلية أمام العملات الرئيسية وبالتالي مكافحة التضخم وكبح جماح الأسعار المرتفعة.

إعادة بناء الاحتياطي في حاجة لمصالحة حقيقية لا مفتعلة، مصالحة يتم من خلالها معاقبة المخطئ مهما كان موقعه، وإعادة الحقوق لأصحابها، مصالحة يشعر من خلالها المصريون بأنهم على قدم المساواة من حيث المواطنة والحقوق والواجبات، مصالحة لا تفرق بين مصري وآخر على حسب الدين والعقيدة والتوجهات السياسية والفكرية والوضع الاجتماعي والمادي.

المواطن هو من يصنع الاحتياطي الأجنبي وليس الحكومات، فالاستقرار داخل الشارع هو من يقنع المستثمر الأجنبي والسائح بالعودة لمصر، بل ويقنع أولاً المستثمرين المصريين بضرورة الإبقاء على أموالهم في الداخل، ويقنع المغتربين بتحويل أموالهم لداخل بلدهم لأن مصر أولى بها من غيرها.


اقرأ أيضاً: مصر تقترض لتعويض الاحتياطي.. والجنيه مهدد

المساهمون