وماذا لو هجّرت تركيا السوريين؟

06 يونيو 2022
دور فاعل وحيوي للسوريين في الاقتصاد التركي (العربي الجديد)
+ الخط -

قلما يستوي الطرح حين يُرمى بورقة اللاجئين السوريين في تركيا، إن على طاولة السياسة قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام المقبل، أو حين تحمّل الأحزاب التركية السوريين أسباب تراجع مستوى المعيشة وغلاء أسعار المنتجات والعقارات والخدمات وتهاوي سعر الليرة التركية.
بل في غالب الأحايين، يغلب النظر بعين واحدة لقضية السوريين، عبر التركيز على 3.7 ملايين سوري آوتهم تركيا، وما يلي منّة الإيواء من أضاليل ومبالغات، من قبيل تقاضي السوريين أجوراً من الدولة، وأن فواتيرهم مخفضة ويُميّزون بتسهيلات وإعفاءات لا يحصّلها الأتراك، كالذي نقرأه ونسمعه خلال حملات الكراهية ودعوات الطرد التي يقود أشرسها رئيس حزب النصر المعارض أوميت أوزداغ، ورئيس بلدية بولو المنحدر من حزب الشعب الجمهوري المعارض تانجو أوزجان.
بيد أن أحداً من هؤلاء العنصريين "بحسب الوصف التركي" لم يتطرق مرة إلى الدور الإيجابي للسوريين في تركيا، أو يسأل عن الآثار السلبية لهؤلاء على الاقتصاد التركي، فيما لو جرى ترحيل السوريين قسراً، أو حتى لو جرى تنفيذ ما يقال عن خطة العودة الطوعية التي تبدأ بمليون لاجئ، وربما تنتهي بكل من لا يحمل الجنسية التركية أو لم يؤسس عملاً يشغل أتراكاً ويساهم بالناتج الإجمالي والصادرات.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

قصارى القول، الواقع والمنطق يقولان: ليس جميع السوريين في تركيا ملائكة ومنتجين. لكن الواقع والمنطق ذاتهما يدللان على أن ليس جميع اللاجئين شياطين ومستهلكين، أو عالة على الاقتصاد التركي، ليُحمَّلوا وزر التاريخ ومشاكل الجغرافية وتبعات الاقتصاد، على أنهم الضلع القاصر أو الحيط الواطئ الذي يركبه من يشاء.
ببساطة، لأن القضية مركبة وتتعقّد مذ فتحت تركيا عام 2011، مشكورة، حدودها للهاربين من الموت والاعتقال، على اعتبارهم "مهاجرين وأنصاراً" وأبقتهم معلقين يفتقدون الاستقرار، عبر منحهم بطاقة الحماية المؤقتة "الكيملك" لتتعدد وجوه الحقيقة، بعدما حوّلت تركيا اللاجئين إلى ورقة انتخابية يتسابق الجميع على رميها بالصناديق، رغم تنوّع شرائح السوريين على أراضيها، إثر جذبها الرساميل وأصحاب الشهادات، واستفادت من وجود السوريين، سياسياً ومالياً، من الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الخليجية.
لذا، وليستوي القول، أو بعضه، ولا نقع بما نهينا عنه، ربما بسوق الأمثلة والأرقام بعضاً من ملامح الحقيقة، لأن الزعم بإطلاقها هروب وادعاء وقفز على الواقع والوقائع.

92% من العمّال السوريين يعملون أكثر من 8 ساعات يوميا، و59% منهم، يعملون أكثر من 65 ساعة أسبوعيًّا، من دون حوافز أو زيادة على الأجر

