شغلتنا عناوين الأخبار المتأرجحة بين تخفيض الجنيه المصري وتحركات البنك المركزي لاحتواء الموقف من ناحية، والحرب في أوكرانيا وتأثيراتها على أسعار النفط والغذاء من ناحية أخرى، فلم نتحدث عن "يوم الضرائب" في الولايات المتحدة، والذي لا أعرف إن كان موجوداً في دول أخرى أم لا، وأراه يمثل نجاحاً كبيراً في إدخال ملايين المواطنين في النظام الرسمي للدولة، ويضيف ملايين الدولارات لإيراداتها. يحلّ يوم الضرائب، إذ يتعين على كلّ "مقيم" في الولايات المتحدة تقديم إقراره الضريبي للحكومة الفيدرالية وللولاية المقيم بها قبل منتصف شهر إبريل من كل عام، إلا إذا تعارض مع عطلة نهاية الأسبوع أو أي عطلة رسمية أخرى، فيتم ترحيله لأول يوم عمل تالٍ، وتم إقراره أول مرة عام 1913، مع التصديق على التعديل السادس عشر للدستور.
قبل هذا اليوم، يتعين على كل مقيم في الولايات المتحدة، بغض النظر عن شرعية تواجده فيها، الإقرار بكلّ مداخيله إذا زادت عن 12.400 دولار خلال العام المنتهي، وفقاً لأرقام 2022، وفي حال شكِّ الحكومة في الإقرار المقدم من أحد الممولين، يمكنها أن تطلب فحص أوراقه بصورة دقيقة، وويل له إن كانت بياناته غير حقيقية. ولدى مصلحة الضرائب IRS على موقعها على الإنترنت إجابة عن كل الأسئلة المحتملة.
يمكن تقديم الإقرار ورقياً، من خلال ملء النماذج وطبعها وإرسالها، أو إلكترونياً من خلال موقع مصلحة الضرائب، أو من خلال العديد من المواقع التي تسمح للأفراد بتقديم إقراراتهم مقابل مبلغ زهيد، أو مجاناً لمستويات الدخل المتدنية. وبعد التقديم، إما يكون على المواطن إكمال سداد ما عليه من ضرائب، أو يكون قد اقتطع منه كموظف، أو في أي عمل أداه خلال العام، أكثر مما ينبغي عليه دفعه، وبذلك يسترد فارق المبلغ، من خلال شيك يتم إرساله إليه أحياناً في فترة لا تتجاوز الأسبوع.
في البداية، يحاول المهاجر، الذي لا يكون له دخل منتظم عادة في أول أيامه في الولايات المتحدة الابتعاد عن الضرائب، أملاً في توفير عشرات أو مئات الدولارات، قبل أن يدرك كم المزايا التي يمكنه الحصول عليها من تقديم إقراره الضريبي.
وفي أغلب الأحيان، وبسبب مختلف أنواع الإعفاءات الضريبية التي توفرها الحكومة الفيدرالية والولايات لمحدودي الدخل، ينتهي الأمر بمقدم الإقرار ممن يعملون أعمالاً مستقلة Freelancing بالحصول على مئات، وربما آلاف، الدولارات، لو كان دخله السنوي أقل من مستوى معين.
لا تقتصر مزايا تقديم الإقرار الضريبي على ما يتم استرداده من أموال، إذ يستفيد منها المهاجر الشرعي وغير الشرعي في نواحٍ كثيرة، فيمكن من خلاله إثبات الإقامة في أيّ ولاية لو لم تكن هناك وسيلة أخرى، وهو ما يمنح الطلاب ميزة الحصول على تكاليف دراسة جامعية منخفضة، ويسمح بالحصول على المنح الدراسية والمساعدات المالية لو تم التقديم لجامعة في الولاية التي يقيم فيها الطالب. ومن ناحية أخرى، تعتمد البنوك على الإقرار الضريبي لإثبات دخل العميل، وهو ما يحدد مبلغ القرض الذي يمكنه الحصول عليه لشراء منزل، كما العديد من القرارات الأخرى.
يمنح الإقرار الضريبي ميزة أخرى للمهاجر غير الشرعي، أو للمهاجر الشرعي الذي لم يستكمل أوراق الإقامة الخاصة به، حيث يمكنه من خلال ذلك الإقرار، في بعض الولايات، بإصدار رخصة قيادة السيارة، وهو أمر شديد الأهمية للمهاجر الجديد، خاصة في بلد مترامي الأطراف مثل أميركا. ويساعد الإقرار الضريبي منخفضي الدخول في الحصول على تأمين صحي لائق، بتكلفة محدودة، حيث لا يمكن التأكد من دخل المستحقين إلا من خلال الإقرار الضريبي.
وخلال فترة الوباء، ومع فقدان الملايين لوظائفهم، ساعد الإقرار الضريبي الملايين في الحصول على إعانات البطالة، وكذا الإعانات الحكومية التي قدمتها وزارة الخزانة الأميركية، وهو ما سمح لهم بالتغلب على مصاعب الحياة في تلك الفترة العصيبة، بينما تدهورت الأحوال المعيشية لمن لم يقدموا إقرارات ضريبية قبل عام 2020.
لا تقدم الحكومة الأميركية تلك الخدمات بالمجان، وإنما تعتبر تلك المميزات جاذبة للملايين لإثبات مصادر دخولهم، والدخول في النظام الرسمي للدولة، وربما الحصول على بعض المزايا في السنوات الأولى، لكنّ ذلك يضمن لها إلى حد كبير عدم تسرب هؤلاء من النظام، والاضطرار إلى إثبات دخولهم السنوية، وأسرهم، خلال السنوات التالية، التي يرتفع فيها عادة دخل المهاجر بعد استقراره في البلاد. وينطبق نفس الأمر على الشباب ممن يدخلون سوق العمل لأول مرة، وهو ما يدخلهم مباشرة في النظام، ويمنع تسربهم وضياع ملايين الدولارات على خزانة الدولة.
لا يسمح النظام بوجود شخص فوق القانون، مهما علا شأنه أو تقلد من مناصب. وخلال السنوات الأخيرة، تابعنا مسلسل قضايا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مع الضرائب، والذي عرفنا من خلاله أنّ الملياردير دفع في إحدى السنوات 700 دولار ضرائب فقط، الأمر الذي تسبب في مطالبته بالكشف عن إقراراته الضريبية لسنوات سابقة، وبعد محاولات عدة من جانبه لتجنب ذلك، صدر حكم قضائي يلزمه بالكشف عن تلك الإقرارات.
والأسبوع الماضي، نشر البيت الأبيض على موقعه على الإنترنت الإقرار الضريبي الذي قدمه الرئيس الحالي جو بايدن وزوجته، والذي أظهر حصولهما على دخل يقدر بنحو 610 آلاف دولار خلال عامهما الأول في البيت الأبيض (2021)، دفعا عنها ضرائب فيدرالية تتجاوز 150 ألف دولار، وبمعدل 24.6%، بالإضافة إلى 30 ألف دولار دفعاها لولاية ديلاوير، مكان بيتهما، بينما دفعت السيدة الأولى نحو 2700 دولار في إقرار آخر قدمته لولاية فيرجينيا.
أيضاً نشر البيت الأبيض ماليات نائبة الرئيس وزوجها، وأظهرت حصولهما العام الماضي على 1.65 مليون دولار، دفعا ما يقرب من ثلثها للضرائب. فهل تعرف يا أخي العربي كم دفع رئيسك أو ملكك من ضرائب في أي عام مضى؟