بضائع قيمتها 200 مليار دولار تهرب من البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثي

05 يناير 2024
سفينة تجارية عابرة لقناة السويس في طريقها إلى باب المندب (Getty)
+ الخط -

وسط مخاوف غربية من توسع الحرب الإسرائيلية في غزة تتواصل هجمات جماعة الحوثي على السفن في البحر الأحمر لتدفع أسعار الشحن البحري إلى أعلى مستوى، مما يهدد بعودة معدلات التضخم للارتفاع في الاقتصاديات العالمية، واضطراب سلاسل الإمداد بالمصانع والمتاجر بسبب تأخر وصول البضائع وقطع الغيار والسلع الوسيطة والمواد الخام، وهو ما يضع البنوك المركزية الكبرى في حرج يدفعها نحو تجميد خطط خفض أسعار الفائدة.

وحتى الآن، حولت شركات الشحن البحري الكبرى مسار أكثر من 200 مليار دولار من البضائع على مدى الأسابيع القليلة الماضية بعيدًا عن البحر الأحمر وقناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح بجنوب أفريقيا، لتفادي ضربات صواريخ ومسيرات الحوثي المناصرة للفلسطينيين.

وباتت هذه الضربات تهدد عملية الشحن البحري بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، وبالتالي عمليات الربط التجاري بين آسيا وأوروبا التي تعرضت تلقائياً لهزة كبيرة، حسب تقرير بقناة "سي أن بي سي" الأميركية، يوم الأربعاء.

ويقول التقرير، إن هجمات جماعة الحوثي المناصرة للفلسطينيين المحاصرين في غزة، أدى إلى عقبات متعددة الجبهات للتجارة العالمية، وفقًا لمديري الخدمات اللوجستية. ومن بين هذه العقبات، زيادة أسعار الشحن البحري يوميًا، ووضع رسوم إضافية، وطول الوقت الذي تأخذه السفن المبحرة من آسيا إلى الوجهات الأوروبية وبالعكس، وبالتالي زمن وصول البضائع إلى المتاجر والمصانع والغربية. وهدد ذلك بتأخر منتجات الربيع والصيف في أوروبا التي باتت الحلقة الضعيفة في التداعيات السالبة للحرب على غزة.

وحسب بيان بعثة أميركا لدى الأمم المتحدة الصادر مساء الأربعاء على موقعها، هاجم الحوثيون منذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني، أكثر من 20 سفينة تجارية، وفي 31 ديسمبر/كانون الأول، حاول الحوثيون الصعود على متن سفينة ميرسك هانغتشو، وهي سفينة حاويات مسجلة في سنغافورة وتديرها شركة دنماركية.

وكانت شركة ميرسك قد استأنفت استخدام البحر الأحمر قبل بضعة أيام فقط، بعد أن أطلقت الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها عملية بحرية متعددة الجنسيات لحماية السفن في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر، لكنها تراجعت عن قرارها مع زيادة مخاطر استهدافات الحوثي.

وفي اجتماع طارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الأربعاء بدعوة من الولايات المتحدة وأعضاء آخرين في المجلس، قالت المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة، إن 18 شركة شحن بحري قررت تغيير مسار سفنها بعيدًا عن البحر الأحمر وحول جنوب أفريقيا إلى الحد من مخاطر الهجمات الحوثية.

وقال الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية، أرسينيو دومينغيز، للمجلس في مؤتمر صحافي بالفيديو: "هذا يضيف 10 أيام إلى الرحلة وزيادة في أسعار الشحن". وحسب تقرير بقناة "في أيه" بولاية فيرجينيا الأميركية، يوم الأربعاء، قال دومينغيز، إن نحو 15% من تجارة الشحن الدولية تمر عبر البحر الأحمر. وقال إنه من "الأهمية القصوى" ضمان سلامة وأمن سلاسل التوريد العالمية وكذلك الأطقم على متن هذه السفن.

على صعيد تداعيات هجمات الحوثي على التضخم، قال الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات الاقتصادية العالمية مجموعة ليندسي، لاري ليندسي، لقناة "سي أن بي سي" الأميركية، يوم الأربعاء، إن "ضغوط سلاسل التوريد التي تسببت في ارتفاع التضخم في عام 2022 قد تكون على وشك العودة، إذا استمرت المشاكل في البحر الأحمر والمحيط الهندي".

وقال ليندسي: "لا يستطيع بنك الاحتياط الفيدرالي ولا البنك المركزي الأوروبي فعل أي شيء حيال ذلك، ومن المرجح أن تنظر البنوك المركزية في معدل التضخم الذي تسببه الهجمات، وتأثير ذلك على مسار خفض الفائدة المتوقع".