يبلغ عدد العمال السوريين في تركيا نحو 1.1 مليون منتج، بمعنى، لا يعيش هؤلاء وأسرهم على المساعدات أو يقيمون في مخيمات.
وأما طرد ما نسبته نحو 3% من إجمالي العمالة التركية، الأرجح أن يؤدي لخلل بسوق العمل ويغيّر من ملامح الأجور وطبيعة الإنتاج في بعض القطاعات، كالعقارات والنسيج، إن لم نقل أكثر، خاصة أن استغلال السوريين وحاجتهم، وباعتراف تركي، يبلغ أشده، إن بقيمة الأجر أو نوع العمل. 
والإحصائيات تشير إلى أن 92% من العمّال السوريين يعملون أكثر من 8 ساعات في اليوم، بل إن نسبة 59% منهم يعملون أكثر من 65 ساعة أسبوعيًّا، من دون حوافز أو زيادة على الأجر، بل إن متوسط أجور السوريين في المنشآت التركية هو الأقل ولا يتعدى، بالغالب، الحد الأدنى للرواتب والأجور"4250 ليرة".
وأما المؤشر الآخر الذي يتغافل عنه دعاة طرد السوريين وتحميلهم أسباب الفقر والبطالة، فيكمن بعدد الشركات والاستثمارات السورية التي جذبتها تركيا.
فإن أخذنا كلام وزير التجارة التركي محمد موش دليلاً، فإنه حتى عام 2020، يحتل السوريون المرتبة الأولى في تأسيس الشركات الأجنبية في تركيا، بعدد اقترب من 14 ألف شركة، ورأسمال ناف 480 مليون دولار، أي ما نسبته 2.4% من الشركات الأجنبية بتركيا.
وثمة تفاصيل يعرفها المختصون حول دور تلك الملايين والشركات في الاقتصاد، سواء ما يتعلق بتشغيل العمالة والاستفادة من القيم المضافة للمواد الأولية، أو توفير القطع الأجنبي جراء التصدير، فالدراسات التركية تقول إن 55% من المنشآت السورية بتركيا تصدر إنتاجها، أو قسماً منه، إلى الخارج.

يحتل السوريون المرتبة الأولى في تأسيس الشَّركات الأجنبية في تركيا، بعدد اقترب من 14 ألف شركة ورأسمال 480 مليون دولار

ولعل ما قاله مدير عام شركة "إيجا إش" التركية نوري دوغان عن متهمي السوريين بتركيا بزيادة نسبة البطالة والفقر: "لن تجد الشركات موظفين لتشغيل مصانعها إن هاجر السوريون"، فهذا جزء من الحقيقة، لأنه يسوّق السوريين على أنهم عمالة فقط، ويتجاهل دور المنشآت السورية بالتشغيل والإنتاج والتصدير ودعم العملة التركية، كما لم يشر إلى حجم استهلاك 3.7 ملايين سوري ودورهم في حركة الأسواق وعجلة الاقتصاد.
نهاية القول: لا يتنكر عاقل للمصائر المجهولة للسوريين إن هجّرتهم تركيا، إن إلى مناطق سيطرة الأسد أو إلى المخيمات الجديدة التي ستؤسس لتغيير ديموغرافي، وربما غزة فلسطينية أخرى، كما لا ينكر إلا الجاحد ما قدمته تركيا للاجئين، على صعد الاستقبال والتعليم والصحة، واحتضانها الملايين وقت رفع الأشقاء من حدود بلادهم بوجه السوريين.

بيد أن الحال تبدّل خلال العامين الأخيرين، بعد أن بات السوريون بتركيا المشجب الذي تعلق عليه الأحزاب المعارضة، وأحياناً الحزب الحاكم، أسباب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وتتجاهل إيجابيات وجود السوريين في العملية الإنتاجية والنمط الاستهلاكي وزيادة الصادرات التركية، وكأن وجه الحقيقة الأوحد أن بترحيل السوريين نهاية للتضخم والبطالة والفقر بتركيا.
الأمر الذي يوصل القيح إلى الحنجرة، خاصة إذا ما جرت المقارنة مع مصر على سبيل المثال، التي تتغنى، حتى اليوم، بمساهمة السوريين في سوق العمل والإنتاج، ولم ترفع يوماً سلاح العنصرية أو تحمّل اللاجئين وزر البطالة والفقر، علماً أنها لم تعبث بقضية السوريين كما تركيا، ورغم ما يعانيه الأشقاء على أرض الكنانة من تجويع وقهر وتفقير.

المساهمون