الخياط الفلسطيني..يد من ذهب يمتلكها التاجر الإسرائيلي

29 يناير 2015
خياط فلسطيني مُسنّ بمدينة القدس المحتلة (Getty)
+ الخط -
في ثمانينيات القرن الماضي، كان الفلسطيني يلبس مما يصنع، وبعد نشوء السلطة الفلسطينية في التسعينيات، وفتحها باب الاستيراد على مصراعيه، ظل الفلسطيني يصنع ولكن الإسرائيلي هو الذي يلبس.
هل يبدو الأمر مدهشاً؟ هو كذلك فعلاً، وربما بيجامة بنيامين نتنياهو ذاته، خيطتها يد فلسطينية، لكنك لو فحصت قبة قميص نومه، ستجد علامة تجارية تدعي زوراً أنها "صُنعت في إسرائيل".
يقول فوزي أبو غالي، رئيس نقابة أصحاب مشاغل الخياطة وصناعة الملابس في جنين، لمراسل "العربي الجديد": "لا يوجد في إسرائيل مشغل واحد لتخييط الملابس، هنا في جنين وحدها، يوجد 55 مشغل خياطة، كلها تعمل لإسرائيل التي تورد القماش إلى مشاغل الضفة، ثم تأخذ الملابس الجاهزة التي تخيطها يد فلسطينية، وتضع عليها العلامة التجارية: صنع في إسرائيل".
قد يسأل سائل: بما أن الفلسطينيين يدهم طويلة إلى هذا الحد في صناعة الملابس، لماذا لا يصنعون لأنفسهم؟
بدأت انتكاسة الخياط الفلسطيني عام 1997، بسبب التسهيلات التي منحتها السلطة الفلسطينية للمستوردين، وقبل ذلك التاريخ بعشر سنوات، كانت السوق الفلسطينية تعتمد بنسبة 80% وأكثر على الإنتاج المحلي لمشاغل الخياطة وتصنيع الملابس.
يضيف أبو غالي "اليوم اعتماد السوق الفلسطينية على مشاغل الخياطة في البلد صفر. السياسات الاقتصادية للسلطة قضت على المنتج المحلي، صار بإمكان أي مواطن يحمل هوية أن يستورد من الخارج، بدون رخصة استيراد، ولا رقابة، ولا أي شروط، وبدون مراعاة للمنتج المحلي".
ومع إغراق السوق الفلسطينية بالبضائع المستوردة، كان أمام مشاغل الخياطة خياران: الانقراض، أو التعاقد في الباطن مع تجار إسرائيليين وتخييط القماش الذي يوردونه لهذه المشاغل، على مقاس شروطهم.
وهكذا تمكنت إسرائيل من التحكم بكل كبيرة وصغيرة في هذه الصنعة، لأنها المورد الوحيد للقماش إلى مشاغل الضفة، بمعنى: أصبح الخياط الفلسطيني أداة تنفيذ فقط.

وفي الضفة المحتلة 13 ألف خياط، وقبل اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، كان في جنين 125 مشغل خياطة، بقي منها 55 فقط، لأن إسرائيل نقلت نشاطها إلى الأردن، وخففت اعتمادها على المشاغل الفلسطينية، وخاصة في الملابس التي ستصدرها إلى أميركا وأوروبا.
في إحدى مشاغل مدينة جنين، يتنقل محمد جبارين (وهو صاحب مشغل خياطة) بين 30 عاملاً وعاملة في مشغله، منكبين على ماكيناتهم، يعملون على مدار 7 ساعات ونصف في اليوم، بأجور تتراوح من 11 إلى 20 دولاراً يومياً للبنات، ومن 13 إلى 25 دولاراً يومياً للرجال، ومعظم العاملين في مهنة الخياطة من النساء.
"نحن خدم عند الإسرائيليين"، هكذا قال جبارين، الذي يحاول من دون فائدة، تحويل إنتاجه إلى السوق الفلسطينية، مضيفاً "التاجر الإسرائيلي يستغلنا حتى النخاع، رغم الربح الهائل الذي يجنيه من وراء مشاغلنا وعمالنا، يعز على الإسرائيليين أن نأخذ على الأقل حقنا في الأجور، ثم لو كان هناك عدالة، ستكون العلامة التجارية الحقيقية على ملابس الإسرائيليين: صنع في فلسطين".
دخل جبارين، سوق الخياطة من أضيق أبوابه، حيث وقع في الأسر عام 1987، وأمضى 11 عاماً في السجون الإسرائيلية، وهناك شاهده سجان درزي اسمه فؤاد وهو يتسلى بتطريز القماش في زنزانته، وكان لفؤاد مَشغل خياطة في جنين، فعرض على جبارين العمل خياطاً في مشغله.
"في السجن ليس أمامك طريقة لقتل الوقت سوى بالتطريز أو بحلاقة شعر الأسرى، عملت في مشغل السجان فؤاد 4 سنوات، قبل أن يصبح لي مشغلي الخاص".
ويتابع محمد "إسرائيل لجأت إلينا لأنها تريد يداً عاملة رخيصة، واليوم نلمس أنهم يبحثون عن مكان أرخص خارج الضفة، فنحن مثلاً كنا نعمل مع شركة إسرائيلية اسمها دلتا، نقلت مشاريعها إلى مصر منذ أربع سنوات، لأن العمال هناك أرخص من هنا".
وأكثر ما يستفز جبارين، أن التجار الفلسطينيين لا يتعاقدون مع المشاغل المحلية ولا يطلبون منها إنتاج ملابس لمحلاتهم، والأمر لا يتعلق على ما يبدو بفرق السعر بين المحلي والمستورد. يقفز جبارين ويتناول قطعة ملابس من تحت ماكينة خياطة في مشغله، يفردها على طاولة خشبية ويشرح "أجد في السوق الفلسطينية قطع ملابس خيطتها في مشغلي، أسأل التجار عن مصدرها، فيقولون بملء أفواههم: هذه من نص تل أبيب".
ويفتح جبارين فمه بطريقة مضحكة متهكماً على التجار الفلسطينيين، ويستطرد "أنا أخيطها، إسرائيل تأخذها، التاجر الفلسطيني يذهب ويعيدها إلى سوقنا الفلسطينية".
المساهمون