وأثارت هجمات الحوثي ضد السفن التجارية تحذيرًا شديد اللهجة من الولايات المتحدة واليابان والمملكة المتحدة وتسع دول أخرى. وقالت الدول في بيان مشترك: "سيتحمل الحوثيون مسؤولية العواقب إذا استمروا في تهديد الاقتصاد العالمي والتدفق الحر للتجارة في الممرات المائية الحيوية في المنطقة".

وحسب "سي أن بي سي"، ارتفعت أسعار الشحن البحري من آسيا إلى شمال أوروبا بأكثر من الضعف هذا الأسبوع لتتجاوز 4000 دولار لكل وحدة تعادل 40 قدمًا (حاوية). وارتفعت الأسعار في منطقة آسيا والبحر الأبيض المتوسط إلى 5175 دولارًا للحاوية.

وأعلنت بعض شركات النقل عن أسعار تزيد عن 6000 دولار لكل حاوية 40 قدمًا لشحنات البحر الأبيض المتوسط بدءًا من منتصف الشهر، مع رسوم إضافية تتراوح بين 500 دولار و2700 دولار لكل حاوية.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة الشحن "أو إل ـ يو أس أيه" الأميركية، آلان باير: "نظرًا للحركة التصاعدية المفاجئة لأسعار الشحن البحري، يجب أن نتوقع أن تترجم هذه التكاليف المرتفعة في سلسلة التوريد وتؤثر تبعاً لذلك على المستهلكين خلال الربع الأول من العام الجاري". وأضاف، أن الشركات تتخوف من حدوث فوضى شبيهة بما حدث في الفترة من 2021-2022 بسبب جائحة كورونا.

كما أعلنت شركة الشحن الفرنسية العملاقة "سي أم آ سي جي أم" أنها ستزيد رسومها بمقدار الضعف اعتبارًا من 15 كانون الثاني/يناير لعمليات الشحن بين آسيا والبحر المتوسط، على خلفية هجمات الحوثيين على السفن التجارية.

كذلك، رفعت "شركة البحر الأبيض المتوسط للشحن" MSC الإيطالية السويسرية رسومها منذ الأول من كانون الثاني/يناير، لتغطية نفقات إطالة رحلات سفنها التي باتت الآن تدور حول إفريقيا بدلًا من العبور في البحر الأحمر وصولًا إلى قناة السويس.

وأعلنت شركة الشحن العالمية في 28 كانون الأول/ديسمبر الماضي رسومًا إضافية تراوح بين ألف وألفي دولار لكل حاوية تُنقل بين البحر الأبيض المتوسط وشبه الجزيرة العربية أو شرق أفريقيا أو الهند.

وارتفعت الأسعار من آسيا إلى الساحل الشرقي لأميركا الشمالية بنسبة 55% لتصل إلى 3900 دولار لكل حاوية 40 قدماً. كما ارتفعت أسعار الساحل الغربي بنسبة 63% إلى أكثر من 2700 دولار. ومن المتوقع أن يبدأ المزيد من شركات الشحن في تجنب الساحل الشرقي ويفضلون موانئ الساحل الغربي. وبالمثل، فإن أسعار الفائدة في طريقها للارتفاع مرة أخرى، بدءًا من 15 يناير/كانون الثاني بسبب الزيادات المعلن عنها مسبقاً.

في ذات الصدد، قال رئيس الاستثمار في مجموعة بليكلي المالية، بيتر بوكفار، لشبكة CNBC: "هنالك مشكلة كبيرة، لأن انخفاض أسعار السلع هو الذي خفف من ضغط التضخم ". وعلى الرغم من أن التوتر في البحر الأحمر يمكن أن ينتهي في أي لحظة، إذا انتهت الحرب في غزة، إلا أن ذلك بمثابة تذكير لبنك الاحتياط الفيدرالي بأنه لم يكسب معركة التضخم بعد".

وقبل يومين قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي، توماس باركين، في ريتشموند في تصريحات معدة لخطاب في رالي بولاية نورث كارولينا، إن رفع أسعار الفائدة لا يزال مطروحًا على الطاولة على الرغم من إشارة مسؤولي البنك المركزي في اجتماع ديسمبر إلى أن جولة تشديد السياسة النقدية ربما تكون انتهت. ووفق "سي إن بي سي"، ذكر باركين: إننا نحرز تقدمًا حقيقيًا، إذ يكمل التضخم رحلته إلى مستوياته الطبيعية كما أن الاقتصاد لا يزال في وضع جيد.

ويمر ما بين 25% إلى 30% من أحجام شحن الحاويات العالمية عبر قناة السويس، خاصة التجارة بين آسيا وأوروبا، وتشير التقديرات إلى أن إعادة التوجيه على نطاق واسع للسفن حول أفريقيا، يمكن أن يقلل من طاقة شحن الحاويات العالمية بنسبة تراوح بين 10% إلى 15%.

المساهمون