- التهريب يتم عبر منطقة الهلال النفطي إلى الجوف ثم عبر بوابة "عين كازيط" إلى السودان، مسببًا نقصًا في البنزين والديزل بالأسواق الليبية وتأثيرًا سلبيًا على الحياة اليومية للمواطنين.
- العلاقة بين حفتر وحميدتي تعزز عمليات التهريب، مع إمكانية تمويل مجموعة فاغنر المدعومة من روسيا جزئيًا من عائدات التهريب، مما يضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد الليبي ويحرم المواطنين من حصتهم العادلة من الموارد.
في الوقت الذي قفزت فيه فاتورة دعم الوقود في موازنة 2023، يكتشف الليبيون عمليات تهريب للمنتجات النفطية إلى قوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) في السودان عبر قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
يأتي ذلك بينما تستحوذ فاتورة الوقود على نصف الإيرادات النفطية في ليبيا، كذلك يعاني المواطنون من أزمة وقود خانقة، إذ يقفون في طوابير طويلة أمام المحطات لغرض التزود بالبنزين بسبب نقص الإمدادات.
وفي هذا السياق، كشف مسؤولون في قطاع النفط ومصادر أمنية ليبية لـ"العربي الجديد" عن تفاصيل عمليات التهريب والطرق التي تُستخدَم من أجل إيصال الشحنات المتفق عليها للسودان.
وقالوا إن عمليات التهريب تحصل عبر منطقة الهلال النفطي، وتُرسل بناقلات إلى منطقة الجوف، ومن ثم تُهرَّب عبر بوابة "عين كازيط" ثم إلى السودان. وأكدت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أن شحنات الوقود تتسلمها قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي، مؤكدة أن العمليات تسير بشكل متقطع.
وأشارت المصادر إلى أن عمليات نقل البنزين والديزل بدأت منذ شهر مايو/ أيار 2023، وهي مستمرة حتى الآن، موضحة أن تهريب الوقود إلى خارج الحدود ساهم في نقص البنزين والديزل في الأسواق الليبية.
وكشفت المصادر أن قوات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر مسؤولة عن إتمام توصيل الكميات المتفق عليها من الوقود إلى الجانب السوداني، إلا انها لم تحدد الكميات أو المقابل المادي الذي يتحمله الجانب السوداني.
وتربط حفتر علاقة وطيدة بحميدتي الذي أرسل نحو ألف من قواته إلى اللواء المتقاعد، حسب تقرير خبراء الأمم المتحدة لعام 2019، دعماً له بعد أن أرسل أغلب قواته لمهاجمة طرابلس في إبريل/ نيسان 2019.
وبيّن التقرير الأممي أنذاك أن حميدتي أرسل القوة السودانية لحماية بنغازي وتمكين قوات حفتر من الهجوم على طرابلس. ونقل عن عدد من المصادر قولها إن قوات الدعم السريع السودانية تمركزت لاحقاً في منطقة الجفرة جنوبيّ ليبيا، وفق التقرير الأممي.
وكانت صحيفة الغارديان البريطانية قد نقلت عن مسؤولين ليبيين قولهم إن تهريب نفط بلادهم المدعوم إلى قوات الدعم السريع يؤجج الحرب الأهلية الدائرة في السودان. وحسب تقرير للصحيفة يوم 25 مارس/ آذار الجاري، قالت السلطات الليبية إنها ستحقق في مزاعم سوء الإدارة بالجملة في المؤسسة الوطنية للنفط في البلاد.
وذكرت الصحيفة أن بعض الأموال قد تذهب أيضاً بشكل غير مباشر إلى مجموعة فاغنر المدعومة من روسيا، والتي أعيدت تسميتها الآن باسم "الفيلق الأفريقي".
