"وول ستريت" تدفع ثمناً باهظاً للإفراط في الاقتراض

12 اغسطس 2024
مخاوف المستثمرين لم تنته بعد، 12 أغسطس 2024 (مايكل إم ستاياغو/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مستثمرو وول ستريت زادوا رهاناتهم على الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة والين الياباني، محققين أرباحاً كبيرة في النصف الأول من العام.
- الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية دفعت المستثمرين إلى خفض الرافعة المالية، مما أدى إلى تقلبات كبيرة في الأسواق، خاصة في يوليو.
- العملات المشفرة وأسهم التكنولوجيا شهدت تصفيات ضخمة وانخفاضات كبيرة، مما دفع المستثمرين إلى تقليص رهاناتهم وانتظار تقارير اقتصادية جديدة.

راكم مستثمرو "وول ستريت" على مدار الأشهر الأخيرة رهانات كبيرة مرتفعة المخاطر على الذكاء الاصطناعي ومدى نجاح شركات التكنولوجيا في استغلاله لتعظيم أرباحها، وعلى العملات المشفرة بعد تزايد القبول المؤسسي لها، ثم مؤخراً على الين الياباني. وكانت الجرعات المكثفة من الرافعة المالية، أو الأموال المقترضة، التي استخدمها المستثمرون لتضخيم المكاسب المتوقعة مشتركة بين جميع الصفقات، التي حقق أغلبها أرباحاً طائلة خلال النصف الأول من العام الحالي، ونجحت في جذب أنظار الكثيرين ممن اندفعوا إلى ركوب الموجة غير مدركين أنها اقتربت بالفعل من نهايتها.

ومع تبدل الأحوال، عادت الاضطرابات إلى الأسواق العالمية على مدار الشهر الماضي، ليبدأ الكثير من المستثمرين بجني أرباح رهاناتهم، والخروج من الأسواق، بعد أن تزايدت المخاطر، وأضيفت إليها مخاطر جيوسياسية وعدم يقين اقتصادي، ما لم يكن في الحسبان قبل أشهر قليلة. وبينما تسعى سوق الأسهم الأميركية لاستعادة توازنها، وتقترب من مستوياتها التي كانت قبل يوم الاثنين الذي كاد يكون أسود، يحذر اقتصاديون من وجود أسباب تدعو إلى ترقب المزيد من الاضطرابات.

وقال آندي كونستان، الرئيس التنفيذي لشركة دامبد سبرينغ أدفايزرز، وهي مستشارة لصناديق التحوط الكلية، لـ"وول ستريت جورنال"، إن الخسائر الأخيرة كانت ناجمة إلى حد كبير عن "خفض الرافعة المالية". فالتغيرات في الظروف الاقتصادية أو المالية قد تجبر المستثمرين على بيع جزء من محافظهم، مثل حيازات الأسهم الأميركية أو اليابانية، للتعامل مع الخسائر الناجمة عن جزء آخر، مثل الرهانات بالاستدانة على الين الضعيف. وتستغرق تلك العملية وقتاً للحد من المخاطر، قبل أن يتمكن المتداولون من إعادة التحميل، لمواصلة رهاناتهم الخطرة.

ورأى كونستان أنه "يتعين على عملية خفض الرافعة المالية أولاً أن تجتذب الأشخاص الذين لديهم مراكز طويلة الأجل ويتلقون "نداء الهامش"، قبل أن يُعاد تدويرها في مراكز جديدة طويلة الأجل، وفي روافع مالية جديدة". وقال بنك غولدمان ساكس إن شهر يوليو/تموز الماضي كان أحد أكبر حلقات خفض الرافعة المالية لعملاء صناديق التحوط في شركة الوساطة الرئيسية غولدمان ساكس في السنوات العشر الماضية.

وفي حين تجرى أتمتة التداول أكثر من أي وقت مضى، لا تزال القرارات التي يتخذها الأفراد مهمة، فقلة الموظفين المحترفين العاملين من مكاتبهم تعني نقصاً في الأفراد المخضرمين على مكاتب التداول، وقلة المستثمرين الذين يتدخلون للشراء مع انخفاض الأسعار، وهو ما يفسر مرور شهر أغسطس/ آب الحالي بأمثلة من الذعر في الماضي، مثل انهيار صندوق التحوط Long-Term Capital Management في أغسطس 1998 و"زلزال الكم" في أغسطس/آب 2007.

وخلال اضطرابات الأسبوع الماضي، قال رئيس إقراض العملات المشفرة في "ترايدنت ديجيتال" باتريك هوسر في مذكرة: "كانت السيولة أسوأ أو مساوية لما كانت عليه أثناء انهيار الأسواق وقت ظهور كوفيد 19". ورغم أنه من الصعب تحديد الأسباب الدقيقة لانهيارات السوق، من المؤكد أن الإشارات إلى تباطؤ الاقتصاد الأميركي ساهمت في التقلبات، ومع ذلك، يمكن أن يُعزى قدر كبير من الصدمة التي يشعر بها المستثمرون من سوق هبطت بسرعة كبيرة، ثم عادت فجأة، إلى اندفاع المستثمرين للتراجع عن الرافعة المالية بسرعة، إما من تلقاء أنفسهم وإما بعد تلقي مكالمات من السماسرة.

المراهنة الكبيرة على اليابان

وعندما تتحول الرهانات عالية الرافعة المالية في الاتجاه الخطأ، يمكن أن تحدث انعكاسات حادة، تدفع شركات الوساطة إلى طلب المزيد من الضمانات مقابل الأموال المقترضة، وهو ما يدفع صناديق التحوط إلى البيع مجبرة على خفض المخاطر وتلبية هذه المتطلبات. ووصلت الرهانات الصافية ضد الين من قبل صناديق التحوط والمضاربين الآخرين الذين يعتمدون عادة على الرافعة المالية إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2017، وفقاً للجنة تداول السلع الآجلة. وتعكس الأرقام الصافية مراكز البيع للمراهنة على الانخفاضات، ناقص مراكز الشراء التي تتوقع المكاسب.

