يكاد المريب في مصر والسعودية أن يقول خذوني

11 سبتمبر 2024
المقر الجديد للبنك المركزي المصري في العاصمة الإدارية، 1 أغسطس/آب 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **قضية صفقة OPL 245 في نيجيريا**: في 2011، باعت الحكومة النيجيرية حقوق حقل النفط OPL 245 لشركتي "إيني" و"رويال داتش شل" مقابل 1.3 مليار دولار. اتهمت الشركتان بدفع رشاوى، لكن برأتهما محكمة ميلانو في 2021، واستمرت التحقيقات في نيجيريا.

- **اتفاقيات حماية الاستثمارات في مصر**: تعتزم مصر توقيع اتفاقية حماية الاستثمارات مع السعودية، تتضمن بنودًا لحماية الاستثمارات في حالات الطوارئ. مصر وقعت سابقًا 37 اتفاقية مماثلة مع دول مختلفة.

- **البنود المثيرة للجدل في الاتفاقيات الجديدة**: الاتفاقيات الجديدة مع السعودية تشمل بنودًا لحماية الاستثمارات في حالات الثورات، مما يثير تساؤلات حول نوايا الأطراف ويعكس قلقًا من عدم الاستقرار السياسي.

عانت نيجيريا، وهي واحدة من أكبر الدول الإفريقية من حيث الموارد الطبيعية، لسنوات طويلة، فسادَ حكوماتها وسوءَ الإدارة، وكان من بين القضايا الأكثر شهرة في البلاد واحدة تتعلق بصفقات الغاز والنفط بين الحكومة النيجيرية وشركات أجنبية، وهي قضية صفقة حقول النفط المعروفة باسم صفقة OPL 245.

‏بدأت أحداث هذه القضية في عام 2011، حين باعت الحكومة النيجيرية حقوق استغلال حقل النفط البحري OPL 245، الذي يُعد واحداً من أكبر حقول النفط في نيجيريا، لشركتي "إيني" الإيطالية و"رويال داتش شل" الهولندية مقابل 1.3 مليار دولار. وقتها ظهرت اتهامات بأن معظم الأموال المدفوعة لم تدخل الخزانة العامة النيجيرية، بل ذهبت إلى حسابات خاصة لمسؤولين نيجيريين وشخصيات نافذة في الحكومة، ومن بينهم وزير النفط السابق، دان إتيتي.

اتهمت السلطات الإيطالية الشركتين "إيني" و"رويال داتش شل" بدفع رشاوى لمسؤولين نيجيريين من أجل الحصول على حقوق الحقل النفطي بشروط تفضيلية، كما وُجِّهت اتهامات إلى عدد من التنفيذيين في الشركتين بالتورط في عمليات فساد وغسل أموال.

‏اللافت في هذه القصة كان تحصين الصفقة بقوانين واتفاقيات معقدة، بهدف تصعيب إلغائها أو مراجعتها على أي حكومة جديدة، لضمان استمرار الأرباح للشركات الأجنبية والمسؤولين الفاسدين الذين أبرموا الصفقة.

ولكن بعد سقوط الحكومة التي وقعت على هذه الاتفاقيات، ظهرت تفاصيل هذه الفضيحة إلى العلن، ‏إذ تولت حكومة جديدة السلطة عام 2015، بقيادة الرئيس محمد بخاري، وتعهدت بـ"محاربة الفساد ‏في البلاد". وبدأت الحكومة الجديدة على الفور بفتح ملفات الصفقات الفاسدة، وشُكِّلت لجان تحقيق ورفعت قضايا دولية ضد الشركات المتورطة.

في مارس 2021، وبعد تحقيقات ومحاكمات استمرت لسنوات، أصدرت محكمة في ميلانو بإيطاليا حكمًا ببراءة الشركتين "إيني" و"رويال داتش شل" من التهم الموجهة إليهما، وأعلنت أن الأدلة المقدمة لم تكن كافية لإثبات ارتكاب جرائم فساد من قبل الشركات أو مسؤوليها. وأكدت المحكمة ‏الإيطالية أن العقود أُبرمت بطريقة قانونية ولم يتم انتهاك القوانين الإيطالية.

‏ورغم إنهاء القضية في إيطاليا، استمرت التحقيقات في نيجيريا، وأسفرت عن تجميد أموال وفرض عقوبات على عدد من المسؤولين السابقين، كما أُلغيت الصفقات التي تبين أنها تمت بطريقة غير قانونية أو بشروط مجحفة ضد مصالح نيجيريا. مثلت القضية نقطة تحول في جهود مكافحة الفساد في البلاد، وأظهرت كيف يمكن للشعب والحكومة مواجهة الفساد، واستعادة بعض حقوق البلاد المنهوبة، في ظل ظروف دولية معقدة.

