بدلاً من البحث عن مساندة وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، من أجل دعمها في مساعدة نحو 2.3 مليون فلسطيني محاصرين في قطاع غزة ويتعرضون لحرب تجويع منذ 114 يوما، فوجئ العالم بإعلان أميركا وعدد من الدول وقف دعمهم للوكالة بزعم إسرائيل أنّ عدداً من موظفيها شاركوا في هجمات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتسود مخاوف من تفاقم الجوع بين سكان القطاع في ظل التراجع المحتمل لدور "أونروا" على خلفية وقف تمويل عدة دول لها، ما يؤثر على معيشة ملايين الفلسطينيين في غزة ودول أخرى تقدم الوكالة خدمات إغاثية لهم.
واندفعت الولايات المتحدة وعدد من الدول، ومنها أستراليا وإيطاليا وألمانيا وكندا، لتؤيد الاتهامات الإسرائيلية وتوقف تمويلاتها لوكالة أونروا. اللافت للانتباه أن إسرائيل استهدفت في عدوانها تدمير وتخريب الكثير من المدارس والمؤسسات التابعة لـ"أونروا" في غزة، بل قتلت أكثر من 150 موظفاً بالوكالة، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع في السابع من أكتوبر الماضي.
وتواجه "أونروا" التي تقدم خدماتها لقرابة 5.9 ملايين لاجئ في مناطق عملياتها الخمس، لبنان وسورية والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة، أزمة مالية على مدار السنوات الأخيرة تهدد بتوقف خدماتها.
وكانت "أونروا" وجهت في بداية العام الجاري نداء لجمع 1.6 مليار دولار من أجل برامجها وعملياتها واستجابتها الطارئة في المناطق التي تقدم فيها خدماتها. وقالت المنظمة الدولية، في يناير/ كانون الثاني الماضي، إنّ عشر سنوات من نقص التمويل المزمن قد أثرت بشدة على جودة بعض خدمات "أونروا".
وتتفاقم الأحوال المالية والمعيشية لدى الأسر الفلسطينية في مختلف محافظات غزة يوماً بعد الآخر، بفِعل تبعات العدوان الإسرائيلي، الذي يترافق مع حِصار مُشدد، أُغلقت على أثره المعابر المؤدية إلى القطاع، ولا يدخل من معبر رفح الحدودي مع مصر إلا كميات قليلة من المساعدات الغذائية والوقود التي لا تلبي احتياجات سكان القطاع.
واستهدف الاحتلال تدمير المخابز ومخازن الغذاء والمتاجر وتخريب القطاع الزراعي وقتل الصيادين، الأمر الذي ساهم في شح كبير في السلع الضرورية. وفي ظل انقطاع المساعدات المالية للأسر، التي كان يعتمد عليها ما يزيد عن 80% من سكان قطاع غزة قبل بدء الحرب، تدهورت أوضاع الغزيين المعيشية، فيما يعاني القطاع من زيادة في نسب البطالة، التي تخطت حاجز 75%.
وكان تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، الصادر من الأمم المتحدة يوم 21 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قد أكد أن جميع سكان قطاع غزة "يعانون من أزمة أو مستويات أسوأ من الانعدام الحاد للأمن الغذائي". وأظهر التقرير أن 26 في المائة من السكان (نحو 577 ألف شخص) قد استنفدوا إمداداتهم الغذائية وقدراتهم على التكيف ويواجهون جوعاً كارثياً (المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل).
وتأتي حرب أميركا وعدة دول أوربية على "أونروا" وتعليق المساعدات لها ليعمّقا الأزمات المعيشية لسكان غزة ويهدّدا بمزيد من الجوع، لا سيما الأطفال والنساء.
وناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الدول المانحة "ضمان استمرارية" عمليات وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بعدما علق الكثير منها تمويله لها بسبب اتهامات اسرائيل بأن موظفين في الوكالة قد يكونون ضالعين في هجوم حماس في السابع من أكتوبر/شرين الأول.
وأوضح غوتيريس في بيان، أمس: "فيما أفهم قلقهم، وقد روعت أنا أيضاً بهذه الاتهامات، أناشد الحكومات التي علقت مساهماتها أن تضمن على الأقل استمرارية عمليات أونروا". وتابع: "تجب تلبية الحاجات الملحة للسكان اليائسين الذين يقدمون الخدمات لهم". وشدد على أن "مليوني مدني في غزة يعتمدون على مساعدة أونروا الحيوية لاستمراريتهم، لكن التمويل الحالي لأونروا لن يسمح بتلبية كل الحاجات في فبراير/شباط المقبل".
وجددت فلسطين، أمس الأحد، تنديدها بتعليق عدد من الدول تمويل وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ورأت في ذلك "عقاباً جماعياً وازدواجية معايير بائسة". جاء ذلك في بيانات لوزارة الخارجية والمغتربين ودائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة المبادرة الوطنية، مع إعلان مزيد من الدول وقف تمويلها للوكالة، إثر مزاعم بمشاركة بعض موظفيها بهجوم 7 أكتوبر الذي نفذته "حماس" ضد إسرائيل.
وفي هذا السياق، نددت حماس بـ"التهديدات" الإسرائيلية ودعت "الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية إلى عدم الرضوخ لتهديدات وابتزازات" الدولة العبرية.
وطاولت الاتهامات الإسرائيلية 12 موظفاً من أصل ما يزيد على 30 ألف موظف وموظفة، معظمهم من اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم، يعملون لدى "أونروا" فضلاً عن عدد قليل من الموظفين الدوليين. وهذه الاتهامات ليست الأولى من نوعها، فمنذ بداية الحرب على غزة، عمدت إسرائيل إلى اتهام موظفي "أونروا" بالعمل لصالح "حماس"، في ما اعتُبر "تبريرًا مسبقًا" لضرب مدارس ومرافق المؤسسة في القطاع، التي تؤوي عشرات آلاف النازحين معظمهم من الأطفال والنساء، وفق مراقبين.
ويخوض الاحتلال حربا شرسة لتجويع القطاع منذ بداية الحرب، إذ لم يكتف بقطع المياه والكهرباء والاتصالات ومنع دخول الوقود والغذاء والدواء، بل منع وصول الحصة المخصصة لقطاع غزة لديها من أموال المقاصة (الضرائب)، ثم زعمت مشاركة عدد من موظفي "أونروا" في هجمات حماس في خطوة تصعيدية لحرب التجويع ضد الفلسطينيين.