وكانت الصناديق التي تقوم بمراهنات الاقتصاد الكلي وغيرها تبيع الين على المكشوف، للاستفادة من أسعار الفائدة القريبة من الصِّفر في اليابان، لتقوم ببيعه بعد اقتراضه، واستثمار العائدات في مكان آخر. ويطلق المحترفون على ذلك تجارة فائدة الين. وقام البعض بمبادلة الين بالدولار، على سبيل المثال، لشراء سندات الخزانة ذات العائد الأعلى. وفي ذروة يوليو الماضي، بلغت قيمة الرهانات القصيرة لصناديق التحوط والمضاربين الآخرين على الين 14 مليار دولار، وفقاً للجنة تداول السلع الآجلة.
وكانت هناك علامة أخرى على تراكم الديون: فقد بلغ الإقراض الأجنبي للبنوك اليابانية تريليون دولار في مارس/آذار الماضي، وفقاً لتحليل ING لبيانات بنك التسويات الدولية، وهي زيادة بنسبة 21% منذ عام 2021. وتفككت التجارة على مدار الشهر الماضي مع تضييق الفجوة بين عائدات السندات الحكومية الأميركية واليابانية قبل تخفيضات أسعار الفائدة المتوقعة في الولايات المتحدة. وتعرضت لضغوط جديدة عندما رفع بنك اليابان أسعار الفائدة، ما أدى إلى ارتفاع الين وإجبار هؤلاء المتداولين على التراجع عن رهاناتهم بالاستدانة.

وبحلول الثلاثاء، اليوم التالي للانهيار الأخير للسوق، انخفضت هذه الرهانات ضد الين بأكثر من 80% من الذروة، إلى مركز قصير صاف أكثر تواضعاً. وكتب كبير الاستراتيجيين في منصة تداول الأسهم إنتراكتيف بروكرز ستيف سوسنيك للعملاء الأسبوع الماضي: "هناك مستثمرون بالاستدانة ينفجرون لأنهم اقترضوا مبالغ هائلة من الين منخفض العائد لشراء كل شيء آخر".

التكنولوجيا تتحول إلى حطام

وتحولت الصفقات الأخرى الشائعة التي تعتمد على الرافعة المالية إلى صفقات مؤلمة، فلأكثر من عام، قامت صناديق التحوط والصناديق الكمية التي تعتمد على الكمبيوتر وغيرها من الصناديق بالاستثمار في أسهم التكنولوجيا الأميركية الكبيرة باستخدام أموال مقترضة، غالباً مع المراهنة ضد أسهم الشركات الصغيرة، وفقاً للمستثمرين والمحللين.
وانقلبت التجارة رأساً على عقب في يوليو الماضي، وذلك بفضل الأرباح الباهتة التي أضرت بأسهم التكنولوجيا وأطلقت العنان لارتفاع طال انتظاره في أسهم الشركات الصغيرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى التوقعات بأنها ستستفيد من انخفاض تكاليف الاقتراض. وعلى مدار الشهر الماضي، انخفضت أسهم الشركات المفضلة لدى المستثمرين منذ مدة طويلة، مثل تسلا وأمازون وإنفيديا، بنسبة 15% أو أكثر.

تصفيات ضخمة للعملات المشفرة

في سوق العملات المشفرة، شهدت الأيام الخمسة الأولى من هذا الشهر أكثر من ثلاثة مليارات دولار من "التصفية القسرية"، أو المبيعات غير الطوعية للمواقف من قبل المتداولين الذين يعتمدون على الأموال المقترضة، بعد أن أثبتت حسابات الهامش الخاصة بهم عدم كفايتها للتعامل مع الخسائر الأخيرة، وفقاً لشركة البيانات CoinGlass، التي أشارت إلى أن سعر بيتكوين تراجع بأكثر من 18% خلال تلك الأيام الخمسة، بينما انخفضت إيثريوم بنسبة 24%.

وأمضى مستثمرو العملات المشفرة معظم الفترة منذ انهيار بورصة FTX في أواخر عام 2022 في تقليص استثماراتهم، وهو ما توقف هذا العام، حيث أدى إطلاق صناديق التداول الفورية في البورصة الأميركية التي تحتفظ ببيتكوين وإيثريوم، أكبر عملتين مشفرتين، إلى تعزيز تفاؤل المستثمرين بارتفاع أسعار العملات المشفرة. وأعرب الكثيرون عن وجهة نظر صعودية من خلال شراء منتجات مشتقة من بيتكوين يقول المستثمرون إنها تتمتع "برافعة مالية متأصلة". وبلغ المعادل الدولاري لعقود مشتقات بيتكوين المعلقة على البورصات المركزية 37 مليار دولار في بداية أغسطس الحالي، وهو ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل عام، وفقاً لـ CCData. ودفعت الفوضى التي شهدتها السوق في الخامس من أغسطس الإجمالي إلى الانخفاض إلى 28 مليار دولار.

ويستعد المستثمرون لمزيد من التقلبات، في انتظار تقرير التوظيف لشهر أغسطس، المقرر صدوره في السادس من سبتمبر/ أيلول المقبل، والذي قد يؤكد أسوأ مخاوف المتشككين في الاقتصاد الأميركي، ما يشعل جولة جديدة من تخفيض الديون. وقال كبير مسؤولي الاستثمار في شركة كوميريكا لإدارة الثروات جون لينش في مذكرة إلى العملاء: "أقول لهم ألا يصابوا بالذعر".

المساهمون