تذكرت هذه القضية مع قراءتي ما نشرته وسائل إعلام عربية يوم الاثنين عن عزم الحكومة المصرية توقيع ما أطلق عليه "اتفاقية حماية الاستثمارات" مع السعودية، خلال أيام. وقالت وسائل الإعلام إن مصر تعتبر التوقيع على هذه الاتفاقيات أولوية قصوى و"شغلها الشاغل" في الوقت الحالي، وفقاً لما أعلنه وزير الاستثمار والتجارة الخارجية حسن الخطيب.

وتشمل اتفاقيات حماية الاستثمارات المزمع توقيعها مع السعودية بعض البنود الخاصة بالالتزام بتوفير معاملة "منصفة وعادلة" للاستثمارات، وتخفيف القيود المتعلقة بإنشاء الاستثمارات وتوسيعها وصيانتها، إلا أنها تستهدف أيضاً ضمان حماية الاستثمارات في حالات الحرب أو النزاع أو الثورات أو الطوارئ والاضطرابات. وقالت الحكومة المصرية إن الاتفاقيات تتضمن أيضاً حماية الاستثمارات من أي إجراءات تمس ملكيتها أو تجرد المستثمرين من حقوقهم بشكل كلياً أو جزئياً، وتمنع تأميم الأصول أو نزع الملكية أو وضعها تحت سيطرة أشخاص أو جهات أخرى.

وأكد وزير الاستثمار المصري أن بلاده تعمل على حل أي مشكلات تواجه الاستثمارات السعودية في مصر لفتح صفحة جديدة مع المملكة، وكأن الصفحة السابقة كان فيها ما يشير إلى تجني مصر، التي تنازلت عن جزيرتي تيران وصنافير، ووضعت كل قوتها الناعمة، طوع الـ"تركي"، وباعت الأراضي والشركات للحليف السعودي.

اتفاقيات حماية الاستثمارات ليست جديدة، وسبق لمصر أن وقعتها في فترات سابقة، ويقال إن مصر وقعت نحو 37 اتفاقية لحماية الاستثمارات مع دول مختلفة. هذا أمر مفهوم، ومتوقع، ويمكن أن يكون مرغوباً فيه لو كانت تلك الاتفاقيات تكتب للحفاظ على حقوق المصريين كما تحافظ على حقوق المستثمرين الأجانب، بمن فيهم القادمين من منطقة الخليج العربي.

في عام 1992، وقعت مصر اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار مع الولايات المتحدة لتوفير الحماية للمستثمرين الأميركيين في مصر والعكس، ‏الأمر الذي عزز تدفق الاستثمارات بين البلدين. وفي عام 2005، وقعت مصر وألمانيا اتفاقية لحماية وتشجيع الاستثمارات بين البلدين، بهدف توفير الحماية القانونية للمستثمرين من كلا البلدين.

ووقعت مصر على العديد من الاتفاقيات الثنائية مع دول الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، يهدف جميعها إلى تعزيز وحماية الاستثمارات بين الجانبين. أيضاً وقعت مصر اتفاقيات مشابهة مع العديد من الدول العربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، وذلك لتعزيز التعاون الاقتصادي وحماية الاستثمارات المتبادلة. وبالإضافة إلى ذلك، وقعت مصر اتفاقيات لحماية الاستثمارات مع العديد من الدول الأخرى حول العالم مثل الصين والهند واليابان وكندا وأستراليا.

‏وساهمت أغلب هذه الاتفاقيات في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما عزز النمو الاقتصادي وساهم في تطوير البنية التحتية وخلق فرص العمل في مصر، على مدار العقود السابقة، حتى لو سلمنا بأنها لم تصل إلى التوقعات.

ضمنت هذه الاتفاقيات للمستثمرين بيئة قانونية مستقرة وحمت حقوقهم في حالات النزاع أو التغيير في السياسات الاقتصادية، إلا أن أيّاً منها، على حد علمي، لم يتحدث عن حماية الاستثمارات ‏في حالة قيام ثورات أو تعرض البلاد لاضطرابات سياسية وأمنية، الأمر الذي يجعل وضع ذلك البند "الشاذ" في الاتفاقيات الجديدة ‏أمراً لافتاً، حيث ينقل رسالة مفادها أن المريب فعلاً، سواء في السعودية أو مصر، يكاد أن يقول خذوني!

المساهمون