وفي هذا السياق، أكد شهود عيان لـ"العربي الجديد" تواصل عمليات التهريب طوال الفترات الماضية. وقال يونس الزوي من سكان مدينة الكفرة جنوب شرقيّ ليبيا لـ"العربي الجديد" إن عملية تهريب البنزين والديزل تحصل عبر معبر "عين كازيط" بشكل مستمر، وأحياناً يجري إيقافه وفتحه مجددًا من قوات تابعة لحفتر.
والمعلومة نفسها أكدها المواطن محمد المنصوري، قائلاً إن هناك عمليات تحصل عبر "عين كازيط"، والبعض الآخر ينطلق في مسالك أخرى عبر جبل العوينات.
وأضاف المنصوري: بعد عام 2011 كان التهريب غير منظم، لكن الحال تغير بعد سيطرة القيادة العامة على الجنوب الشرقي بكامله، ومن ضمنه مدينة الكفرة، التي نشأت فيها كتيبة تابعة لها باسم سبل السلام.
وأكد المحلل الاقتصادي محمد الشيباني في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن هناك ارتفاعاً في فاتورة المحروقات عبر مقايضة النفط بالوقود خلال عام 2023. وقال الشيباني إن إجمالي بيع المحروقات في السوق المحلي تناقص العام الحالي مقارنةً بعام 2022، وهذا يدل على أن كميات المحروقات تذهب إلى التهريب.
وتقدَّر قيمة الكميات المهربة عبر الحدود بـ30% من فاتورة دعم المحروقات، لكن المحلل النفطي حسن الصديق يؤكد لـ"العربي الجديد" أن معدلات التهريب زادت أكثر من 55%، خصوصاً خلال عامي 2022 و2023.
تقدَّر قيمة الكميات المهربة عبر الحدود بـ30% من فاتورة دعم المحروقات، لكن المحلل النفطي حسن الصديق يؤكد لـ"العربي الجديد" أن معدلات التهريب زادت أكثر من 55%
وأوضح الصديق أن استيراد ليبيا من المحروقات زاد خلال عام 2023 بكميات تفوق الاستهلاك المحلي، ذهب جُلّه للتهريب نظراً للسعر المدعوم للسلعة.
وأضاف أن استمرار تهريب المحروقات، وخصوصاً إلى السودان خلال الفترة الأخيرة، سبّب نقصاً في البنزين والديزل في المحطات.
وعلى الرغم من أن ليبيا دولة غنية بالنفط، إلا أنها تستورد معظم احتياجاتها من الوقود، لأن مصافيها المحلية الصغيرة لا تنتج ما يكفي لتلبية الاحتياجات المحلية.
وحسب بيانات رسمية، تغطي مصافي النفط في ليبيا 10% من الاحتياجات المحلية، وتحتكر المؤسسة الوطنية للنفط استيراد النفط الخام والمنتجات المكررة وتصديرها.
وحصلت "العربي الجديد" على رسالة من رئيس المؤسسة الوطنية للنفط إلى رئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة، يؤكد فيها أن فاتورة الطاقة تستنزف نصف الإيرادات النفطية بقيمة 12.9 مليار دولار، منها 8.7 مليارات دولار لشركة الكهرباء من الديزل والخام والوقود الثقيل، وكذلك المحروقات والاستهلاكات الأخرى بـ4.2 مليارات دولار.
وأكد مصرف ليبيا المركزي أن أرقام الوقود تفوق احتياج الاقتصاد الوطني. وقال إن جزءًا من دعم المحروقات يُهرَّب إلى الخارج، مشيراً إلى زيادة فاتورة الدعم عام 2024.
وذكرت تقارير ديوان المحاسبة أن نفقات دعم المحروقات الأكبر من بين كل أنواع النفقات الأخرى للدولة. وأكد ديوان المحاسبة أن تفشي ظاهرة تهريب الوقود يؤدي إلى حرمان المواطنين في المناطق الجنوبية والحدودية نيلَ حصتهم ويوقف الكثير من المشروعات الإنتاجية.